منارة الوفاء مرتبة
الجنس : عدد المساهمات : 35 نقاط : 19080 السٌّمعَة : 2
تاريخ الميلاد : 01/11/1986 تاريخ التسجيل : 27/05/2011 العمر : 38 الموقع : * المدية * العمل/الترفيه : طالبة جامعية/ جمع الأمثال الشعبية المزاج : ممتاز والحمد لله تعاليق : " لا تكن متكبرا لكي لا تكون كالواقف على الجبل ترى الناس صغارا ويرونك صغيرا"
| موضوع: الأحكام القانونية العامة لنظام الإنجاب الإصطناعي الجمعة مايو 27 2011, 18:09 | |
| الفصــــل الثّاني: الإنجاب الاصطناعي بين الفقه الإسلامي و القانون الوضعي. عندما نجحت أولى محاولات التلقيح الاصطناعي لعلاج بعض حالات العقم سواء بالنسبة للزوج أو الزوجة، استقبلها الأشخاص الذين كانوا محرومين من الذرية بكثير من الإعجاب والأمل. غير أنه سرعان ما استعملت هذه الوسائل بطريقة غير إنسانية، وعرفت الكثير من التجاوزات المنافية للقيم الأخلاقية والمبادئ الدينية، وفتح المجال واسعا للمتلاعبين بالبنوة وبالأمومة وبالأبوة، وشجعت على المتاجرة بالنطف والبويضات والأرحام، خاصة في المجتمعات الغربية التي طغت عليها الإباحية. وحتى تكون دراسة هذا الموضوع مكتملة نوعا ما، فإن ذلك يقتضي بيان موقف كل من الشرع أو الفقه الإسلامي على وجه التحديد، والتشريع الوضعي من الإنجاب الاصطناعي، وعليه فإنني سأتولى التعرض لموقف كل الفقه الإسلامي في المبحث الأول من هذا الفصل، ثم أتطرق في المبحث الثاني منه لموقف القانون الوضعي من هذا الإنجاب.
المبحث الأوّل: موقف الفقه الإسلامي من نظام الإنجاب الاصطناعي. إن الكشف عن موقف الفقه الإسلامي من التقنيات المختلفة للإنجاب الاصطناعي، والتطور الذي عرفته، يستلزم منا البحث في مدى شرعية استخدام أسلوب الإنجاب الاصطناعي، وتوضيح ما يمكن قبوله وما يمكن استبعاده منها، فنشير في هذا المقام إلى أن الفقهاء المحدثون قد تناولوا هذا الموضوع ببالغ الأهمية، نظرا لما تتميز به أنظمة الدول العربية الإسلامية، سيما فيما يتعلق بأحكام المواريث و إثبات النسب، و مدى تأثر هذه الأخيرة بمسألة الإنجاب الاصطناعي، فمن هذه المسائل ما اعتبروه مشروعا، و منها ما هو محظور في نظرهم. و فيما يلي التعرض لموقف هؤلاء بقليل من التفصيل ضمن المطلبين التاليين. المطلب الأوّل: مدى شرعية وسائل الإنجاب الاصطناعي. إنه ومما لا شك فيه، هو أنه لا يمكن القول بشرعية وسائل الإنجاب الاصطناعي المختلفة، إلا إذا كانت هذه الوسائل لا تتعارض مع المبادئ الأساسية التي تعتمدها الشريعة الإسلامية، والتي تتمثل أساسا في: - احترام الحياة الزوجية، على اعتبار أن علاقة الزواج تعتبر خلية التواصل بين الأجيال وأنه تترتب عليها حقوق وواجبات متبادلة. - إقرار النسب بين الزوجين مع تحديد القواعد المبينة لكيفية ثبوته. وبهذا الخصوص، فإن المشرع الإسلامي ضبط أحكام النسب بقواعد واضحة، واعتمد هنا مبدأ أساسي هو "الولد للفراش". و المراد بالفراش هو الزوجية القائمة، لأن الولد ينسب لأمه بالولادة منها و لأبيه بالزوجية. كما اشترط الفقهاء المسلمون لإثبات النسب عن طريق الزوجية مجموعة من الضوابط تتمثل في: - إمكانية حمل الزوجة من زوجها، بألا يكون عقيما أو صغيرا أو مصابا بعاهة جنسية. - مضي أقل مدة الحمل على الزواج وهي 06 أشهر، للتأكد من انتماء الولود لأبيه. - ألا تنقضي على فراق الزوج لزوجته أكثر من المدة المحددة شرعا للحمل، و هي سنة عند أغلب الفقهاء المسلمين.
