المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: صياغة القاعدة القانونية: أنواعها وطرقها ج01 الجمعة سبتمبر 24 2010, 11:20 | |
| مقدمة إن الإهتمام بمسألة الصياغة القانونية ليس مجرد إعتناء بالجانب الشكلي والإجرائي، إنما الهدف منه هو الوصول إلى تطبيق دولة القانون والحكم الراشد من خلال سن تشريع جيد ومتطور، في منتهى الوضوح والدقة في الصياغة، منسجما مع الدستور وغير متعارض مع القوانين الأخرى، مفهوم عند عامة الناس وقابل للتطبيق. وتعد نوعية الصياغة التشريعية مكونا هاما من مكونات الإدارة الرشيدة لما لها من أثر على المستوى الإجتماعي والإقتصادي والسياسي للبلاد. كما أن اختيارانا لهذا الموضوع، يتزامن مع إصلاح النظام القانوني الذي شرعت فيه الجزائر والمتمثل في مراجعة وتحديث القوانين الموجودة في شتى القطاعات وما يتماشى مع الإحتياجات والمتطلبات الجديدة لمواكبة المعايير الدولية، من هنا يتبادر للأذهان الطرح المتمحور حول: ما مدى ملائمة مشروعات التطوير التشريعي في تعزيز بناء الديموقراطية وتغيير أسلوب الحكم باتجاه الإستعاب لا الإستبداد وباتجاه المحاسبة والشفافية وما مدى ملائمة ومسايرة الصياغة التشريعية لأنظمة الحكم خاصة في الدول العربية؟ باعتبار أن مسألة التحكم في أصول الصياغة القانونية مسألة حتمية في ظل العولمة والإتجاه الدولي الحالي في توحيد القوانين أصبحت كل دولة لا تستطيع أن تسن قوانينها بمعزل عن القوانين والإتفاقيات الدولية.
المطلب الأول: تعريف الصياغة القانونية
تتكون القاعدة القانونية من عنصرين: عنصر العلم وعنصر الصياغة. يتعلق عنصر العلم بجوهر القانون وموضوعه، أي بالمادة الأولية التي يتكون منها القانون ،وبالعوامل التي تدخل في مضمونه أي القوى الخلاقة للقانون. أما عنصر الصياغة فيتمثل في إخراج هذا المضمون إلى حيز العمل من خلال الوسائل الفنية اللازمة لإنشاء القاعدة القانونية والتعبير عنها، وتسمى بأساليب صناعة أو صياغة القانون. وعلى هذا فالصياغة القانونية هي بمثابة تحويل المادة الأولية التي يتكون منها القانون إلى قواعد عملية صالحة للتطبيق الفعلي على نحو يحقق الغاية التي يفصح عنها جوهرها، ويتم ذلك عن طريق اختيار الوسائل والأدوات الكفيلة بالترجمة الصادقة لمضمون القاعدة وإعطائها الشكل العملي الذي تصلح به للتطبيق."1" وتعد الصياغة القانونية عنصرا هاما من عناصر تكوين القاعدة القانونية، فهي التي تخرجها إلى حيز الوجود ويتوقف نجاح تلك القاعدة على دقة الصياغة ومدى ملائمة أدواتها. لهذا ينبغي مراعاة الدقة في صياغة القاعدة القانونية من خلال اختيار التعبير الفني العملي وأقرب السبل وأفضل الأدوات لتحقيق الغاية المقصودة منها.
