المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: الزواج العرفي ج08 الجمعة يونيو 25 2010, 20:05 | |
| المطلـــب الثانـــــي :الشهـــــــــــادة ( البينـــــــــة ) للبينة معنيان ، معنى عام وهو الدليل أيا كان كتابة أو شهادة أو قرائن ، فإذا قلنا البينة على من إدعى و اليمين على من أنكر فإنما نقصد هنا البينة بهذا المعنى العام .أما المعنى الخاص ، فهو شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة ، وقد كانت الشهادة في الماضي هي الدليل الغالب ، وكانت الأدلة الأخرى من الندرة إلى حد أنها لا تذكر إلى جانب الشهادة ، فإنصرف لفظ " البينة" إلى الشهادة دون غيرها. 1- أنـواع البينـة :أ - الشهادة المباشرة : الأصل في الشهادة أن تكون شهادة مباشرة ، فيقول الشاهد ما وقع تحت بصره أو سمعه ، فالذي يميز الشاهد إذن هو أنه يشهد على وقائع عرفها معرفة شخصية إما لأنه رآها بعينه ، فجاء إلى مجلس القضاء ليشهد بما رأى، أو سمعها بأذنه فجاء إلى مجلس القضاء ليشهد بما سمع وإما لأنه رأى وسمع .وتكون الشهادة عادة شفوية يستمدها الشاهد من ذاكرته ليقول ما رآه أو سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى ، ومع ذلك قد يكتفي في ظروف إستثنائية بتلاوة شهادته المكتوبة أو بضم هذه الشهادة المكتوبة إلى ملف القضية للإعتداد بها . إذا كانت الشهادة المباشرة هي الصورة الغالبة للشهادة ، كأن يدلي الشاهد بما عاينه بصورة شخصية ومباشرة أثناء إنشاء واقعة الزواج العرفي بما في ذلك معرفته لطرفي العقد من زوج وزوجة ومكان و زمان وظروف إبرام عقد الزواج من رضا الزوجين ووجود الولي وتسمية الصداق (1) . (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية، 24/09/1984 ، مجلة قضائية.1984 ، العدد 01 ، ص 64 . فإنه ومع ذلك يوجد إلى جانب هذه الشهادة المباشرة ، الشهادة السماعية (Temoignage Indirect ) والشهادة بالتسامع (commune renommée ). ب - الشهادة السماعية : وتسمى أيضا بالشهادة من الدرجة الثانية ويشهد فيها الشاهد بما سمعه من غيره ، وتسمى في الفقه الإسلامي بالشهادة عن الشهادة ، فالشاهد هنا يشهد أنه سمع بواقعة يرويها له شاهد رآها بعينه وسمعها بأذنه ، كأن يشهد شخص أمام القاضي أنه سمع شخصا آخر يروي له أن فلان تزوج بفلانة .والشهادة السماعية جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية ، وفي الفقه الإسلامي الشهادة على الشهادة لاتجوز إلا بالإنابة ، فإذا سمع شاهد فكانت شهادته سماعية فهي لا تقبل منه إلا إذا أشهده فيها الشاهد الأصلي ، ويقدر القاضي قيمة الشهادة السماعية ولا سلطان لأحد عليه في ذلك. ج - الشهادة بالتسامع : هي شهادة بما يتسامعه الناس (OUI-DIRE) و هي عكس الشهادة السماعية التي يمكن تحري مصدر الصدق فيهاوتحميل صاحبها مسؤولية شخصية فيما سمعه بنفسه عن غيره ، فالشهادة بالتسامع صاحبها لا يروي عن شخص معين ولا عن الواقعة بالذات ، بل يشهد بما يتسامعه الناس عن هذه الواقعة وما شاع بين الجماهير في شأنها ، فهي غير قابلة للتحري ولا يتحمل صاحبها مسؤولية شخصية فيما شهد به ، كالقول مثلا :"قيل أن فلان تزوج فلانة " (1) . وقد أجازت الشريعة الإسلامية هذه الشهادة لا سيما في مسألة إثبات الزواج لأنها ضرورة دعت إليها المصالح والحاجة الشديدة لا