إن هذه الضوابط إنما يراد بها التأكيد على أن النسب لا يثبت بالإرادة، وأنه يثبت عن طريق التأكد من أن الجنين هو ثمرة علاقة جنسية في إطار مؤسسة الزوجية . فابن الزنا لا يثبت لأبيه، والأمر نفسه بالنسبة للمـولود نتيجة عقد زواج فاسد إلا بإقرار أبيه، متى كان هذا الإقرار قابلا للتصديق. وعليه، فمن الضروري عند دراسة تقنيات الإنجاب الاصطناعي، أن نضع نصب أعيننا كل هذه المبادئ لتحديد ما هو مقبول شرعا وما هو مرفوض، حتى لا تكون هذه التقنيات عاملا من عوامل تفكك الأسرة وهدم المؤسسات الزوجية. الفرع الأوّل: حالات الإنجاب الاصطناعي المّتفق على شرعيتها. الواقع أن العالم الإسلامي لم يكن لتثار فيه مسألة الإنجاب الاصطناعي، لو لم يلجأ الأطباء في بعض الأقطار الإسلامية إلى إجراء بعض تجارب التلقيح الاصطناعي، بالتعاون مع أطباء من الغرب، وهو ما حصل مثلا في جدة بالمملكة العربية السعودية، التي لجأ فيها الأطباء بمساعدة أطباء بريطانيين إلى تطوير وسائل الإنجاب الاصطناعي، وهو ما دفع فقهاء الشريعة الإسلامية إلى البحث عن موقف الإسلام من كل هذه العمليات . ومن خلال الإطلاع على القرارات المختلفة الصادرة عن الجهات المعنية بإصدار الفتاوى الشرعية، فإنه يتضح أن هناك حالتين أجمع فيهما الفقهاء المسلمون حديثا، على إباحة اعتماد أسلوب الإنجاب الاصطناعي. 1. تتمثل الحالة الأولى في جواز أخذ نطفة الزوج وحقنها في رحم زوجته، مادام لم يقم أي شك حول استبدال أو اختلاط هذه النطفة بنطف الغير . 2. وتتمثل الحالة الثانية في جواز أخذ بويضة الزوجة العاقم، وتخصيبها بنطفة زوجها خارج الرحم في أنبوب الاختبار، ثم زرع البويضة الملقحة في رحم زوجته نفسها، مع وجوب التأكد من عدم اختلاط هذه النطفة أو البويضة، بنطفة أو بويضة أجنبية عن الزوجين. فإذا ما تم التأكد من ذلك، فإن نسب المولود يثبت من والده صاحب النطفة، وأمه صاحبة البويضة الملقحة لكونهما المصدر الوحيد لوجود الطفل وميلاده، شريطة أن تتم عملية التلقيح أثناء حياة الزوج وأن تكون علاقة الزواج ما تزال قائمة بينه و بين زوجته، لأن حدوث الحمل بعد وفاة الزوج أو بعد الطلاق يلغي النسب. ولقد اعتمد الفقهاء لإباحة هاتين الحالتين على دليل شرعي يتمثل في مبدأين شرعيين هما: تحقيق المقاصد الشّرعية: يعتمـد هذا الدليل على أساس مصدره قاعدة مستنبطة عن طريق الاستقرار؛ مفادها أن الشريعة وضعت لتحقيق مصالح العباد، وأن التكليف يهدف إلى تحقيق حفظ مقاصد الشريعة في الخلق، وهي مقاصد ضرورية وحاجية وتحسينية؛ فالمقاصد الضرورية هي التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، لأن فقدها يؤدي إلى الاختلال في الحياة البشرية، وتشمل حفظ الدين والنسل والنفس والمال . أما المقاصد الحاجية، فهي التي يفتقر إليها لأجل رفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة. وأما المقاصد التحسينية، فتعني الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب ما لا يليق. ويندرج الإنجاب ضمن المقاصد الشرعية، لأن عدمه يؤدي إلى اختلال في الحياة، ولذلك فإنه يجوز استخدام الوسائل التقنية لتحقيق المصالح البشرية. غلبة المصلحة على المفسدة: ويؤكد هذا المبدأ على أن الشريعة الإسلامية تأخذ بالاعتبار مصالح العباد، والمعيار الأساسي للحكم في القضايا والمشاكل الطارئة، هو وضوح المصلحة وغلبتها. وأنه مادامت المصلحة في إباحة الاستعانة بالتقنيات الطبية هي المساعدة على التغلب على مشاكل العقم، وأنه مادام ذلك لا يؤدي إلى مفسدة ظاهرة أي اختلاط الأنساب، فإنه ليس هناك ما يمنع من الاستعانة بها. الفرع الثّاني: حالات الإنجاب الاصطناعي غير المباحة شرعا. إنه و في مقابل الحالتين السابق ذكرهما اللتين اتفق الفقهاء المسلمون على شرعيتهما، فإن هناك حالات أخرى أجمع الفقهاء على عدم شرعيتها. 1- وتتمثل الحالة الأولى في تحريم تدخل "الغير" في عملية الإنجاب أيا كانت صورة هذا التدخل. أي أنه لا يجوز أن تكون إحدى البذرتين الذكرية أو الأنثوية من أحد الزوجين والأخرى من أجنبي عنهما، لأن القول بخلاف ذلك من شأنه أن يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وهذا أمر محظور شرعا . 2- وأما الثانية، فتتعلق بتلك الحالة التي تكون فيها كل من النطفة والبويضة تابعتين للزوجين غير أن عملية التلقيح يتم إجراؤها، مع زرع البويضة الملقحة في رحم امرأة أجنبية عنهما. فهنا يقرر الفقهاء المسلمون رفض استخدام مثل هذه التقنية رفضا كليا، لأن ذلك يعتبر وسيلة للفوضى واختلاط الأنساب. 3- وأما الحالة الأخيرة، فهي تقوم على تحريم اللجوء إلى استخدام البذور الذكرية والأنثوية لأشخاص أجانب عن الزوجين، سواء أكانوا معروفين أو مجهولين، لأن ذلك يعتبر ذروة في اختلاط الأنساب، وهو أجدر من ثم بالتحريم من الحالتين السابقتين؛ وهذا معناه أن كل مولود يكون نتاج إحدى هذه الوسائل الثلاثة، فإنه يعتبر في نظر الشرع لقيطا أو ما اصطلح على تسميته في القانون الوضعي بالطفل الطبيعي، وبذلك فإنه لا ينسب إلى الأب وإنما لمن حملته ووضعته، أي أنه يأخذ حكم ولد الزنا الذي ينسب لأمه فقط. المطلب الثّاني: بعض حالات الإنجاب الاصطناعي بين الأخذ و الرد. لقد اختلف الفقهاء المحدثون حول مدى شرعية بعض أساليب الإنجاب الاصطناعي. ولا شك أن السبب في ذلك راجع إلى التطور العلمي الذي مس نظام التلقيح الاصطناعي، والتقدم الذي عرفته تقنياته، وهو الأمر الذي يطرح المزيد من التعقيدات والإشكالات، التي ينبغي على فقهاء الشريعة الإسلامية الوقوف عندها، لفك الغموض واللبس عنها ببيان مشروعيتها من عدمها. وفي هذا الإطار، ننوه أن هناك من الحالات التي لا يزال الفقه الإسلامي مختلف بشأنها، منقسمين في ذلك إلى مؤيد ومعارض. حالات الإنجاب الاصطناعي المختلف بشأن شرعيتها. من الحالات التي ما تزال محل خلاف بين الفقهاء المحدثين، نشير إلى الحالة المعروفة باسم حالة الحمل لصالح الغير، ويفرقون هنا بين صورتين. 