المطلـب الثاني: فـــن الصياغــة يتمثل المضمون التشريعي في قواعد ترمى إلى تحقيق مصالح وتصاغ في صورة نصوص .وهذا هو" فن الصياغة القانونية "، ويقصد به مجموعة الوسائل والقواعد المستخدمة لصياغة الأفكار القانونية في نصوص تشريعية تعين على تطبيق القانون من الناحية العملية، وذلك باستيعاب وقائع الحياة في قوالب تشريعية لتحقيق الغرض الذي تنشده السياسة القانونية."2" إن موضوع هذا الفن وغايته هو تسهيل العمل بالقانون، ويتحقق ذلك من خلال عدة أمور: 1- استخدام مناهج وأساليب في الصياغة تمكن قدر الإمكان المستطاع من احتواء كافة الوقائع في مجال القواعد القانونية. إن وقائع الحياة المتنوعة تعصى على الإدراك، في حين أن أساليب الصياغة القانونية محدودة الإمكانيات. لذا يصعب على أي فن بشري، مهما بلغ من كمال، أن يصوغ مبادئ وقواعد تصلح لكل الأمور وفي كافة الأزمان. وينبغي أن تصب القواعد وتصهر وفقا للأشياء والوقائع على نحو تتسع لما بينها من تنوع وتفاوت، أي أن ينبغي على المشرع أن يجمع في الصياغة القانونية بين كمال التحديد وإتقان التكييف. 2- خلق الأفكار القانونية: إن الحياة الاجتماعية تولد مصالح وحاجات معينة، ويأتي فن الصياغة القانونية لإشباع هذه الحاجات، من خلال استخدام وسائل مصطنعة وأفكار قانونية .وهكذا يتضمن كل قانون عناصر مادية توفرها الحياة، وعناصر مصطنعة من خلال الصياغة القانونية. 3- الدراسة العقارية: حيث تعد من تعد من العوامل المساعدة في الصياغة القانونية.المساعدة في الصياغة القانونية .وتتمثل في الاستعانة بالطرق والأساليب المتبعة في البلاد الأخرى لصياغة أحكام القانون. يقوم القانون على عاملين متميزين هما معطيات الحياة والصناعة القانونية. ويترتب على اختلاف وتباين معطيات الحياة من بلد لآخر،نسبية القانون وتفاوت مضمونه.
المطلـب الثالث: المسؤوليات الأخلاقية للصائغين يكمن جزء من حل الصعوبات التي يواجهها الصائغون عند إعداد التشريعات التي تستهدف إحداث تحولات في المجتمع والتي يمكن تنفيذها بفعالية، في إيجاد أخلاقيات مهنية بين الصائغين. وينبغي أن تتضمن تلك الأخلاقيات خمس قواعد أساسية هي: 1- أن يدرك الصائغ أنه مسؤول ليس عن شكل مشروع القانون فحسب، وإنما عن موضوعه أيضا. 2- ومثلما يدين المحامي أثناء المحاكمة بواجب الولاء، إلى كل من الموكل والنظام القضائي، فإن الصائغ يدين كذلك بالولاء إلى كل من الموكل والنظام التشريعي. 3- أن يدين الصائغ للموكل بواجب الكفاءة في صياغة مشروعات قوانين يمكن تنفيذها بفعالية، وكذلك في صياغة مشروعات قوانين وتقارير بحثية صحيحة من الناحية الشكلية. 4- أن يدين الصائغ إلى الموكل بواجب السرية، ولكن يجوز له أن يرفض صياغة مشروع قانون بسبب تعارضه مع معتقادته الشخصية. 5- أن على الصائغ الذي لا يرى سبيلا لكتابة مشروع القانون المقترح ضمن الحدود القانونية والدستور أن يرفض التعليمات الصادرة إليه بصياغة هذا المشروع."3"
المطلـب الأول : الصياغـة الجـامدة تعتب صياغة القاعدة القانونية جامدة إذا كانت تواجه فرضا معينا أو وقائع محددة وتتضمن حلا ثابتا لا يتغير مهما اختلفت الظروف والملابسات. لذا يجد القاضي نفسه مضطرا لتطبيق الحل أو الحكم بمجرد توافر الفرض بطريقة آلية وصارمة. وينطبق ذلك على القواعد التي تتضمن مواعيد وأرقام بالنقض أو الإستئناف. فمتى فات الميعاد المحدد للطعن، فإن القاضي لا يملك إلا الحكم بعدم قبول الطعن المرفوع بعد الميعاد. فقد كان من الممكن أن يأخذ المشرع بمعيار مرن عند تحديد سن الرشد بالنسبة إلى المواطنين، هو الأخذ بالبلوغ الطبيعي، فلا يعتبر رشيدا إلا الشخص البالغ من الناحية الفسيولوجية،القادر على فهم وإدراك تصرفاته. وكانت الشرائع القديمة تأخذ بهذا المعيار المرن، الذي يختلف باختلاف الأفراد، ويراعي الفروق الواقعية بينهم، لأن البلوغ الطبيعيين يتفاوت من شخص إلى آخر.ولكن كانت هناك صعوبة في تطبيقه لأن إثباته ليس دائما يسيرا من الناحية العملية. لذا عدلت الشرائع الحديثة عن هذا المعيار المرن، الأكثر اتساقا مع العدالة، وأخذت بقاعدة جامدة، أسهل تطبيقا في العمل، فحددت سنا قانونية للرشد يتساوى فيه جميع المواطنين، بغض النظر عن درجة بلوغهم الفسيولوجي.