سيما إذا أثمر هذا الزواج إنجاب أطفال ، وهذا الإستحسان مرده أنها أمور يختص بمعاينة أسبابها خواص من الناس لا يطلع عليها إلا هم وقد تتعلق بأحكام تبقى على إنقضاء القرون كمسألة إثبات نسب الأبناء ومسائل الميراث . (1) عبدالرزاق أحمد السنهوري ، المرجع السابق ، ص 413 . أما بالنسبة للقضاء الجزائري فإن المحكمة العليا سارت في سياق أحكام الشريعة الإسلامية وأخذت بشهادة التسامع في العديد من قراراتها منها القرار الصادر بتاريخ 27/03/1989 الذي جاء فيه أنه : "من المقرر شرعا أن الزواج لا يثبت إلا بشهادة العيان التي يشهد أصحابها أنهم حضروا قراءة الفاتحة أو حضروا زفاف الطرفين ، أو بشهادة السماع التي يشهد أصحابها أنهم سمعوا الشهود وغيرهم أن الطرفين كانا متزوجين ... فيما يتعلق بالسبب المستدل به على طلب نقض إثبات الزواج أو نفيه مما يستقل به قاضي الموضوع ويثبت إما بشهادة العيان وإما بشهادة السماع والطاعن لم يأت بأية واحدة من الشهادتين ، فلا هو أحضر رجالا حضروا قراءة الفاتحة و لا هو أحضر رجالا سمعوا قراءتها أو حضروا زفاف الطرفين ... كما أنه لم يأت ببينة إسماع يشهد أصحابها بأنهم سمعوا من الشهود أو غيرهم أنه كان زوج ( ب ز) ... لما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعن لم يأت بأي من شهادة العيان أو شهادة السماع لإثبات زواجه فإن قضاة الموضوع برفضهم دعوى إثبات الزواج العرفي أعطوا لقرارهم الأساس القانوني ومتى كان ذلك إستوجب رفض الطعن " (1) . 2 - شــروط آداء الشهادة :1.2 - شروط ترجع إلى الشاهد : * الولاية : يشترط الفقهاء أن يكون الشاهد من أهل دين المشهود عليه فلا ولاية لغير المسلم على مسلم . * أن لا يكون الشاهد غير مقبول الشهادة شرعا : لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا شهادة لمتهم " ، و التهمة إما أن تكون فسق الشاهد ، أو وجود صلة خاصة بينه وبين المشهود عليه ، النائحة ، المغنية ، مدمن الشرب و المخنث ومن يقامر بالنرد والشطرنج ... (2) ، أي كل من لا تفترض فيه العدالة ويكون معروفا بسوء السيرة وذهاب الأخلاق . (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 27/03/1989 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 03 ، ص 82 (2) عبد الحميد الشواربي ، الشهادة في المواد المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 1992 ، ص 357 . * الأهلية : أيينبغي أن يكون الشاهد بالغا وقت آداء الشهادة . بالنسبة للمشرع الجزائري بالإضافة لإحالته لقواعد الشريعة الإسلامية فيما يخص شروط الشاهد ، فإنه وضح في المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية من تجوز شهادتهم في إثبات الزواج العرفي فإنه بإستثناء الأبناء يجوز قبول شهادة أقارب الزوجين أو أصهارهم على عمود النسب أو أحد الزوجين ولو بعد الطلاق ، أو إخوة أو أخوات أو أبناء عمومة الخصمين للشهادة في الزواج العرفي . لكن إتجاه المحكمة العليا في هذه النقطة كان متذبذبا فكانت في قرار لها ترفض شهادة الأقارب في الزواج والنسب وفي قرار آخر لها سلكت عكس الاتجاه الأول . فأصدرت المحكمة العليا قرار قضت فيه : " من المقرر قانونا أنه لا يجوز سماع شهادة أقارب أحد الخصوم أو أصهارهم على عمود النسب ، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون " (1) . إلا أنه وفي نفس المسألة صدر قرار جديد عن المحكمة العليا بتاريخ 28/10/1997 يقضي بأنه " يجوز في الدعوى الخاصة بمسائل الحالة والطلاق إستدعاء إخوة الخصوم للشهادة لإثبات الزواج وليس سماعهم على سبيل الاستدلال فقط " (2) . إذن وحسب المادة 64/3 من قانون الإجراءات المدنية فللقاضي أثناء التحقيق أن يعتمد على شهادة أقارب الزوجة كأشقائها للتأكد من زواجها بالمدعى عليه ، وهو الأمر الذي جعل المحكمة العليا تتراجع عن إتجاهها الأول في إستبعاد شهادة الأقارب وجعلها ضرورية ليست على سبيل الإستدلال فحسب بل وكدليل كاف لإثبات عقد الزواج العرفي. (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 37 .(2) نشرة القضاة ، 1999 ، العدد 55 ، ص 175 . ونحن من جهتنا نرجح الإتجاه الثاني الذي ذهبت إليه المحكمة العليا وذلك لسببين إثنين هما : 1 – أن المادة 223 من قانون الاسرة تنص على أن تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون ، والمادة 64 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية لم تأت مخالفة لقانون الأسرة ، بل بالعكس فقد جاءت مدعمة له وموضحة لمن تجوز لهم الشهادة في مسألة من أهم مسائل الأحوال الشخصية وهي واقعة الزواج .2 – أن الشريعة الإسلامية تقبل في أحكامها شهادة الأقارب وخاصة في مسألة إثبات النكاح . 2.2 - شروط ترجع إلى الشهادة :* أن تكون الشهادة مطابقة للوقائع المادية .* أن تكون الشهادة موافقة للدعوى : فلا تقبل الشهادة المنفردة عن الدعوى فإذا كنا بصدد دعوى لإثبات الزواج العرفي ، فيجب أن تنصب الشهادة على واقعة الزواج العرفي دون غيرها . فلا يشهد الشاهد مثلا على وجود أولاد بين فلان وفلانة ، لأن ذلك ليس قرينة على حصول زواج شرعي مكتمل الأركان.* أن تكون شهادة الشاهدين متوافقة ، لأن بإختلافهما لم يكتمل نصاب الشهادة ولا يجب أن تكون هذه الموافقة تامة بل يمكن أن تكون ضمنية ، كأن يشهد الشاهد الأول بأنه حضر زواج فلانة بفلان في شهر جويلية من سنة 1998 ، ويصرح الشاهد الثاني بنفس السنة دون ذكر الشهر ، أو كأن يشهد شاهد في عقد زواج عرفي أن فلانة زوّجها وليها لفلان على صداق قدره أربعين ألف دينار، ويشهد الثاني بنفس الشيء دون أن يحدد قيمة الصداق .ففي الحالتين يقبل القاضي الشهادتين ما دام الفرق في قولهما لا يصل إلى حد التعارض، ويبقى فقط على القاضي تقدير مدى توافر الشهادة على الشروط المقررة شرعا ومدى كمالها ووضوحها ودقتها لإستخلاص الأركان الواجب توفرها لإبرام عقد الزواج العرفي ومن ثمة الأخذ بها لقبول تسجيل واقعة الزواج العرفي أو رفضها . وقد جاء في قرارات المحكمة العليا أن الزواج العرفي لا يمكن إثباته بواسطة شهادة متناقضة ، وأهم ما جاء في هذا القرار : " من المقرر شرعا أن التناقض في الشهادة يزيل أثرها ويمنع بناء الحكم عليها ومن ثمة فإن القضاء بخلاف ذلك يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية ... وإذا كان إثبات الزواج أو نفيه يرجع لسلطة قضاء الموضوع ، فإن ذلك يوجب أن تبقى على بينة لا يدخل فيها الشك ولا يحيط بها الإحتمال ، ليست متناقضة ولا ناقصة.وبالرجوع إلى أقوال الشهود الذين إستمع المجلس لهم خاصة منهما (ب.س)و(د.