1- الصورة الأولى، وتخص تلك الحالة التي يتم فيها زرع بويضة مخصبة من زوجين، في رحم امرأة أخرى ليست بينها وبين الزوج أية علاقة. والحكم في هذه الحالة هو التحريم . 2- أما الصورة الثانية، فتتعلق بتلك التي يتم فيها زرع بويضة مخصبة من زوجين في رحم زوجة أخرى لهذا الزوج، وهي حالة تفترض تعدد الزوجات، باعتباره نظاما معروفا في الـدول 3- الإسلامية. وهنا يتم زرع البويضة المخصبة في رحم الزوجة الثانية، نيابة عن الزوجة الأولى صاحبة البويضة، وتتولى عملية الحمل لتقوم بتسليم المولود لها بعد ولادته. وما يجدر ذكره هنا، أن أغلب الفقه كان يرجح هذه العملية، وتم التأكيد على شرعيتها خلال الدورة السابعة للمجمع الفقهي الإسلامي، المنعقد بمكة المكرمة ما بين 11 إلى 16 ربيع الثاني سنة 1404هـ، حول مشكلة التلقيح الاصطناعي و أطفال الأنابيب، وذلك بتقريره : • أن حاجة الزوجين إلى الولد تعتبر غرضا مشروعا، يبيح معالجتها عن طريق التلقيح الاصطناعي، متى تمت إحاطته بالضوابط الشرعية السابق ذكرها. • إن الأسلوب التي تؤخذ فيه النطفة من رجل متزوج، ثم تحقن في رحم زوجته نفسها بطريقة التلقيح الداخلي، هو أسلوب جائز شرعا بالشروط العامة الآنفة الذكر، متى ثبتت حاجة المرأة إلى هذه العملية. • أن الأسلوب الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والأنثوية من الزوجين، ويتم تلقيحهما خارجيا في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها، هو أسلوب مقبول مبدئيا، لكنه غير سليم من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات، فينبغي اللجوء إليه فقط في حالات الضرورة القصوى بعد توفر الشروط العامة. • الأسلوب الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين، وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم زوجة أخرى للزوج نفسه، وهي الفرضية التي تهمنا هنا، فإن المجلس أجاز اللجوء إليها عند الحاجة، لكن بالضوابط المذكورة سابقا. غير أن المجلس تراجع عن مواقفه فما يتعلق بجواز زرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، وذلك بعد الملاحظات التي أبداها بعض أعضائه، والتي ورد التركيز ضمنها، على أن الزوجـة التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجـة الأولى، قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها فترة متقاربة، ثم تلد توأمين، ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج، كما قد تمت علقة أو مضغة أحد الحملين، ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعرف أيضا أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة الزوج، وذلك يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وهو ما أوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة. ويبدو أن المجمع قد أصاب حينما تراجع عن رأيه بخصوص هذه المسألة، فالاستعانة في موضوع الإنجاب بطرف ثالث، سيؤدي حتما إلى تشابك في العلاقات النسبية، وتنازع في ادعاء الأحقية في القرابة النسبية، وأن الرحم الإنساني ليس كالرحم الاصطناعي، وأن صاحبة الرحم هي أم، ودورها في احتضان الجنين لا يقل أهمية عن الأم صاحبة البويضة الأولى، وبذلك لا يمكن قياس العلاقة الرحمية بالرضاع، وهو قياس مع الفارق، لأن الرضاع لا يكون إلى بعد تمام التكوين الإنساني وفي ظل وضوح النسب.
المبحث الثّاني: موقف القانون من نظام الإنجاب الاصطناعي. سأخصص هذا المبحث من الفصل الثاني لهذه المذكرة، لبيان حكم الإنجاب الاصطناعي في ظل القانون الوضعي لاسيما القانون المقارن، مع التركيز أكثر في هذا المقام، على القانون الفرنسي، باعتباره المنهل الذي استمد منه المشرع الجزائري معظم قوانينه، وفي شتى المجالات من جهة، ومن جهة أخرى كونه قانون البلد الذي كان قضاؤه السباق للفصل في الكثير من المنازعات، التي أثيرت أمامه بخصوص العلاقات التي تتشابك وتتعقد لتحقيق الهدف المتوخى من الإنجاب الاصطناعي، مشيرا في الأخير إلى موقف المشرع الجزائري من مسألة التلقيح الاصطناعي، قبل وبعد تعديله لقانون الأسرة الجزائري بموجب الأمر رقم 05/02، المؤرخ في 27/2/2005. لذلك سأعالج موقف القانون من هذه المسألة في مطلبين، أتناول في المطلب الأول الإنجاب الاصطناعي في ظل القانون المقارن، وفي المطلب الثاني موقف المشرع الجزائري منه. المطلب الأوّل: الإنجاب الاصطناعي في التّشريع المقارن. نحاول من خلال هذا المطلب الإطلاع على أهم المسائل القانونية التي تطرحها وسائل الإنجاب الاصطناعي المختلفة في التشريع المقارن. ولكن ونظرا لاستحالة معالجة ذلك على ضوء قوانين جميع الدول، فإنني أكتفي في ذلك ببعض التشريعات المختلفة، الغربية منها والعربية من خلال فرعين. أعالج في الأول، الأحكام القانونية التي تنظم التلقيح الاصطناعي في التشريع الفرنسي، كونه المصدر الذي