منتدى الشريعة والقانون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشريعة والقانون

**وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا**
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء


 

 الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
المدير العـام
شوقي نذير
شوقي نذير
المدير العـام


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 919
نقاط : 24925
السٌّمعَة : 7

تاريخ التسجيل : 10/02/2010
الموقع : الجزائر تمنراست
العمل/الترفيه : استاذ جامعي
المزاج : ممتاز
تعاليق : من كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها
ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم
ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس
(فكل ميسر لما خلق له فأعرف أين تضع نفسك ولا تتشتت)


الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي   الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي Icon_minitime1الأحد يوليو 04 2010, 19:27

قال الله تعالى:
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}الروم41
***
قلما تفتحُ صحيفةً أو تطالع نشرة الأخبار، ولا تجد خبرًا عن حالة فساد.
ويكاد يكون الفسادُ الإداري هو أُس كل فساد، فإذا ما فسدت رأسُ السمكة، فسدت السمكة عن آخرها.
وفي هذه الورقة نحاول أن نُلقي الضوء على ظاهرة الفساد الإداري، فنوضح مفهومها، ونبين خطورتها، ونتطرق إلى حجمها، وصورها، وأمثلتها، وأسبابها، وآثارها، ثم سبل علاجها.
أولاً: مفهوم الفساد الإداري:
الفساد الإداري الذي نتحدث عنه هو ذلك الانحراف المتعمد، والخلل المقصود من قِبَل "الراعي" داخل منظومة العمل.
و"الراعي" الذي نقصده هو ذلك الشخص المسؤول في موقعه، والذي تحدث عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله:
«كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[1].
وقوله (صلى الله عليه وسلم):
«لاَ يَسْتَرْعِى اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً؛ يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»[2].
ثانيًا: خطورة الفساد الإداري:
تتمثل خطورة الفساد الإداري في موقع من المواقع، أو في مؤسسة من المؤسسات، أو هيئة من الهيئات، في عدة مظاهر أهمها:
1ـ أن الفساد الإداري تضيع على إثره الحقوقُ، فيأخذ الإنسانُ ما ليس له، ويضيع منه ما هو له، فيأكل الغنيُ الفقيرَ، ويظلمُ القوي الضعيفَ، ويدَّعي الطالحُ إصلاحًا، والفاسقُ استقامةً، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}[البقرة11، 12]
2ـ أن الفساد الإداري، يصنع رموزًا فاسدةً في المجتمع، ويجعل لأعداء النجاح اليدَ الطولى على مسرح العمل، فيختفي الثقةُ ويَعجزُ، وَيظهر الفاجرُ ويقوى، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}البقرة205.
3 ـ أن الفساد الإداري، يؤدي إلى إتلاف المال العام الذي هو حق الجميع، قال الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}البقرة188
ومعنى الآية: ولا يأكل بعضكم أموال بعض ظلمًا وباطلاً، من ربا وسرقة وغش ورشا وغصب ونصب. ثم يعْمَل بعضكم ما يتطلبه الإدْلاءُ[3] بالحُجة بين يدي القضاة، فيزجون إليهم البراهين الكاذبة، ويدفعون إليهم الأدلة المزورة، ويُلقون إليهم من هذا المال الباطل رشوةً؛ ليقتطعوا منهم الأحكام الآثمة التي تمنحهم حقًا لا يستحقونه، فيأكلوا بذلك طائفةً من أموال الناس إثمًا، وهم يعلمون أنه ليس من حقهم. "كما يفعل سراق المال العام في زماننا".
ويدخل في الآية الذين يُصانعون أهل السلطة بأموالهم من أجل أن يقتطعوا حقًا لهم من حقوق الناس.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا"[4].
ثالثًا: صور الفساد الإداري:
1ـ الرشوة:
يتعاطى المسؤولُ أو الموظفُ أخذَ الرشوة من الناس، ويساوموهم بذلك على حقوقهم ومصالحهم، وهذا قد لعنه الله عز وجل. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) الرَّاشِىَ وَالْمُرْتَشِىَ[5].
ولكن كثيرًا ما يسأل الموظفون في القطاع العام أو الخاص: ما حكم قبول الهدية من عملاء وزبائن الشركة؟ وهل هناك أحوال يجوز فيها للموظف أو العامل بالقطاع العام أو الخاص أن يقبل الهدية؟ وما ضوابط ذلك؟
المسألة الأولى: في الأحوال التي يجوز فيها قبول الهدية للعمال والموظفين:
الأصل في هذه المسألة هو تحريم قبول العامل الهديةَ[6] – سواء في القطاع الخاص أو العام – من أحد عملاء الشركة الخاصة أو العامة، والأدلة على هذا الحكم كثيرة، يأتي في مقدمتها حديث أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رَجُلا مِنْ الْأزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟". . ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ: قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي ! أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا! وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ, أَوْ شَاةً تَيْعَرُ". . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي[7].
قال ابن بطال: "دل الحديث على أن الهدية للعامل تكون لشكر معروفه، أو لتحبب إليه، أو للطمع في وضعه من الحق، فأشار النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أنه فيما يُهدى له من ذلك كأحد المسلمين، لا فضل له عليهم فيه، وأنه لا يجوز الاستئثار به"[8].
وفيه: أن هدايا العمال تُجعل في بيت المال، وأن العامل لا يملكها إلا إن طلبها له الإمام، وكراهة قبول هدية طالب العناية[9].
وفي نفس باب هذا الحديث (باب تحريم هدايا العمال) أخرج الإمام مسلم من حديث عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[10]. وبذلك ثبتت حرمة تعاطي الهدايا للعاملين.
ولكن هناك حالات يجوز فيها للعامل قبول الهدية.. نذكر منها ما يلي مع بعض الصور التي يمكن أن تلحق بها في المعاملات المعاصرة :
أـ إذا كانت هذه الهدية غير مشروطة، أو غير متعارف عليها، أو كانت شخصية لا علاقة لها بالعمل ولا تؤثر فيه، فيقبل العامل الهدية. كأن يقبل هدية من أخيه، أو أبيه، أو أمه، أو كانت الهدية من زميل العمل، أو من رئيس الشركة نفسه، تكريمًا للعامل المخلص. قال السبكي: "إذا لم يكن مع قصد شيء مطلقا فإن الظاهر أنه من الهدية فليتأمل"[11].