س) واللذان شهدا بشيء مغاير لما شهدا به أمام المحكمة فشهادتهما لا تتضمن أنهما حضرا قراءة الفاتحة وبمحضر والد الطاعن وشخصين آخرين جاءا رفقته كما لم يشهدا بقدر الصداق بل لم يذكرانه أصلا ، بينما أمام المجلس جاءا بهذه الرواية وهذا التناقض بين شهادتهما في كل من المحكمة والمجلس يرفع عنهما الحجية ويستبعد العمل بها شرعا لإنعدامها، بذلك فالتناقض في الشهادة يزيل أثرها ويمنع بناء الحكم عليها لإحتمال صدقها و كذبها ومن إحتمال هذا وذلك سقط به الإستدلال.لذا لم يبق من الشهود سوى (ع-ع) الذي تعد شهادته مقبولة ، لكن الزواج ليس مما يثبت بالشاهد الواحد مع اليمين ، وكان على المجلس أن يتعرف على الشخصين اللذين رافقا والد الطاعن إن لم يكونا من الأشخاص الذين استمعت المحكمة لهم فقد يجد في أقوالهما ما يزكي أقوال هذا الشاهد ، وبما أنه لم يفعل وإعتمد في إثبات الزواج على بينة ناقصة فإنه حاد على القانون وعرض بذلك قراره للنقض " (1). 3.2 - شروط ترجع إلى المشهود به:يشترط أن يكون المشهود به معلوما للشاهد ، فلا يصلح للشاهد أن يشهد بشيء حتى يحصل له به علم ، لا بما شك فيه ولا بما يغلب الظن على معرفته لأن فائدة الشهادة إلزام المدعى عليه (2) . (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، مجلة قضائية ، 1991 ، العدد 01 .(2) عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق ، ص 166 . فلا يشهد الشاهد مثلا أن فلانة زوجة فلان بانيا إعتقاده هذا من خلال رأيته لهما وهما يسكنان نفس البيت ، ويتعاملان كما يتعامل الأزواج وهو ما إتجهت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 30/04/1990 الذي جاء فيه :"من المقرر شرعا وقانونا أن الزواج الشرعي يقوم على العلانية والشهرة ومراعاة أركانه وشروطه ... والزواج العرفي ما يزال معمول به متى توافرت فيه الشروط والأركان ، والطاعنة عجزت عن إثبات زواجها رغم محاولات الشهود لها بالزواج وأدينوا معها في جريمة التزوير ، فمعاشرة رجل لإمرأة طالت مدتها أو قصرت ، ولو وقع الإشهاد بها لا تعد زواجا ... " (1). 4.2 – نصـاب الشهـادة : إن نصاب الشهادة حسب الشريعة الإسلامية يختلف بإختلاف المشهود به وقد قسم فقهاء الشريعة الإسلامية المشهود به إلى أربعة أقسام نذكر منها ما يهم موضوعنا . فإن كان المشهود به ما تثبت به الحقوق مع الشبهات سواء كان الحق مالا أو غير مال كالبيع ، النكاح ، الطلاق ، العدة ، النسب فنصاب الشهادة هنا رجلان أو رجل وإمرأتين، لقوله تعالى:" فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان " (2) . وقد أخذ القضاء الجزائري بهذا النصاب ، ونذكر في هذا الصدد قرار المحكمة العليا مؤرخ في 15/12/1986 أهم ما جاء فيه : "من القواعد المقررة شرعا أن التنازع في الزوجية إذا إدعاها أحدهما وأنكرها الآخر فإن إثباتها يكون بالبينة القاطعة تشهد بمعاينة العقد أو السماع الفاشي ، والشهادة المعتبرة في الزواج هي شهادة عدلين ذكرين ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية ، حيث ثبت لها في القضية أن القرار المطعون فيه جاء خاليا (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 30/04/1990 ، مجلة قضائية ، 1992 ، العدد 02 ، ص64 . (2) عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق ، ص 376 . من أية بينة تدل على وجود الزواج سوى أقوال إمرأتين لا يعتد بشهادتهما