استنبط منه المشرع الجزائري معظم قوانينه، والفرع الثاني أتناول فيه أحكام بعض القوانين الأخرى. الفرع الأوّل: الأحكام القانونية للتّلقيح الاصطناعي في التّشريع الفرنسي. لقد أصدر المشرع الفرنسي في هذا السياق قانونين بتاريخ 29/07/1994، أولهما يحمل رقم 94/653 ويتعلق باحترام الجسد الإنساني، ويحمل الثاني رقم 94/654، وهو القانون المنظم للمسائل المتعلقة بهبة واستعمال عناصر ومنتجات الجسد الإنساني، والمساعدة الطبية للإنجاب والتشخيص المبكر، ضامنا احترام أحكامه بالاستعانة بقانون العقوبات، وذلك من خلاله استحداثه لحوالي 35 جنحة جديدة معاقب عليها بعقوبة الحبس . ومن استقراء مجمل النصوص التي أوردها المشرع الفرنسي في هذا الإطار، نستخلص أنه أقر مشروعية ممارسة أغلب عمليات التلقيح الاصطناعي، موقفا ذلك على شروط يتعلق بعضها بالجانب الشكلي، وهي إما تخص طالب الاستفادة من التلقيح أو تخص الجانب الطبي، وبعضها الآخر ذو طابع موضوعي. • 1)- فعن الشروط الشكلية المتعلقة بطالب الاستفادة من التلقيح، فإن الأمر هنا يخص كل شخص يتقدم بطلب الاستفادة من مختلف وسائل التلقيح الاصطناعي، لأجل غرض الإنجاب سواء أكان ذلك في إطار العلاقات الزوجية، أو العلاقات الحرة و كذا ما يسمى بالأسرة الأحادية أي من الأب أو من الأم فقط التي نشأت في البلاد الغربية، إلى جانب المرأة غير المتزوجة التي ترغب في الإنجاب، دون حاجة لارتباطها بعلاقة شرعية مع رجل. وتتمثل هذه الشروط في: - وجود رابطة معترف بها قانونا بين طالبي الاستفادة من الإنجاب، سواء أكانت رابطة زواج شرعية بين الرجل و المرأة، أو في إطار ما يسمى بالعلاقات الحرة، القائمة لمدة لا تقل عن السنتين، حسب مقتضيات المادة 152/2 من قانون الصحة العمومية رقم 94/654 . وهو النص الذي يفهم منه أنه لا يجوز للمرأة العزباء أو الأرملة، المطالبة بالاستفادة من وسائل الإنجاب الاصطناعي، كما أن إجراء عملية زرع البويضة بعد الوفاة، أصبح أمرا محظورا وبالتالي، فإنه لا يبقى لها سوى التبرع بالبويضات المخصبة والمحفوظة على مستوى مراكز الحفظ لمن هو في حاجة إليها . - بلوغ الطالبين سن الإنجاب، وهو الشرط الذي تناولته نفس المادة أي المادة 152/2 من نفس القانون المذكور سابقا . - توافر الرضا لدى الطرفين لاستخدام إحدى وسائل التلقيح. و هذا الشرط أشارت إليه ذات المادة من نفس القانون . وهنا نشير إلى أن جل التشريعات أكدت صراحة على وجوب الإفصاح عن الرضا، بقبول إجراء عملية التلقيح الاصطناعي في شكل كتابي سابق على العملية. وهو نفس الشرط المطلوب في حالة ما إذا كان التلقيح الاصطناعي بغير نطفة الزوج، طبقا للمادة 10 من القانون رقم 653/94 إضافة إلى شرط السرية التامة، وهذا تحت طائلة عقوبة الحبس والغرامة، حسب أحكام المادة 17 من القانون رقم 654/94، وهو الجزاء ذاته الذي قرره المشرع في حالة استعمال وسيلة الحمل لصالح الغير، أو إيجار الرحم بموجب نص المادة 227 مكرر 12 من قانون العقوبات، باعتبارها وسيلة محظورة في ظل القانون رقم 653/94. 2)- وفيما يخص الشروط الشكلية المتعلقة بالجانب الطبي، فإن المشرع الفرنسي في نص المادة 184/1 من قانون الصحة العمومية، ميز بين نوعين من النشاطات. النشاطات الطبية البحتة للمساعدة الطبية على الإنجاب، والتي يجب ممارستها داخل المؤسسات الصحية العمومية أو الخاصة، والنشاطات ذات الطابع البيولوجي المطلق، التي لا تمارس إلا على مستوى المنشآت الصحية العمومية أو مخابر التحاليل البيولوجية. هذا فضلا عن مجموعة أخرى من الشروط، تتمثل في وجوب احترام جملة من الإجراءات الأولية قبل البدء في إجراء أي عمل طبي. ومن بينها وجوب إجراء لقاء الطرفين، اللذين يرغبان في الاستفادة من وسائل الإنجاب الاصطناعي بحضور فريق طبي متعدد التخصصات، وذلك حتى يتسنى للمعنيين طرح اختيارهم وأبعادهم من وراء إجراء عملية التلقيح، وتلقي الإجابات على ذلك من المتخصصين في هذا الميدان، فإذا ما تم هذا اللقاء، فإن الطرفين يقدمان طلبا خطيا للجنة الطبية للإجابة عليه إما بالقبول أو بالرفض. • وأما عن الشروط الموضوعية لممارسة التلقيح الاصطناعي، فإن المشرع الفرنسي حدد الإطار أو الغرض المرجو من وراء اللجوء إلى عملية هذا التلقيح. فنص في المادة 152 من القانون رقم 94/654 المؤرخ في29/07/1994، على أن موضوع المساعدة الطبية على الإنجاب هو علاج العقم، وأن مخالفة هذا الحكم، يعد جريمة معاقب عليها بالحبس لمدة خمس سنوات، وغرامة مالية قدرها 500 ألف فرنك فرنسي. كما حصر في المادة 673/5 من قانون الصحة العمومية، القيام بعمليات جمع ومعالجة وحفظ البويضات والتنازل عنها لصالح الهيآت والمؤسسات الصحية، عامة كانت أو خاصة والخيرية منها فقط. ولذلك فإنه يحظر أي نشاط طبي يكون الغرض منه تحقيق الربح. بل وإنه ينص على أن ممارسة أي شكل من أشكال الوساطة، يعرض صاحبه للمتابعة الجزائية وبالتالي للعقوبة . الفرع الثاني: التّلقيح الاصطناعي في ظلّ بعض التّشريعات الأخرى. لقد سايرت أغلبية الدول الغربية التشريع الفرنسي، من حيث توحيد الأحكام المنظمة لعمليات الإنجاب الاصطناعي، كتقنية مساعدة على الإنجاب ومعالجة مشكلة العقم، و ضبطته كل دولة حسب الشروط والأحكام التي تتلاءم مع نظامها ومبادئها القانونية، بل وحتى الدينية. فنجد ليبيا استراليا والسويد مثلا يجرمون، تلقيح المرأة غير المتزوجة. كما تستبعد مجمل التشريعات