كثرت في وقتنا الحالي ما يسمى الوساطة
إلا أن كثيرا من المثقفين أو النخبة يفضل تسميتها
بالشفاعة تهذيبا لها
لهذا أحببت أن أضع بعض النقاط على هاته
المسألة وهذا لما وجدته في الشبكة العنكبوتية
الشفاعة السيئة (الواسطة)
هي من صور الفساد الإداري الذائعة. وأكثرُ ما تكون في ذوي المناصب والإدارات، ونقصد بها: أن يستخدم الموظفُ أو المديرُ منصبه في منح الحق لمن لا يستحق؛ لإرضاء وسيط.
ويرى "عبد الستار ناصر السوداني" أن المحسوبية تأخذ عدةَ تسميات في نطاق مجتمعاتنا العربية، فبعضهم يطلق عليها المحاباة، وبعض الدول نصت عليها في قوانينها تحت اسم "الاستثناءات"، والمحسوبية تعني "الخروج عن القوانين واللوائح والتعليمات التي تحكم أجهزة الإدارة العامة في مجال التعيينات، والترقيات، والتنقلات، وتحديد الأجور، والمرتبات، والبدلات، وحركات الندب، والإعارة[1]".
وفي رأي "عبد الستار ناصر السوداني" فإنه يمكن التمييز بين نوعين من صور المحسوبية. الأولى: المحسوبية الاجتماعية، وتسمى أحيانا "المحاباة الشخصية"، وهي تعني: اختيار الأقارب والأصهار والأصدقاء وأقاربهم الذين يتوسطون لهم للتعين بالوظائف العامة، دون النظر لاعتبارات الكفاية والجدارة". وتنتشر هذه الظاهرة بصورة كبيرة في الدول النامية. أما الصورة الثانية: تسمى "المحسوبية السياسية" ويقصد بها مكافأة أنصار الحزب الحاكم ومؤيديه بالتعيين والنقل والترقية بالوظائف العامة، وعقاب خصوم الحزب بحرمانهم أو فصلهم من الوظائف العامة، دون النظر أيضا إلى اعتبارات الكفاية والجدارة[2].
أما الشرع، فقد نهى الله تعالى عن الشفاعة السيئة عمومًا، فقال عز وجل: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً}(النساء: 85)
قال مجاهد: "هي في شفاعة الناس بعضهم لبعض"[3].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هي "إعانة الطالب حتى تصير معه شفعًا بعد أن كان وترًا. فإن أعانه على بر وتقوى كانت شفاعة حسنة، وإن أعانه على إثم وعدوان كانت شفاعة سيئة"[4].
وقال الإمام جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (المتوفى سنة 864هـ) في تفسير الآية:
"مَنْ يَشْفَع بَيْن النَّاس شَفَاعَة حَسَنَة مُوَافِقَة لِلشَّرْعِ يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْ الْأَجْر، مِنْهَا (أي بِسَبَبِهَا) وَمَنْ يَشْفَع شَفَاعَة سَيِّئَة (أي مُخَالِفَة لَهُ) يَكُنْ لَهُ كِفْل (أي نَصِيب مِنْ الْوِزْر) مِنْهَا (أي بِسَبَبِهَا) وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا"مُقْتَدِرًا فَيُجَازِي كُلّ أَحَد بِمَا عَمِلَ "[5].
وقال أبو السعود في تفسير هذه الآية: "فإن الشفاعةَ، هي التوسُّطُ بالقول في وصول شخصٍ إلى منفعة من المنافع الدنيويةِ أو الأخروية، أو خلاصه من مضَرّة ما كذلك، من الشفْع، كأن المشفوعَ له كان فرداً فجعله الشفيعُ شَفْعاً، والحسنةُ منها ما كانت في أمر مشروعٍ رُوعي بها حقُّ مسلمٍ ابتغاءً لوجه الله تعالى، من غير أن يتضمَّن غرضاً من الأغراض الدنيويةِ"[6]. قلتُ: وهي الشفاعة الحسنة التي قال فيها النبي (صلى الله عليه وسلم): "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وسلم) مَا شَاءَ"[7].
أما أن يشفع المرءُ لغيره في غير الحق، فيضع الشخص في غير مكانه، و تُوزن الأمورُ بغير ميزانها، فتضيع الحقوق، وتؤكل الأموالُ بغير حق، فهذا عين الحرام. لذا أنكر النبيُ (صلى الله عليه وسلم) على أسامةَ بن زيد شفاعته في امرأة وقعت في حد من حدود الله، وكانت شفاعة أسامة نموذجا من نماذج "الواسطة" التي أنكرها الشرع: عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين (رضي الله عنها): أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِى سَرَقَتْ ، فَقَالَوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): "أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟"ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[8].
منقول