في إثبات الزواج شرعا ، فإن تقريره بوجود الزواج يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية ومخطأ في فهم أنواع الشهادات في الفقه مما استوجب النقض ." (1) 5.2 - آداء الشهـــادة : إن سماع الشهود يكون أمام المحكمة ، طبقا للأوضاع المقررة قانونا لذلك ، فلا عبرة بأي شهادة يحصل الإدلاء بها خارج مجلس القضاء ولو كان ذلك أمام موظف عام مهما علت درجته طالما أنه ليست له ولاية القضاء ، وهذا ما إتجهت إليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 11/12/1989 أهم ما جاء فيه :" من المقرر شرعا أن الشهادة الشرعية في إثبات الحق أو نفيه عن الشخص هي التي تؤدى أمام القاضي ويتخذ في شأنها إجراءات نص القانون عليها كتحليفهم ومعرفة ما إذا كانوا أهلا للشهادة والتحقق من توفر شروط الآداء فيهم ، وهناك شهادة أخرى يشهد أصحابها أمام موظف مختص لتلقي شهادات معمول بها قضاءا ، ويحكم بناءا عليها ، ومن القضاة من يحضر أمامه أشخاص هذه البينة التي تلقاها الموثق ، ويحلفهم قبل أن يحكم بما شهدوا . وعليه فإذا لم يكن في القضية سوى الإثبات بالبينة ، فالقاضي هو الذي يستمع للشهود ، فإن استمع إليهم غيره وبنى حكمه على شهادتهم كما هو الحال هنا فإن حكمه يكون قائما على غير أساس قانوني . فالخبيـر ليـس مـن مهمتـه سمـاع الشهود أو إعطاء رأيه في شهادتهم و إلا فإنه يكون قد سلب سلطة القاضـي وحـل محلـه ، وهـذا غيـر جائـز قانـونا ، فالأمـر يتعلـق بالإقنـاع الـذي يكـون مـن الحجـج الشرعيـة أو البينـة الشرعيـة والقرار المطعون فيه جاء صـادر علـى الحكـم الـذي إعتمـد علـى أقـوال أشخـاص لـم يتخــذ فـي شأنهـا مـا هـو مطلـوب قانـونا وقبلــت بعيـدا عـن المحكمـة ، (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 15/12/1986 ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 57 . فإنه خالف النصوص القانونية وإنتهك القواعد الشرعية وعرضوا قرارهم لعدم التأسيس القانوني ، ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه " .(1) أما دور القاضي حيال الشهود فيتمثل في استفسارهم عما إذا حضروا مجلس العقد ويتأكد من عددهم حتى يحترم نصاب الشهادة ، ويتأكد من هوية الشاهد الكاملة من خلال بطاقة التعريف ، ودرجة القرابة بالخصوم ، ثم يتم تحليف الشاهد اليمين القانونية على أن لا يقول غير الحق ، ثم يتم سماعه على محضر سماع الشهود الذي يدون فيه هوية الشاهد الكاملة من إسم ولقب ومهنة وسن وموطن ودرجة قرابته بالخصوم مع الإشارة لتأدية اليمين القانونية . بعدها يقوم القاضي باستفسار الشهود عن معرفتهم للخصوم ، وفيما إذا حضروا فاتحة الزواج أم حفل الزفاف ، ومن تولى العقد كولي للزوجة ، و يسألهم عن التاريخ أو السنة التي تم فيها الزواج العرفي لاسيما إن كانت الشهادة سماعية وعن مكان إبرام عقد الزواج العرفي ، كما يستفسرهم عن مقدار الصداق المقدم وهل هو مؤجل أو معجل . وعلى القاضي وهو بصدد الاستماع للشهود أن يحكّم ذكاءه وخبرته ، وأن يدقق في كل كبيرة وصغيرة صرح بها الشاهد و يقارن بين تصريحات الشهود عساه يجد تعارضا في أقوالهم ، وعليه أن يربط بين كل تلك التصريحات ليستنبط منها أخيرا أركان الزواج المذكورة في المادة التاسعة من قانون الأسرة ليقرر تثبيت الزواج العرفي من عدمه . لكن الإشكال المطروح هو أنه : إذا كان من المفترض توفر عنصر العدالة وحسن السيرة والأخلاق لدى الشاهد ، فكيف يتأكد القاضي من توفر هذه العناصر في كل شاهد خاصة بالنظر إلى كثافة الملفات المعروضة أمامه ؟ (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 11/12/1989 ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 61 . 6.2 - هل يجوز للشاهد أن يرجع عن شهادته ؟ حسب الشريعة الإسلامية فإنه يجوز للشاهد أن يرجع عن شهادته، ورجوعه صحيح و مقبول بشرط أن يكون في مجلس القضاء ، وتبرير ذلك أن رجوع الشاهد عما أدلى به إن كان كذبا هو عودة إلى الحق ، وقد إستدلوا بذلك عن رواية حدثت مع علي- رضي الله عنه - أين شهد عنده رجلين خطأ على رجل بالسرقة فقطعت يده ثم عادا وتراجعا عن أقوالهما متهمين رجل آخر وليس الرجل الأول فقال لهما علي- رضي الله عنه - : » لا أصدقكما على هذا الأخير ، وأضمنكما يد الأول ، ولو أني أعلمكما ، فقلتما ذلك عمدا قطعت أيديكما « ففي هذه الرواية دليل أن الرجوع عن الشهادة صحيح في حق الشاهد (1) . فإذا سلطنا الضوء في هذه النقطة – رجوع الشاهد عن شهادته – على مسألة الزواج العرفي ، وإفترضنا أن القاضي أثبت الزواج بين فلان و فلانة بناءا على شهادة سماعية ، وصدر الحكم وإستوفى طرق الطعن و أصبح نهائيا ، ثم أتى نفس الشاهد الذي شهد بواقعة الزواج العرفي ورجع عن شهادته مبررا ذلك بأنه قد تم إيهامه أن فلانة هي حقا زوجة فلان ، فما هو موقف القاضي هنا ؟ إذا كان رجوع الشاهد قبل صدور الحكم بتثبيت الزواج العرفي الحالي يستبعد القاضي شهادته ولا يقضي بها لبطلانها بتراجعه عنها ، وإن لم يصبح الحكم نهائيا ، فيجوز تصحيح الوضع على مستوى درجات التقاضي الأخرى ، لكن كيف يكون الوضع إن صار الحكم نهائيا ، ورتب آثاره كاملة خاصة إن كان الزوجين متوفيين فهل يجوز في هذه الحالة طرح المسألة من جديد على القضاء ، والتحقيق في هذا الزواج من جديد ؟ (1) عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق ، ص 428 . وكيف سيكون موقف القاضي حيال الشاهد الذي تراجع عن شهادته كونه وقع ضحية إيهام من الغير على أن فلانة زوجة فلان ، فهل تتابع النيابة هذا الأخير جزائيا بتهمة شهادة الزور ؟ و كيف يكون ذلك ونحن نعلم حسب الشريعة الإسلامية و القواعد العامة للإثبات أن الشهادة السماعية لا تحمّل صاحبها المسؤولية الشخصية عما أدلى به لأنه نقل كلام عن غيره من الناس ، ولم ينقل واقعة عاينها بسمعه وبصره هو شخصيا. في هذه المسألة بالذات يمكن إستنتاج الحل من خلال موقف المحكمة العليا التي إستقرت على أن الحكم القاضي بإثبات واقعة الزواج له حجية مؤقتة ، على خلاف بقية الأحكام التي لها حجية مطلقة ، وذلك في قرار لها صادر بتاريخ 15/12/1998 ، أهم ما جاء فيه : " حيث أن إثبات واقعة الزواج ليس لها حجية الشيء المقضي فيه حسب مفهوم المادة 338 من القانون المدني ، بإعتبار واقعة الزواج العرفي لها حجية مؤقتة " (1) . من خلال هذا القرار يمكن إستنتاج أنه متى توفرت الأدلة التي تؤدي إلى خلاف ما إنتهى إليه الحكم الذي إستوفى طرق الطعن ، يمكن رفع دعوى جديدة لنفي ما إنتهى إليه الحكم الأول . (1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 15/12/1998 ، المجلة القضائية ، عدد خاص ، 2001 ، ص 56 . | |
|