الحديثة الطابع التجاري لكل عملية من عمليات التلقيح الاصطناعي. أما فيما يتعلق بالعلاقات الحرة، فإن بعض التشريعات الغربية لا تعترف لأفرادها بالحق في طلب الاستفادة من التلقيح الاصطناعي كإيطاليا وسويسرا. حيث قصرت التلقيح على الزوجين ولم تصل إلى حد التجريم، وهو تقريبا ما أخذ به المشرع الألماني، عندما قصر حق الاستفادة من وسائل الإنجاب الاصطناعي على الأزواج فقط، شأنه في ذلك شأن المشرع النرويجي في المادة 04 من القانون المنظم للإنجاب الاصطناعي، بنصه على أن التخصيب الاصطناعي الذي يتم خارج الرحم، يبقى مقصورا على النساء المتزوجات وحدهن . لكن تبقى التقنية الأكثر إثارة للإشكاليات والاختلافات هي مسألة الأم البديلة. وفي هذا السياق وجد على مستوى الاتحاد الأوروبي جمعية من الخبراء، يبحثون حول تطورات العلوم الطبية والاكتشافات الحديثة، وقد حضّرت مشروع توصية في:21/5/1987 محتواه، أن كرامة المرأة تفرض على أنه لا يمكن أن يكون جسمها أداة لحساب و فائدة الغير. كما نصت على أنه " لا يجوز لأي طبيب أو مؤسسة أن يستعمل تقنيات الإنجاب الاصطناعي، لأجل حمل الطفل من طرف الأم بالإنابة". وفي بريطانيا جاء المشرع بنص، يقضى بمعاقبة الوسيط أو الوكالات المختصة بالبحث والتفاوض وإبرام العقود الخاصة بالأمهات بالإنابة، وهو نفس الموقف الذي وقفه المشرع الألماني . وإذا كانت هذه الوسيلة في التلقيح الاصطناعي تأخذ هذا الحكم في فرنسا على غرار العديد من الدول الأوربية والعربية، فإن هناك تشريعات أخرى تجيز استعمال هذا الأسلوب، كما هي الحال
في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك ما أخذ به المشرع الإسباني عندما نص في قانونه الصادر في:18/12/1988، بصحة هذه الوسيلة للإنجاب وبالتالي إمكانية اللجوء إليها. المطلب الثّاني: موقف المشرّع الجزائري من التّلقيح الاصطناعي. لقد اعترف المشرع الجزائري بالتلقيح الاصطناعي كتقنية طبية حديثة للإنجاب، بالتعديل الحاصل في27/2/2005 بموجب الأمر رقم 05/02، المتضمن تعديل قانون الأسرة، والذي أحدث قفزة ونوعية في موقف مشرعنا مقارنة بما كان عليه، لذا سأتطرق لموقف المشرع الجزائري قبل التعديل في الفرع الأول من هذا المطلب، ثم موقفه بعد التعديل في الفرع الثاني. الفرع الأوّل: موقف المشرّع الجزائري قبل صدور الأمر رقم 05-02. لم يتصد المشرع الجزائري لعملية التلقيح الاصطناعي وصوره المختلفة، بنصوص تشريعية صريحة أو قواعد تنظيمية لها. وبما أن مسألة التلقيح الاصطناعي تخص إنجاب الأولاد، فهو وثيق الصلة بمسألة النسب، وبالعودة إلى النصوص القانونية المنظمة للنسب في قانون الأسرة الجزائري، نجد المادة 40 التي تنص في فقرتها الأولى على أنه: "يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة، أو بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 و 33 و 34 من هذا القانون". ونصت المادة 41 من نفس القانون على أنه: "ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة". وإذا رجعنا إلى نصي المادتين المذكورتين، نجد أن المشرع قد حصر إلحاق النسب في علاقة الزوجية، ليبقى الزواج هو الوسيلة الطبيعية الوحيدة للإنجاب، لأنه هو وحده أساس النظام الاجتماعي في الجزائر طبقا لأحكام المادة 04 من قانون الأسرة . بل ولم يقصر ثبوت النسب بالزواج الصحيح فقط، وإنما نص على إمكانية ثبوته على أساس نكاح الشبهة، وكل زواج تم فسخه بعد الدخول لأي سبب من الأسباب المقررة شرعا وقانونا. في حين ومن جهة أخرى خص ثبوت النسب من جهة الأبوة بنص المادة 41، واضعا ثلاثة شروط له هي كالتالي: أن يكون الزّواج شرعيا: ويقصد بهذا الشرط أن يكون الزواج مكتمل الشروط والأركان المقررة بنص المادة 9 من قانون الأسرة، ومن ثم فهو يعد صحيحا. ويترتب على ذلك أنـه إذا
وضعت الأم (الزوجة) مولودها في الأجل الذي حدده القانون، فإن نسبه يلحق بزوجها تلقائيا، أي بوالده، وذلك من دون الحاجة إلى الاعتراف أو البينة على هذا النسب، وهذا أخذا بالمبدأ الوارد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش و للعاهر الحجر"، فبالزواج أصبحت الزوجة فرشا لزوجها دون غيره من الرجال، و يحرم عليها تمكين غيره منها، وبالتالي يفترض إن كل حمل تحمله الزوجة يكون من زوجها. ونتساءل نحن بدورنا عن مدى شرعية الزواج العرفي. فنقول أن المشرع الجزائري يعترف بالزواج العرفي، كلما كان متوافر الأركان المنصوص عليها قانونا. فإذا كان ينص في المادة 22 من قانون الأسرة على أن الزواج يثبت بمستخرج من الحالة المدنية، فإنه قد جعل هناك إمكانية لإثبات الزواج غير المسجل (العرفي)، عن طريق اللجوء إلى الجهة القضائية المختصة للحصول على حكم بذلك، فطالما أن الزواج توافر على كامل الشروط والأركان، فإنه يترتب عليه كافة الآثار والحقوق والتي من بينها إلحاق نسب الأولاد بأبيهم. 