ب ـ إذا كان العامل يأخذ الهدية من شخص معين قبل التحاق العامل بوظيفته أو عمله بالقطاع العام أو الخاص، فلا بأس من أخذها من هذا الشخص. وقد ذكر ابن حجر في شرح حديث أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ –المذكور آنفا- : "جواز قبول الهدية ممن كان يهاديه قبل ذلك"[12].
ج ـ يجوز تبادل الهدايا للشركات فيما بينها، فيجوز لشركة "س" أن تعطي هدية لشركة "ص" ، على أن تكون مسؤولية توزيع هذه الهدايا بالعدل على العمال في عنق رئيس الشركة. ولكن لا يجوز لشركة "س" أن تعطي هدية لعامل من عمال شركة "ص" إلا بإذن رئيس الشركة.
د ـ يجوز لشركة إسلامية أن تقبل هدية من شركة غير إسلامية، ما دامت مادة الهدية غير محرمة. كالخمر، أو لحم الخنزير. كما يجوز أن تكون الهدية عبارة عن خدمات، أو تخفيضات، أو امتيازات، أو مكافآت للعمال. وقد ثبت في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل هدية من "المقوقس" ملك مصر، وهو نصراني[13]. كما قبل شاة مشوية أهدتها له امرأة يهودية في أعقاب غزوة خيبر[14].
هـ ـ بالنسبة للأطباء يجوز لهم أن يقبلوا الهدية التي تحقق منفعة للمريض. مثال تلك المنشورات الطبية، أو المجلات العلمية، والدوريات، وعينات الدواء التي ترسلها شركات الدواء هديةً للأطباء. إضافة إلى دعوات الطعام، وغيرها من الهدايا التكريمية أو الخدمية، كلها تُعتبر مقبولة إذا كانت بهدف علمي ومهني بحت. ولا شك أن كل ما سبق يعود بالفائدة لصالح المرضى. بيد أن أية هدايا ترسلها شركات الأدوية على هيئة نقود، أو مصوغات ذهبية، أو نحو ذلك, فلا شك في حرمتها، لتأثيرها النفسي على الطبيب، الأمر الذي يجعله يجنح لصالح شركة دون غيرها في كتابة وصفة الدواء للمريض.
المسألة الثانية: في ضوابط قبول الهدية للعمال والموظفين
ينبغي مراعاة الضوابط التالية في مسألة قبول الهدية للعمال والموظفين:
أ- ألاَّ تكون الهديةُ محرمةً. فقد رد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الهدية المحرمة. فعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أَنَّهُ سَمِعَ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخْبِرُ أَنَّهُ: أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ ! قَالَ صَعْبٌ: فَلَمَّا عَرَفَ فِي وَجْهِي رَدَّهُ هَدِيَّتِي ، قَالَ:" لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ وَلَكِنَّا حُرُمٌ". [15]
ب- عدم تقبل الهدايا في حالة الشفاعة لأحد عند ذي سلطان. فإذا قام العامل أو الموظف شفيعًا للعميل عند صاحب العمل فلا يجوز له حينئذ أن يأخذ هدية ممن شفع له، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ, عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا"[16].
ج-لا يجوز أن تكون الهدية لأجل قيام العامل بتمرير قرار لصالح عميل على حساب المصلحة العامة, أو لأجل التنازل عن حق, أو إقرار لباطل, أو شهادة زور. كما أن الهدية إذا كان سببها العمل فهي داخلة في معنى الرشوة[17]التي لعن النبي (صلى الله عليه وسلم) آخذها، وباذلها، وحاملها. ومن الأدلة على حرمة الهدية من أجل العمل، قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "هدايا العمال غلول"[18]. لهذا لما أُهديت هديةٌ لعمر بن عبد العزيز ردَّها، فقيل له: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقبل الهدية، فقال: "كانت الهدية في زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هدية، واليوم رشوة"[19].
ج- إذا كان عاملاً بإحدى مؤسسات القطاع العام فالهدية للمؤسسة، فشركات القطاع العام ملك لجميع المسلمين. ومن ثم يجب تسليم الهدية إلى خزينة الشركة, أو إلى خزينة الدولة. وإن كان العامل في شركة خاصة فالهدية للشركة أيضا, إلا أن يأذن له فيها مالك الشركة, فيجوز له أخذها. وذلك إذا كانت الهدية مقدمه من أحد عملاء الشركة.
المسألة الثالثة: في أثر العرف في قبول الهدية
لا شك أن للعرف أثره وتأثيره في حكم قبول العامل الهدية. على الأقل بسبب عُمُومِ الْبَلْوَى والضرورة. والقاعدة الأصولية تقول:" إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ ". وقد ظهر تأثير الضرورة في إسقاط حكم الحرمة أصلا بالنص، وهو قوله تعالى:" فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [البقرة:173 ] والواجب على موظفي القطاع العام والخاص ردّ الهدايا التي تعطى لهم بسبب كونهم عمال, أو أصحاب سلطة في هذه القطاعات، مالم يأذن في هذه الهدايا صاحب العمل, أو رئيس الشركة.
ولكن إذا شاع في قطاع من القطاعات أو في بلد من البلدان أخذ العامل هدية من العميل تحت مسمى "الإكرامية" أو "البقشيش" فالحكم يختلف حسب كل حالة من حيث اقترابها أو بعدها من الرشوة، ومن ثم نفصل المسألة على النحو التالي:
أـ إذا كان السبب في "العطاء المالي" الذي يسميه البعض "البَقْشيش" الذي يُعطى لعمال الخدمات هو الاستحسان، ـ أي التعبير عن رضاء النفس عن الخدمة التي تُقَدَّم للإنسان ـ فهو في واقع الأمر عطاء في مقابِل عطاء، وليس أجرًا على عمل؛ لأن شرط الأجر على العمل أن يتَّفق عليه.
يقول الشيخ محمد البهي: "ومثل العطاء للاستحسان العطاء بحكم العادة والعُرف. فالعادة، وخصوصًا التي لا تنطوي على ضَرَر، تُفضّل رعايتها عند التعامل بين أصحاب العُرف الواحد. بل قد تُعتبر شرطًا غير مكتوب لصِحّة المعاملة"[20]..
ومن ثم، إذا كان سبب العطاء الاستحسان والعادة معًا فليستْ هناك شائبة من حرَج، في مجاراة العادة، وفي التعبير عن رضاء النفس.
ب ـ أما إذا مارس العامل أو الموظف نوعًا من الإكراه على العميل لإخراج عطاء مالي غير شرعي فهذا لا يجوز. وإن أعطاه العميل هذا العطاء تحت الإكراه، أو للحصول على حق بحيث لن يحصل عليه إلا بهذا العطاء فهي رشوة، يتحمل وزرها الموظف أو العامل. مع كون إخراج الرشوة قد أبيح للعميل أو المراجع للضرورة.
وإضافة لذلك: يجوز إعطاء الظالم مالاً ونحوه لدفع ظلمه، أو التقليل من شره، سواء طلب المال أم لم يطلبه. فلو اعتدى ظالم على وقف من أوقاف المسلمين، ولم يستطع ناظر الوقف حمايته إلا يستقطع للظالم جزءًا من الوقف جاز ذلك[21]. وفي ذلك يقول يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الراشي إذا اضطر لإحقاق الحق الذي سيبطل، أو إنقاذ الحق الذي سيموت أو مات؛ فله أن يفعل ذلك، ويحرم على المرتشي أن يأخذ"[22].
ـــــــــ
منقول
............



