المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: الزواج العرفي ج07 الجمعة يونيو 25 2010, 19:51 | |
| الفصــــل الثانـــــي :إثبــات عقــــد الــزواج العرفــي وإجــراءات تسجيلـــه إذا كان الزواج قد إنعقد بطريقة رسمية ، مستوفيا بذلك الإجراءات الشكلية من حيث تسجيله ، فإنه بهذه الطريقة لا يطرح أي إشكال من حيث إثباته ، إذ يثبت بواسطة مستخرج من سجل الحالة المدنية ، لكن الإشكال يطرح إذا ما تم عقد الزواج عرفيا ووفقا للأحكام الشريعة الإسلامية فكيف يثبت هذا الزواج ؟ وماهي إجراءات تسجيله وهو ماسنتطرق إليه من خلال مبحثين نعالج في الأول الطرق المتبعة لإثبات عقد الزواج العرفي ، أما المبحث الثاني سنتطرق فيه للإجراءات المتبعة في تسجيله . المبحـــــث الأول : إثبات عقــد الـــزواج الـعــــرفي إذا كانت ضرورة تسجيل عقد الزواج قد فرضتها المشاكل المتعددة الناتجة عن الزواج العرفي ، فإن الزواج في الحالات العادية يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية وهو ما نصت عليه المادة 22 من قانون الأسرة أنه : " يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون ، ويتم تسجيله بالحالة المدنية " . إذن وحسب هذه المادة فإن الزواج يثبت في الحالات العادية بمستخرج من سجل الحالة المدنية ،لكن الإشكال الذي يطرح هو إنعقاد الزواج بطريقة عرفية بمجرد توفر الأركان المتطلبة شرعا و دون تسجيله في السجلات المعدة لذلك فكيف يتم إثبات هذا الزواج ؟ بإعتبار أن عقد الزواج يعد من أخطر العقود التي يبرمها الإنسان في حياته و من أهم التصرفات ذات الشأن العظيم لما يشتمل عليه من تكاليف و إلتزامات و ما ينتج عنه من آثار ، لدى فقد خصته كل من الشريعة الإسلامية، و المشرع الجزائري بقواعد تنظمه . لذلك نتطرق في هذا المبحث إلى القواعد التي تنظم عقد الزواج العرفي من حيث إثباته ، و ذلك من خلال زاويتين :زاوية الشريعة الإسلامية ، و كيف نظرت إلى إثبات واقعة الزواج إذا ما أنكرها أحد الطرفين .وزاوية المشرع الجزائري في القانون المدني المنظم لوسائل الإثبات المدنية ، وكيفية تعامل القضاة عمليا مع مسائل إثبات الزواج العرفي مع تدعيم كل ذلك بأهم القرارات الصادرة عن المحكمة العليا في هذا الشأن .فمـن ناحيـة الشريعـة الإسلاميـة فـإن وسـائل و أدلـة الإثبــات تعـرف عـدة تقسيمـات : فتنقسم الأدلة إلى عامة وخاصة ، فالعامة هي التي تثبت بها كافة الوقائع ، ومنها الشهادة والإقرار والكتابة والمعاينة والخبرة فهذه الأدلة تثبت بها الحقوق المالية والأحوال الشخصية والحدود . أما الأدلة الخاصة فتقبل في حالات معينة دون غيرها ، فاليمين مثلا لا يقبل في الحدود والقرائن لاتقبل في الحدود والقصاص وهكذا .وتنقسم الأدلة إلى مباشرة وغير مباشرة ، فالمباشرة هي التي تؤدي إلى الإثبات المطلوب مباشرة كالإقرار والشهادة واليمين . غير المباشرة وهي التي تؤدي إلى الإثبات عن طريق غيرها من الأدلة كاليمين المردودة مثلا .كما تنقسم إلى ملزمة وغير ملزمة ( بالنسبة للقاضي ) ، فالملزمة هي التي حدد لها الشارع قوتها من حيث الإثبات فإذا تحققت أمام القاضي وجب الأخذ بها ، ومن أمثلتها الشهادة والإقرار واليمين . أما الوسائل غير الملزمة ، فهي وسائل يكون فيها للقاضي حرية تحليل واسعة لإستنباط الحقيقة من الدليل ، ومن أمثلتها القرائن والمعاينة .وتنقسم الأدلة أيضا إلى متعدية وقاصرة بالنظر إلى مدى حجيتها ، فالمتعدية تكون حجة على الكافة كالكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة والخبرة . أما القاصرة فلا تكون حجة إلا بالنسبة لشخص معين صدرت عنه ومنها الإقرار واليمين .