1- إمكانية الاتّصال الجنسي بين الزّوجين: وهو الشرط الذي يتعين توافره بعد إبرام عقد الزواج. و نشير هنا إلى أن المشرع الجزائري لم يتعرض إلى شرط وضعه الفقه قبل شرط إمكانية الاتصال، ألا وهو شرط إمكان حمل الزوجة من زوجـها، ويقصـد به أن يكون الزوج بالغا أو مراهقا، خاليا من كل ما من شأنه الحيلولة دون الإنجاب. فإن كان صغيرا أو عقيما أو مصابا بضعف الخصوبة، لا يتصور منه الحمل فلا يثبت عندئذ نسب الولد إليه. وعن سن المراهقة، فإن المذهب الحنفي يحدده ببلوغ اثني عشر سنة، أما الحنابلة فيحددونه بعشر سنوات. وبرأينا نحن، فإن المشرع الجزائري لم يتطرق لهذا الشرط، لأنه حدد أهلية الزواج من خلال المادة 07 من قانون الأسرة لكل من الرجل بـ21 سنة و المرأة بـ18 سنة وإن كان في نفس المادة قد اشترط استصدار إذن من رئيس المحكمة، إذا ما رغبوا بالزواج وكانوا لم يبلغوا بعد سن الرشد القانوني. وهو أمر جوازي متروك للقاضي، ويخضع لسلطته التقديرية. غير أنه لم نصادف ولا حالة واحدة رخص فيها بالزواج، لصبي في العاشرة من عمره أو حتى 15 سنة. فبالنسبة إذن لشرط إمكانية الاتصال، فمؤداه أنه لا يكفي وجود عقد زواج شرعي، إذ لابد من وجود دخول و اتصال جنسي، وإذا استحال هذا الأخير، فإن نسب الولد لا يلحق أبيه. وفي هذا الصدد نشير إلى وجود خلاف حول هذه الإمكانية. فهل تكفي الإمكانية العقلية، أم لابد من الإمكانية الفعلية؟. لقد انقسم الفقهاء في الإجابة على هذا السؤال إلى اتجاهات. فبالنسبة للإمام مالك والشافعي وابن حنبل فهم يشترطون الإمكان المادي، لأن الأحكام تبنى على الكثير الغالب وليس على القليل النادر. فلو تزوج رجل امرأة وطلقها في مجلس العقد، ثم أتت بولد بعد ستة أشهر أو أكثر فلا يثبت نسب المولود منه. وإذا تم العقد بين زوجين غائبين بالوكالة، ووضعت الزوجة خلال الفترة المقررة قانونا، فإنه يثبت نسب المولود للزوج، إذا كان الاتصال بين الزوجين ممكنا، بأن كانا يتلاقيان. أما إذا استحال تلاقيهما كون كل واحد في بلد ولم يسافر أحدهما للآخر أبدا، فإن نسب الولد لا يلحق بالزوج، وهو الرأي الذي تبناه المشرع الجزائري في المادة 41 من قانون الأسرة، و هذا على خلاف أنصار المذهب الحنفي، اللذين قالوا أن مجرد الفراش أي العقد، يكفي لإلحاق النسب بصاحب الفراش ولو لم يعقب الزواج دخول بالزوجة، وهذا رغبة منهم في حماية الولد من الضياع، و ستر العرض ومنع مشكلة اللقطاء. وإلى جانب هذين المذهبين نجد فقهاء آخرون من بينهم ابن تيمية، ذهبوا إلى اشتراط الدخول المحقق. فلا يثبت الفراش إلا بمعرفة الدخول الحقيقي، على أساس ما قاله الإمام أحمد، وحجته المتمثلة في أن العرف وأصل اللغة لا يعدون المرأة فراشا إلا بعد البناء بها . 2- عدم نفي النّسب بالطّرق المشروعة: إن وجود الزواج الشرعي وإمكانية الاتصال الجنسي بين الزوجين، لا يكفيان لثبوت النسب. بل يجب ألاّ يكون الزوج قد لجأ إلى الطرق المقررة شرعا و قانونا لنفي هذا النسب. وبالرجوع إلى أحكام قانون الأسرة الجزائري، فإننا لا نجد في مجال نفي النسب نصا صريحا بالوسائل المتاحة لهذا الغرض، إلا نص المادة 138 منه، التي نصت على اللعان كسبب أو مانع من موانع الإرث، الأمر الذي نستنتج من خلاله أن المشرع اعتد باللعان كطريق لنفي النسب. وهو ما استقرت عليه المحكمة العليا، عندما اعتبرته الوسيلة الوحيدة لنفي النسب. و هذا الموقف أنكره عليها رجال القانون، على أساس أن المادة 41 نصت على شروط ثبوت النسب، وهي ضرورة وجود زواج شرعي، إمكانية الاتصال بين الزوجين وعدم نفيه بالطرق المشروعة،وهي شروط مرتبطة ومكملة لبعضها البعض، وعليه فإنه إذا تخلف شرط منها يترتب عليه عدم ثبوت النسب، إعمالا لمفهوم المخالفة. كما أخذوا على المحكمة العليا التناقض في قراراتها و مواقفها. فمن جهة ترفض إثبات النسب في حالة انتفاء أحد شروط المادتين 41 و42 من قانون الأسرة لكن بالمقابل ترفض نفي النسب عندما تتخلف إحدى هذه الشروط المذكورة، على أساس أن الولد لم يتم نفيه باللعان. وبالنسبة للطرق العلمية الحديثة المعمول بها في هذا المجال، وهي فحص الدم وفحص الحمض النووي، فإن المشرع سكت عنها و لم يتطرق لها إطلاقا. وقد اعتبرت المحكمة العليا هذا السكوت بمثابة رفض، وهذا في قرارها الصادر بتاريخ 15/6/1999 ملف رقم 222674 والذي جاء فيه: "…… ومتى تبين في قضية الحال أن قضاة المجلس لما قضوا بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبرة طبية قصد تحليل الدم للوصول إلى تحديد النسب خلافا لقواعد إثبات النسب المسطرة شرعا وقانونا طبقا للأحكام المادة 40 وما بعدها من قانون الأسرة، فإنهم بقضائهم كما فعلوا تجاوزوا سلطتهم وعرضوا قرارهم للنقض". أما إذا طبقنا نص المادة 222 من قانون الأسرة، والتي تحيل إلى أحكام الشريعة الإسلامية في حالة عدم وجود نص، فإن فقهاء الشريعة الإسلامية يجيزونها لإثبات النسب وليس لنفيه، لأن النص القرآني فصل في ذلك باللعان. وفي إطار تطبيق نفس المادة، فإنه في مجال التلقيح الاصطناعي، يمكن القول أن مشرعنا قبل تعديله لقانون الأسرة، لم يمنع صراحة اللجوء إلى هذا التلقيح، مما يفيد أنه أجاز ذلك ضمنيا باعتبار أن فقـهاء الشريعة الإسلامية فصلوا في الأمـر، واستقروا على إباحة استعمال أسلوب الإنجاب الاصطناعي من طرف ممن هو في حاجة إليه، متى توافرت الشروط المطلوبة لذلك وهي ضرورة وجود علاقة زوجية شرعية، وقائمة بين الزوجين الطالبين للاستفادة من هذا التلقيح، و كذا توافر رضا كل طرف منهما، وذلك في الحالات التي سبق الإشارة إليها في المبحث الأول من الفصل الثاني من هذه المذكرة، مادام ذلك لا يتعارض مع المبادئ الأساسية التي تعتمدها الشريعة الإسلامية. وما يبرر ذلك، هو الحالات التطبيقية التي عرفها هذا النظام في الجزائر، ونستشهد في ذلك بأول عملية تلقيح خارج الرحم، التي أجريت في الجزائر بعيادة الفارابي بولاية عنابة، في بداية شهر أوت من سنة 1999 .