المطلـب الثاني: الصيــاغة المرنـة تكون الصياغة مرنة إذا اكتفت القاعدة القانونية بإعطاء القاضي معيارا مرنا يستهدي به في وضع الحلول المناسبة لكل حالة على حدة من القضايا المعروضة عليه طبقا للظروف والملابسات المختلفة. فالقاضي بسلطة تقديرية واسعة إزاء تطبيق القاعدة المرنة. مثل ذلك القاعدة القانونية التي تعطي للواهب الحق في الرجوع في الهبة متى كان يستند إلى عذر مقبول. فلا شك أن معيار العذر المقبول معيار مرن يتيح للقاضي السلطة الكاملة في تقديره وفقا لظروف كل حالة على حدة. وتعتبر قواعد قانون العقوبات مرنة إذا كانت تحدد العقوبة من خلال وضع حد أقصى وحد أدنى مع ترك الحرية للقاضي في تطبيق العقوبة المناسبة بين هذين الحدين طبقا للظروف الخاصة بكل حالة على حدة.
المطلـب الثالث: الحاجـة للصياغتين معـا الواقع أن القانون الوضعي في حاجة إلى النوعين من الصياغة في نفس الوقت. فالأصل أن تكون القواعد القانونية منضبطة ومحددة، إلا أنه توجد حالات كثيرة لابد وأن تصاغ فيها القواعد بصورة مرنة تتجاوب مع الظروف المتغيرة وما قد يستجد من وقائع. فالمشرع قد يفضل هجر القاعدة الجامدة والأخذ بالمعيار المرن، فمثلا قد يحدد المشرع الغبن في المعاملات بنسبة معينة من قيمة الشيء محل التعامل، وقد يهجر المشرع هذه القاعدة الجامدة ويأخذ بالمعيار المرن، مثل عدم التعادل البتة بين التزامات كل من الطرفين، تاركا للقاضي تقدير كل حالة على حدة، حتى تتلاءم القاعدة القانونية مع تباين الحالات الواقعية، كما هو الحال في نظرية الإستغلال. ويجب بقدر الإمكان أن تجابه القواعد في صياغتها كافة الفروض والظروف وكذلك ما يجد من تطورات واحتمالات. لذلك لعل الأسلوب الأمثل عند تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية يكون من خلال التباين بين المثال والحصر: 1- ذكر حالات انطباق القاعدة القانونية على سبيل المثال، مع إفساح المجال أمام القاضي للقياس، كي تشمل القاعدة ما يطرأ من أحداث ووقائع. 2- وقد يرى المشرع تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية بصورة دقيقة محددة، على نحو لا يترك للقاضي الحرية في القياس، وذلك حرصا على استقرار المعاملات، وصونا لمختلف الحريات. ويبدو ذلك بصفة خاصة في مجال قانون العقوبات، حيث يترتب على القياس تجريم أفعال لا ينص عليها القانون، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ الشرعية.
المطلـب الأول: الطرق المادية تتمثل الصياغة المادية في وجود تعبير مادي عن جوهر القاعدة القانونية مجسدا في مظهر خارجي لها، أما بطريقة إحلال الكم محل الكيف أو بطريقة بعض التصرفات المتمثلة في شكلية معينة: ويقصد بإحلال الحكم محل الكيف: إعطاء القاعدة القانونية تحديدا محكما بالتعبير عن مضمونها برقم معين مما يجعل تطبيقها آليا ولا يملك القاضي تجاهها عادة سلطة تقديرية ومن الأمثلة على هذا النوع من الصياغة القانونية كالتالي: 1- تحديد سن الرشد ببلوغ سن تسعة عشر (19) سنة كاملة المادة (40ق.م). 2- تحديد أهلية الترشح لعضوية المجلس الوطني الشعبي ب (28) سنة. 3- تحديد نسبة الغبن في بيع العقار بما يزيد على : خمس ثمن المثل... المادة(385ق.م). أما الجانب الشكلي المقصود في الصياغة المادية، فيتمثل في مظهر خارجي يفرض على الأفراد إتباعه في تصرفاتهم حتى تترتب عليه آثارا قانونية معينة، ويقصد من هذه الشكلية عادة في إفراغ التصرفات في كتابة رسمية، ومن على ذلك بيع العقار وهبته الرهن الرسمي الذي يرد على عقار، ومن الأشكال الأخرى اشتراط الحصول على إذن معين لمباشرة بعض التصرفات بالنسبة للوصي حماية لأموال القاصر، ومن الشكلية ما يقصد منه تيسير إثبات التصرفات في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على (1000) دج المادة(333 ق.م).