[1] أخرجه البخاري (893) ومسلم (4828)
[2] أخرجه مسلم (381)
[3] أصل"الإدلاء": إرسال الرجل الدلو في حبل متعلقا به في البئر. فقيل للمحتج لدعواه:"أدلَى بحجة كيت وكيت" [تفسير الطبري (3 / 552)]
[4] أخرجه البخاري ( 2483)
[5] أخرجه أبو داود (3582 ) وابن ماجه (2401) وغيرهما، وصححه الألباني .
[6] الهدية في اللغة: "ما أَتْحَفتَ به غيرك" [: لسان العرب، مادة (هدي)، (15/357)]، وفي الاصطلاح الفقهي تندرج الهدية تحت باب الهبة، وهي تمليك من غير عوض [انظر: حاشية ابن عابدين (5/687) (و المغني 8/239]، والهدية في اصطلاح التسويقيين: هي ما يمنحه التجار للعملاء من سلع أو خدمات أو تسهيلات أو تخفيضات دون عوض؛ مكافأة، أو تشجيعاً، أو تذكيراً.
[7] أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، رقم (3414)
[8] ابن حجر، فتح الباري 12/349.
[9] ابن حجر، فتح الباري 5/221.
[10] أخرجه مسلم (3415)
[11] حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج 6/ 297
[12] ابن حجر، فتح الباري 13/167.
[13] انظر ما أخرجه الحاكم (6901)، والطبراني في الكبير (3417)، وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 699 وصحح الألباني هذا الأثر في صحيح السيرة النبوية
[14] رواه البخاري ، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قبول الهدية من المشركين، (2617) من حديث أنس – رضي الله عنه
[15] أخرجه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب من لم يقبل الهدية لعلة (2406)
[16] أخرجه أبو داود (3074) وأحمد (21221) ، وهو في السلسلة الصحيحة ، رقم (3465)
[17] الرشوة: هي ما يبذل من المال لإبطال حق أو إحقاق باطل.
[18]أخرجه أحمد (22495). من حديث أبي حميد الساعدي ، وصححه الألباني ، انظر حديث رقم : 7021 في صحيح الجامع
[19] ابن سعد: الطبقات الكبرى (5/377)، وقد ذكره البخاري معلقاً في كتاب الهبة، باب من لم يقبل الهدية لعلة.
[20] رأي الدين بين السائل والمجيب 89
[21] يرجع لشرح الشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله - لكتاب البيوع - باب الربا [5] جواز إعطاء الظالم مالاً لكف شره أو تقليله ( دروس صوتية)
[22] مجموع فتاوى ابن تيمية 6/ 380
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://acharia.ahladalil.com
الريحان
مرتبة
مرتبة
الريحان