الفرع الثّاني: موقف المشرّع الجزائري بعد صدور الأمر رقم 05-02. لقد تطرقنا في الفرع السابق، إلى أن المشرع الجزائري أورد عبارة " أمكن الاتصال" في المادة41 من قانون الأسرة. وقد فسرها بعض رجال القانون على كون المشرع اشترط حدوث الاتصال الجنسي، في حين أن المشرع أتى بها كطريقة من طرق إلحاق نسب الولد بأبيه، وهي لا تنفي وجود وسائل أخرى. فالوسائل الحديثة للحمل وبعض الفقه الإسلامي المعاصر كما رأينا لا يشترطان ضرورة الاتصال الجنسي، حتى يستطيع الابن التمتع بنسب أبيه. فالعبرة هي بحمل المرأة من مني زوجها بصرف النظر عن الطريقة التي تم بها الحمل، والذي على أساسه أبيحت بعض أساليب التلقيح الاصطناعي، الذي أجازه المشرع الجزائري صراحة بنص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة، المستحدثة بموجب الأمر 05/02 المؤرخ 27/02/2005 ، ووضع لها إطار قانوني وضوابط تتماشى وأحكام الشريعة الإسلامية. و في إطار دراسة هذه المادة، نستطيع تقسيمها إلى ثلاث فقرات، فقرة تتضمن حكم اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي، فقرة تتناول شروط إجراء هذه العملية و اللجوء إليها، وفقرة نص فيها على الممنوع عند اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي. أ- حكم اللّجوء إلى التّلقيح الاصطناعي: لقد ورد بشأن هذه المسالة في المادة 45 مكرر الفقرة الأولى العبارة التالية: " يجوز للزوجين اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي"، وما يمكن فهمه منها هو أن التلقيح الاصطناعي معترف به في قانون الأسرة الجزائري، المستمد لأحكامه من الشريعة الإسلامية، وبالتالي فهـو مباح. لكن بالاطلاع على سير هذه العملية في بعض الـدول التي أخذت به، فإن هذه الفقرة تظهر قاصرة وتطرح عدة تساؤلات مثل: هل يمكن لأي زوجين اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي دون إثبات الحالة المرضية و محاولة العلاج؟، أم فقط يجوز للأزواج الذين ثبت لديهم العقم نتيجة عيب، سواء وجد عند الزوج أو الزوجة، يمنع من تلاقي البويضات والحيوانات المنوية؟. وهل يتم إجراؤه بمجرد تأمين المبلغ المطلوب، والاتفاق مع الطبيب؟، أم لابد من إجراءات تتبع في ذلك، كضرورة المرور على لجنة طبية، الأمر الذي سيضمن حقوق المواطنين وتفادي التلاعب والنصب عليهم، كما في حالة انعدام الحيوانات المنوية لدى الزوج تماما؟، لاسيما وأنهم ملزمون ببذل عناية لا بتحقيق نتائجه، وهي حصول الحمل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى السهر على ضمان احترام الشروط الشرعية، فلا تلقح المرأة بماء رجل أجنبي عنها. فنجد القانون الفرنسي كما تطرقنا إليه سابقا، نص صراحة على أن المساعدة الطبية- التلقيح الاصطناعي- تهدف أساسا إلى معالجة العقم الثابت طبيا، وبالتالي فهو يشترط صفة العقم في أحد أو كلا الزوجين، وتقديم طلب المساعدة الطبية، ليفصل فيها الأطباء الذين لهم إما رفضه، أو قبوله بعد التشخيص الطبي للمرض. ب- شروط اللّجوء إلى عمليّة التّلقيح الاصطناعي: نصت على هذه الشروط المادة 45 مكرر، وهي ثلاثة تتمثل فيما يلي: الشّرط الأوّل: أن يكون الزّواج شرعيا. ومعناه أن يكون كل من الرجل والمرأة محل التلقيح، مرتبطين بعقد زواج شرعي، يعطي للعملية أساسها القانوني. فهنا أيضا لم يحدد المشرع الجزائري ما هو المقصود بأن يكون الزواج شرعيا. هل يقصد به أن يكون الزواج صحيحا، رسميا أو حتى عرفيا؟. فباستقراء نصوص قانون الأسرة الجزائري لاسيما المادة 22 منه، نجد أن الزواج الشرعي هو الزواج المسجل بالحالة المدنية، والذي يثبت بمستخرج منها، لكن وإلى جانبه، يعترف أيضا بالزواج العرفي عندما يكون مكتمل الأركان والشروط، والذي لا يمكن إثباته إلا بحكم قضائي، صادر عن قسم شؤون الأسرة بالمحكمة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو هل يمكن للزوجين المتزوجين عرفيا، اللجوء مباشرة للتلقيح الاصطناعي، والاكتفاء بحضور أولياء الزوجين والشهود الذين حضروا الزواج؟، أم لا بد من تقديم الحكم المثبت لزواجهما العرفي؟ تلك هي التساؤلات و الإشكالات التي لم يتطرق إليها المشرع الجزائري. الشّرط الثّاني: أن يكون التّلقيح برضا من الزّوجين وأثناء حياتهما. أ- أن يكون التّلقيح برضا الزّوجين: يظهر هذا الشرط مبهما، ويبقى الهدف من ورائه غامضا في ظل الشرط الثالث الذي سنتطرق إليه لاحقا. فالمنطق يفرض اتفاق ورضا الزوجين على إجرائه. لكن ماذا لو حدثت حالة شاذة كتلقيح الزوجة في غياب إرادتها؟، كأن يتم تلقيح الزوجة بماء زوجها في غياب رضاها، أوكأن تلقح بماء رجل أجنبي عنها. ففي كلتا الحالتين لم يرتب المشرع صراحة الأثر على ذلك. كما أنه قد نكون أمام حالة تلقيح المرأة دون علم أو دون رضا زوجها، وهنا يفترض أن يكون الماء من شخص أجنبي عنها. لكن وبما أن المشرع اشتـرط أن