وتنقسم الأدلة إلى وسائل حقيقية وأخرى مجازية ، فالحقيقية كالكتابة والشهادة والمعاينة والخبرة تؤكد الواقعة المتنازع عليها . أما المجازية فهي لا تثبت الواقعة مباشرة ، وإنما تعفي المدعي من الإثبات أو تنقل عبئه إلى الطرف الأخر كالقرائن واليمين . فإذا كانت الشريعة الاسلامية تعتمد في إثبات الزواج على واحدة من الطرق الثلاثة التالية وهي : الإقرار والبينة والنكول عن اليمين (أي الإمتناع عنه) ، فإن إدعى أحد الزوجين الزواج أو أمر يتعلق به كالمهر والنفقة مثلا ، فإن أقر الطرف الآخر ثبت لأن الإقرار حجة على المقر فإن لم يقر طولب المدعي بالبينة ، فإن أتى بشهود يشهدون على دعواه ثبت العقد فإن عجز المدعي عن إقامة البينة وجهت اليمين إلى الطرف الأخر المنكل فإن حلفها أعتبرت الدعوى مرفوضة لكن يصح تجديدها إذا وجد المدعي شهودا يشهدون له ، أما إذا إمتنع المنكل عن اليمين قضى بثبوت الزواج لإن النكول إقرار .لكن إتجاه محاكمنا ومجالسنا القضائية بما في ذلك إتجاه المحكمة العليا لم يتبع هذا التدرج بل جعل سيدة الأدلة في إثبات وجود واقعة الزواج العرفي هي البينـــــة ( شهادة الشهود Preuve testimoniale ) سواء كانت شهادة عيان أو شهادة سماع . وسنرى فيما يلي كل دليل من الأدلة السابقة في مطلب مستقل وإتجاه كل من الشريعة الإسلامية و القضاء الجزائري حيالها . المطلــــــــب الأول : الإقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرار الإقرار بوجه عام هو واقعة مادية تنطوي على تصرف قانوني مفادها إعتراف شخص بحق عليه لآخر ، سواء قصد ترتيب هذا الحق أو لم يقصد (1) . أما الإقرار حسب المادة 341 من القانون المدني الجزائري :" الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء سير الدعوى المتعلقة بها الواقعة " أما الإقرار حسب الإمام أبو زهرة هو حجة قاصرة على المقر لا تتعداه إلى من يتعدى إليه الحكم بالبينة ، بل لابد من إثبات آخر ، وهو نفس التعريف الذي ذهب إليه فارس عمران محمد عمران . وينقسم الإقرار حسب القواعد العامة للإثبات إلى نوعين : إقرار غير قضائي وإقرار قضائي . 1 - الإقرار غير القضائي : هو ذلك الإقرار الذي تم خارج مجلس القضاء كأن يقر فلان أن فلانة زوجته خارج مجلس القضاء سواءا أكان ذلك كتابة أم شفاهة ، وسلطة التقدير لمثل هذا الإقرار موكلة للقاضي ، يقدرها وفقا لظروف الدعوى و ملابساتها .ويظهر مثل هذا النوع من الإقرار في الزواج العرفي ، عند تحرير الموثق لما يسمى بعقد لفيف الزواج في الحالة التي يكون فيها أحد الزوجين على قيد الحياة ويتم تحريره بناءا على طلب أحد الزوجين أو الأبناء أو الآباء أومن له مصلحة . (1) عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ، المجلد الأول ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1982 ، ص 410 . كمـا يظهر الإقرار غير القضائي أثناء تحرير الموثق لما يسمى بعقد الإقرار بزواج بناءا على طلب الزوجين معا وبالإرادة الحرة لكل منهما ، وليس بالإرادة المنفردة لأحدهما .وعمليا نجد أن محاكمنا تعتمد على ما جاء في هذه العقود من إقرارات لتدعم بها التحقيق الذي تهدف من خلاله لتثبيت واقعة الزواج العرفي ، وسنرى الإجراءات المتبعة في هذا الشأن لاحقا، لكن السؤال المطروح هو كيف يعتد بمثل هذه التصريحات والتي تمت أمام الموثق خبير وليس أمام القاضي ؟ بينما تعتبر المحكمة العليا كل تحقيق لم يجره القاضي ليس بمثابة تحقيق قضائي أي أنها لا تعتد في إثبات الزواج العرفي بالإقرارات غير القضائية التي تم التصريح بها خارج مجلس القضاء وهذا بقرار صادر في 11/12/1989. 2 – الإقـرار القضائي : فهو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، كأن يقف الزوج أمام القاضي ويقر بقيام علاقة زوجية بينه وبين المدعى عليها ، فما حجية هذا الإقرار وما مدى قوته الثبوتية في إثبات الزواج العرفي ؟ 3 – حجيـة الإقرار : سنعالـج هـذه الحجيـة مـن الناحيـة الفقهيـة ومـن الناحيــة القانونيــة : أما من الناحية الفقهية : فإن جمهور الفقهاء إعتبره حجة قاصرة على المقر وحده ولا تتعداه إلى غيره ، إلا أنهم إعتبروه وسيلة كافية في حد ذاته لإثبات الزواج إذا ما أقر به أحد الطرفين . فيقول الإمام أبو زهرة : " إذا تداعى شخصان رجل وإمرأة بشأن وجود الزواج ، فإدعى الرجل وجوده تسأل المرأة فإن أقرت قضى بالزواج وثبت بتصادقهما ، وإن أنكر فإن عجز عن البينة وجهت اليمين إلى المرأة على رأي الصاحبين" (1) . (1) الإمام أبوزهرة ، الأحوال الشخصية ، ص 17 . ويقول فارس محمد عمران وهو يتحدث عن إثبات الزواج العرفي :" الإثبات يكون بواحدة من ثلاث وسائل كما هو مقرر في الفقه الحنفي :البينة - الإقرار - النكول على اليمين "(1) .وقد إختلـف الفقهاء حـول إقرار ولي القاصر ، فـنهم من أجاز إقرار الـولي على النفس بالزواج إن كان هو الذي تولاه ، وذهبت طائفة أخرى منهم وجعلت إقرار الولي بزواج القاصر موقوف إلى غاية بلوغ القاصر، إن صدقه ينفذ إقراره ، وإن أنكره أبطل إقراره (2).نستنتج مما سبق ذكره أن الفقه الإسلامي رغم إعتباره أن حجية الإقرار قاصرة على المقر وحده ولا تتعدى لغيره إلا أنه إعتبره وسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي ، فإن رفض أحد الطرفين الإقرار يكون الاتجاه للبينة ، فإن عجزت البينة وجهت اليمين .في حين نجد أن المشرع الجزائري قد نص صراحة في المادة 342 الفقرة الأولى من القانون المدني على أن : " الإقرار حجة قاطعة على المقر " .معنى ذلك أن الواقعة التي أقر بها الخصم تصبح في غير حاجة إلى الإثبات ، لكن على من تقتصر هذه الحجية ؟إن الإقرار هو حجة على المقر والخلف العام ولا تتعداه إلى غيرهما :فإذا كان الإقرار تصرف قانوني يقتصر أثره على المقر و يتعدى إلى ورثته بصفتهم خلفا عاما له ، فإن الإقرار بواقعة الزواج يكون صحيحا و ملزما لكل من الزوج والزوجة وورثتهما حتى يقيموا الدليل على عدم صحته ، ولا يتعداهم إلى الغير . لذلك فإن محاكمنا ومجالسنا القضائية لا تعتد بالإقرار كوسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي ، وذلك لما يتميز به هذا العقد من خصوصية و طابع إجتماعي لانكاد نلتمسه في باقي العقود الأخرى . (1) فارس محمد عمران ، المرجع السابق ، ص 41 . (2) الإمام أبو زهرة ، المرجع السابق ، ص 18 . فما فائدة إثبات الزواج العرفي إعتمادا على وسيلة الإقرار ، ولا يكون بعدها إلا حجة على المقر وورثته ؟ في حين أن الزواج في حد ذاته يتطلب الإعلان والإشهار، وعلم الناس به لغلق منافذ الظن والخوض في الأعراض ، والتقول على المتزوجين عرفيا ورميهم بالزنا من طرف الناس الذين لم يصل إلى علمهم زواج هؤلاء كون الإقرار لا يتعداهم .فالطرفين وهما يلجآن إلى القضاء لإثبات الزواج هدفهما في ذلك هو إعلانه وإشهاره للكافة والإقرار غير كاف ليؤدي هذه المهمة ، وهو ما أخذت به محكمة الجلفة في حكم لها صادر بتاريخ 06/12/1997 رقم 602/97 أهم ما جاء في وقائع القضية كون المدعي متزوج عرفيا بالمدعى عليها ، وقد أقر الطرفان بواقعة الزواج العرفي التي تمت سنة 1995 و إلتمس كل منهما من المحكمة الحكم بتسجيل عقد الزواج لدى مصالح الحالة المدنية وقد كان تسبيب الحكم ومنطوقه كالتالي : " … حيث أن المحكمة أجلت القضية لعدة جلسات من أجل إحضار الشهود لإجراء تحقيق على واقعة الزواج العرفي المبرم بين المدعي والمدعى عليها ولم يحضرا .حيث أن طلب المدعي بالإشهاد على الزواج العرفي غير مؤسس كونه لم يقدم للمحكمة ما يثبت الواقعة من شهود مما يتعين معه رفض الطلب .وعليه قضت المحكمة برفض الدعوى لعدم التأسيس " (ملحق رقم 12) . من خلال هذا الحكم وغيره من الأحكام نستنتج عدم أخذ القضاة بالإقرار كوسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات الزواج العرفي ، لهذا نتطرق إلى الوسيلة الثانية التي تراها المحاكم والمجالس القضائية أكثر أهمية ، وأنجح من حيث القوة الثبوتية ، وهي البينة أو ما يسمى بشهادة الشهود . | |
|