الجنس : انثى عدد المساهمات : 191
نقاط : 381
السٌّمعَة : 0

تاريخ التسجيل : 12/02/2010
الموقع : بلد الحرية
المزاج : متقلبة
تعاليق : لا تجعل الله اهون الناظرين اليك .
( كيف يشرق قلب .صور الاكوان منطبعة في مرآته ؟;أم كيف يرحل الى الله وهو مكبل بشهواته؟,أم كيف يطمع أن يدخل حضرة اللهوهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟,أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟!......

الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي   الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي Icon_minitime1الجمعة يوليو 09 2010, 15:47

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] kl .,;,^ù .**04 jè- .3
موضوع رائع أحسنت أخي المدير وهذه اضافتي لموضوعك .
gv.. E46 .?$ ..%§....... ..%§M
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفساد الإداري من منظور الفقه الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أسباب وآثار وعلاج الفساد الإداري من منظور الإسلام
» تبريرات الفتح الإسلامي ومبادئ التعويض عن الحرب في الفقه الإسلامي
» الفساد الإداري: مفهومه وصوره
»  برنامج مادة "قضايا في تقنين الفقه الإسلامي" في الجامعة الإسلامية بماليزيا
» نظرية الضمان في الفقه الإسلامي ج01

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشريعة والقانون  :: الفضاء الشرعي :: رواق الفقه وأصوله-
انتقل الى: