المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: ركائز التنمية المستديمة وحماية البيئة في السنة النبوية للدكتور محمد عبد القادر الفقي ج01 الثلاثاء يونيو 08 2010, 09:55 | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد فإن من الدراسات المهمة التي تفتقر إليها البحوث العلمية تلكم الدراسات التي تزاوج بين القضايا الكونية المعاصرة وبين الشريعة الإسلامية، وهي دراسات تتطلب الجمع بين تخصصات مختلفة، بالإضافة إلى الإلمام بمصادر التشريع الإسلامي، والقدرة على الربط بين النواحي العلمية والشرعية وفق منهجية محددة وضوابط عامة. وهذا النمط من الدراسات ذو أهمية بالغة في معالجة القضايا المعاصرة والتقعيد لها، استنادا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الدراسات خير دليل لغير المسلمين على مرونة الشريعة الإسلامية، وملاءمتها لحل المشكلات المستعصية التي باتت تئن من ويلاتها المجتمعات البشرية المعاصرة.وهذا البحث هو محاولة لدراسة موضوع من الموضوعات التي لها صلة مباشرة بالاقتصاد العالمي، وعلوم البيئة، والتشريعات المختلفة، بما فيها التشريع الإسلامي، وهو موضوع التنمية المستدامة. ومن المعروف أن هذا النمط من أنماط التنمية يُعَدّ إحدى الغايات التي تسعى دول العالم قاطبة في القرن الحادي والعشرين الميلادي إلى الوصول إليها، واتخاذ كل التدابير اللازمة لتحقيقها، باعتبار أنها الوسيلة المثلى لتحقيق التقدم الحضاري المنشود بشتى صوره (اقتصادياً، واجتماعياً، وبشرياً)، مع المحافظة في الوقت نفسه على الموارد والثروات الطبيعية من الاستنـزاف والتلوث، بحيث يظل كوكب الأرض قادرا على الوفاء بمعطيات التنمية وضمان ديمومتها للأجيال القادمة، انطلاقا من كون هذه الموارد ليست حكرا على جيل بعينه، بل هي ملكية عامة للبشر جميعا في كل زمان ومكان. كما أن التنمية المستدامة تمثل في الوقت نفسه إحدى القيم الحضارية المرتبطة بأخلاقيات التعامل مع البيئة، والتعامل الرشيد مع عناصرها ونظمها ومواردها. ويعرض هذا البحث لقضية التنمية المستدامة من منظور علمي وإسلامي، استناداً إلى ما ورد في السنة النبوية من أحاديث شريفة ذات صلة بهذه القضية، وما ورد في المراجع العلمية الحديثة المتعلقة بهذه القضية. وقد كان سبب اختياري لهذا البحث هو ندرة الدراسات التي تطرقت إلى تلك القضية، والحاجة الماسة إلى إبراز موقف الإسلام من هذا النمط من أنماط التنمية. منهج البحث:يقوم البحث على المنهج العلمي الاستقرائي الاستنباطي المقارن. فقد عنيت فيه ببيان مفهوم التنمية المستدامة في العلم الحديث، وقارنت بين ذلك المفهوم والمفهوم الإسلامي الذي تم استنباطه من خلال استقراء آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة المرتبطة بعناصر التنمية المستدامة. وقمت بتأصيل المفاهيم الواردة في البحث تأصيلاً علمياً استناداً إلى ما ورد في المعاجم اللغوية. كما قمت بعزو الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور الكريمة، وتخريج الأحاديث الواردة في البحث من غير الصحيحين، مع شرح معاني الكلمات الغريبة. تقسيم البحث:قسمت البحث إلى مقدمة وستة مباحث وخاتمة على النحو التالي:المبحث الأول: المفهوم العلمي للتنمية المستدامة والاصطلاحات ذات الصلة.المبحث الثاني: حماية البيئة والتنمية المستدامة باعتبارهما قيمتين حضاريتين. المبحث الثالث: العناصر الأساسية للتنمية المستدامة.المبحث الرابع: مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام.المبحث الخامس: ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية.المبحث السادس: القواعد الفقهية المتعلقة برعاية البيئة.وقد تضمنت الخاتمة أهم النتائج والتوصيات.المبحث الأول: المفهوم العلمي للتنمية المستدامة والاصطلاحات ذات الصلة:أولا: مفهوم التنمية المستدامة:يتكون اصطلاح التنمية المستدامة من لفظتين، هما: التنمية، والمستدامة. والتنمية في اللغة مصدر من الفعل (نمّى). يقال: أنميت الشيء ونمّيته: جعلته ناميا([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). أما كلمة (المستدامة) فمأخوذة من استدامة الشيء، أي: طلب دوامه([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). ومن الناحية الاصطلاحية يراد بالتنمية زيادة الموارد والقدرات والإنتاجية. وهذا المصطلح – برغم حداثته - يستعمل للدلالة على أنماط مختلفة من الأنشطة