يكون التلقيح ببويضة الزوجة ومني الزوج دون غيرهما، فما المقصود إذن بشرط رضا الزوجين؟. وأحيانا ورغم توافر شرط رضا الزوجين بل وإصرارهما على ذلك، فقد لا يسمح لهما بإجراء التلقيـح، وهو الأمر الذي ناقشه رجـال القانون. وتتعلق المسألة بإمكانية إجراء التلقيح في حالة الزوج المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية، لمدة طويلة مدى الحياة، أو أن يكون محكوم عليه بالإعدام. فالبعض من هؤلاء لا يمانع من إجرائه في هذه الحالة، على أساس أن الأصل في العقوبة أنها لا تمتد إلى الحقوق الأخرى الخاصة بالمحكوم عليه، والتي منها حقه في الإنجاب وإلا فإن العقوبة تصبح تنطوي على سلب جديد للحرية والحقوق الفردية، وهو ما يتعارض مع قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، لاسيما وأن طول مدة العقوبة، أمر يحتمل معه فقدان المحكوم عليه هو أو زوجته، القدرة الطبيعية على الإنجاب الذي هو من الحقوق الشخصية، التي نصت عليه المواثيق الدولية بعد الدساتير والقوانين. أمّا الفئة الأخرى من الفقهاء، فيرون أن الحكم الجنائي الصادر في حق الزوج أو الزوجة يكون دليلا على فقد الأهلية لأداء دور الأب أو الأم، حيث يعين قيما عليه. و لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يمتد فقد الأهلية إلى جميع الحقوق الشخصية، سيما وأن التلقيح الاصطناعي استثناء، فلا يجوز التوسع فيه، إلا بقدر ما إذا ظهر مانع طبي. ووجدت فئة أخرى تستند إلى إمكانية إجراء التلقيح الاصطناعي، في حالة وجود الزوج أو الزوجة في السجن، طالما أن هناك من القوانين ما يسمح للسجين الاختلاء بزوجته، كما هو الحال في الأرجنتين والسعودية، فمن باب أولى السماح بإجراء التلقيح الاصطناعي، خاصة لما تنفذ العقوبات في مؤسسات مغلقة. ب- أن يتم التّلقيح أثناء حياتهما: نرى أن هذا الشرط جاء سابقا لأوانه في الجزائر، وإن كنا لا ننكر على المشرع حيطته وحذره. لأن خلفية هذا الشرط كما عرفنا سابقا، هو وجود ما يعرف ببنوك المني، الموجودة على مستوى الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية، والتي تسمح بتلقيح الزوجة بمني زوجها بعد وفاته، وهذا أمر يثير إشكالات في النسب والميراث عندنا لأنه يشترط تحقق حياة الوارث وقت وفاة المورث. وبما أن المشرع الجزائري اشترط قيام الزوجية أثناء التلقيح من جهة، ونص على الوفاة كطريقة من طرق انحلال الرابطة الزوجية من جهة أخرى، فما الغرض من إعادة النص واشتراط أن يتم التلقيح أثناء الحياة. وفرضا أنه أخذنا بهذا الشرط، فإننا نرى ¬ـ و حسب رأينا المتواضع ـ أنه كان على مشرعنا اشتراط التلقيح أثناء قيام العلاقة الزوجية، ليستبعد بذلك التلقيح بعد فك الرابطة الزوجية سواء بالوفاة أو بالطلاق.
الشّرط الثّالث: أن يتم بمني الزّوج وبويضة رحم الزّوجة دون غيرهما. لقد سبق التطرق إلى هذا الشرط عند حديثنا عن موقف فقهاء الشريعة الإسلامية. وقلنا أن التلقيح الاصطناعي هو الحل، عندما يكون الزوج والزوجة قادرين على الإنجاب، أي أن تكون هناك بويضات وحيوانات منوية، ولكن رغم ذلك نكون أمام استحالة حدوث التلاقي و الإخصاب عن طريق الاتصال الجنسي، نظرا لوجود عيب في الزوج أو الزوجة، مما يجعل الأمر في حاجة ماسة إلى المساعدة الطبية. وبتطبيق هذا الشرط أيضا، فإننا نجد أن الأساليب المعترف بها من مشرعنا هي: الصورة الأولى من التلقيح الداخلي، وهي أخذ مني الزوج وحقنه مباشرة في الموضع المناسب له من رحم الزوجة. الصورة الثانية من التلقيح الخارجي، وهي أخذ بويضة الزوجة وتلقيحها بمني زوجها في أنبوب اختبار (طبق بتري)، وإعادة اللقيحة بعد ذلك إلى رحم الزوجة صاحبة البويضة. ج- الموانع عند اللّجوء إلى التّلقيح الاصطناعي: تنص المادة 45 مكرر الفقرة الأخيرة من قانون الأسرة الجزائري على: "لا يجوز اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي باستعمال الأم البديلة". فهذا المنع هو في الحقيقة شرط آخر مكمل للشروط السابقة. لأن الاكتفاء بالشروط السابقة، يفهم منه فقط أن يكون الزوجين هما مصدري البذرتين، ولا يهم أين تزرع اللقيحة بعدها، وهذا مالا يتفق مع الأساليب الثلاثة التي أجازها فقهاء الشريعة الإسلامية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فهو منع صريح لبعض صور أو أساليب التلقيح الاصطناعي، أي أن المشرع أعطى شروط عامة لإجرائه، وفي الفقرة الأخيرة أورد حكما لبعض أساليب التلقيح، الذي هو في نفس الوقت شرطا مكملا للشروط الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري منع اللجوء إلى الأم البديلة ولم يستثن صورة أخرى من التلقيح الخارجي، وهي زرع اللقيحة في رحم زوجة ثانية ليست صاحبة البويضة، رغم أن بعض أعضاء مجلس المجمع الفقهي الإسلامي وجل فقهاء الشريعة الإسلامية أجازوها شرعا. و حسب رأينا المتواضع، فإن المشرع الجزائري وإدراكا منه لصعوبة تجسيد عملية التلقيح الاصطناعي في هذه الصورة، وللمخاطر والشكوك التي يمكن أن تشوب نسب الطفل، من حيث أمه على النحو الذي ذكرناه آنفا، لم يقر بهذه الصورة واضعا إياها في حكم الأم البديلة.
| |
|