المطلب الثاني: الطرق المعنويـة الصياغة المعنوية هي عمل ذهني يكسب القاعدة القانونية إخراجا عمليا وتتمثل هذه الصيغ في: القرائن القانونية، الإفتراض أو الحيل القانونية. 1- القرائن القانونية : القرينة القانونية هي عملية موضوعها أمر مشكوك فيه على أنه أمر مؤكد، أي تحويل الشك إلى يقين وإخراج القاعدة القانونية على هذا الأساس، وإذا كان مجال القرائن القانونية أصلا هو موضوع الإثبات إلا أن الحاجة إلى القرائن في مجال القواعد الموضوعية أمر قائم. القرائن vالقانونية في مجال الإثبات: يؤخذ بمبدأ القرينة في مجال إثبات مراكز واقعية تمهيدا لتطبيق القانون عليها: إن الشك في وضع ما لتعذر إثباته أو استحالته يتحول إلى يقين متى استعملت فكرة القرينة وهذا من شأنه أن يعمل على تحقيق الاطمئنان والإستقرار في المجتمع متى كان الإثبات العادي المباشر متعذرا ومثاله: القرينة الزوجية التي تقضي: بأن المولد من زوج الوالدة، متى حصل الحمل وقت الزوجية. أو كما ورد في حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): " الولد للفراش" كذلك قرينة اعتبار ارتكاب القاصر عملا غير مشروع قرينة على خطأ من يتولى رقابته كالأب أو الوصي... وإذا كان المبدأ أن القرائن القانونية بسيطة تقبل إثبات العكس إلا أنه توجد بعض القرائن قاطعة لا يجوز إثبات عكسها. وإذا كانت القرائن القانونية تكون إقامتها في مرحلة صياغة القاعدة القانونية، وهي من صنع المشرع، أو القانون الوضعي عموما، فإنه على عكس ذلك تكون القرائن القضائية من صنع القاضي يهتدي إليها في مرحلة تطبيق القاعدة القانونية فهي تستخلص بصدد قضية مطروحة،استنادا إلى وقائع الدعوى وملابستها: كصورية البيع بين الزوجين أو لقرابة وثيقة بين أطرافه... 2- القرائن القانونية في مجال القواعد الموضوعية: هذا النوع من القرائن يمس موضوع الحق، وهو لا يتعدى دور الدافع أو العلة في تقرير حكم القاعدة القانونية، التي تبقى مستقلة بعد إقرارها عن هذه الدوافع، أن تحديد سن الرشد بتمام(19) سنة كاملة في القانون الجزائري قد بناه المشرع على اعتبار هذا السن قرينة تختفي بمجرد صياغة القاعدة القانونية المنصوص عليها في المادة (40ق.أ.م). الإفتراض أو الحيل vالقانونية: يتمثل الإفتراض أو الحيل القانونية في إعطاء وضع من الو ضاع حكما يخالف الحقيقة من أجل الوصول إلى غاية عملية معينة، وهو تصوير ذهني معين يقصد منه تيسير الوصول إلى غاية عملية معينة، وهو تصوير يخالف الواقع ويشوهه. ومن أمثلة الإفتراض أو الحيل القانونية: نظام الموت المدني وهو افتراض يخالف الواقع من بقائه فعلا على قيد الحياة وذلك من أجل ترتيب آثار قانونية. ومن الحيل القانونية أيضا، طائفة العقارات بالتخصيص وطائفة المنثولات بالمال. فهذا افتراض يخالف التقسيم الطبيعي للأشياء إذ يفترض أن بعض المنقولات عقارات إذا كانت مخصصة لخدمة عقار أو استغلاله وافتراض أن بعض العقارات منقولات ما دام مآلها القريب الإنفصال من أصل ثباتها. وإذا كانت الطريقة المعنوية في الصياغة القانونية تحقق فوائد عملية إلا أنها على أساس مخالف للطبيعة والواقع، وإن الالتجاء إليها إنما بقصد تحقيق العدل أو النفع الاجتماعي، وهو التبرير الوحيد للإفتراض أو الحيلة القانونية وهو في جميع الحالات مقيد بعدم تجاوز حدود الغرض المقصود من تقريره...
| |
|