البشرية، مثل: التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية البشرية، الخ. وفي الاصطلاح يُراد بالتنمية الاقتصادية: الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية، لغرض تحقيق زيادات مستمرة في الدخل تفوق معدلات النمو السكاني. أما التنمية الاجتماعية فالمراد منها هو إصلاح الأحوال الاجتماعية للسكان عن طريق زيادة قدرة الأفراد على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن، وبتحصيل أكبر قدر من الحرية والرفاهية. وتعني التنمية البشرية: تخويل البشر سلطة انتقاء خياراتهم بأنفسهم، سواء فيما يتصل بموارد الكسب، أو بالأمن الشخصي، أو بالوضع السياسي. ويلاحظ أن ثمة تداخلا بين كل هذه الأنماط التنموية، إذ يرتبط كل نمط منها مع سائر الأنماط الأخرى ارتباطاً وثيقاً من حيث التأثير المتبادل بينهما. ولذلك وجدنا من يدمج كل هذه الأنماط المختلفة من التنمية تحت مسمى واحد هو التنمية المتكاملة. ولما كانت التنمية المتكاملة تقتصر دلالاتها الاصطلاحية على العمليات التي تجرى في الوقت الحاضر فقط لتلبية احتياجات أفراد المجتمع الموجودين حاليا، دون مراعاة لاحتياجات الأجيال القادمة، فقد قام كاتبو تقرير لجنة (برونتلاند) المعنون: (مستقبلنا المشترك) في عام 1987 بوضع مصطلح (التنمية المستدامة) للدلالة على التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون أن تؤثر في قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها. وعلى هذا فقد عرفت التنمية المستدامة بأنها: "الأعمال التي تهدف إلى استثمار الموارد البيئية بالقدر الذي يحقق التنمية، ويحد من التلوث، ويصون الموارد الطبيعية ويطوِّرها، بدلاً من استنـزافها ومحاولة السيطرة عليها. وهي تنمية تراعي حق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية للمجال الحيوي لكوكب الأرض، كما أنها تضع الاحتياجات الأساسية للإنسان في المقام الأول، فأولوياتها هي تلبية احتياجات المرء من الغذاء والمسكن والملبس وحق العمل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية وكل ما يتصل بتحسين نوعية حياته المادية والاجتماعية. وهي تنمية تشترط ألا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي"([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، أي إنها تتطلب تضامناً بين الجيل الحالي والجيل المستقبلي، وتضمن حقوق الأجيال المقبلة في الموارد البيئية. وتتمثل أهداف التنمية المستدامة في تحسين ظروف المعيشة لجميع سكان العالم، وتوفير أسباب الرفاهية والصحة والاستقرار لكل فرد. ثانيا: مفهوم البيئة:تدل كلمة (البيئة) في معاجم اللغة العربية على (النـزول والحلول في المكان)، ثم أطلقت الكلمة مجازاً على المكان الذي يتخذه الإنسان (مستقراً لنـزوله وحلوله)، أي على: المنـزل، والموطن والموضع الذي يرجع إليه الإنسان فيتخذ فيه منـزله وعيشه([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). و(البيئة) في العلم هي: "الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضم من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها"([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وقد عرفتها موسوعة Van Nostrand’s Scientific Encyclopedia بأنها: "مجموعة الظروف والعوامل المادية المحيطة بالكائن الحي ومكوناته"([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وعلى هذا يمكننا القول بأن البيئة (في إطارها العام) هي "كل ما هو خارج جسم الإنسان" ويؤثر فيه، ويتأثر بالأنشطة التي يمارسها الإنسان نفسه. ثالثا: حماية البيئة ورعايتها:الحماية في اللغة: المنع والدفع. يقال: حمى فلانا، أي: منعه ودفع عنه([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وعلى هذا فإن اصطلاح (حماية البيئة) يدل على "المحافظة على البيئة من كل ما يفسدها أو يضر بها ويلوثها". أما الرعاية فإنها تعني: حفظ الشيء وتولي أمره([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، قال تعالى: ($yJsù $ydöqtãu ¨,ym $ygÏFt$tãÍ)([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، أي: ما حفظوها وصانوها حق المحافظة والصيانة([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وعلى هذا فرعاية البيئة تعني: إحاطتها بالحفظ والعناية والصيانة. المبحث الثاني: حماية البيئة والتنمية المستدامة باعتبارهما قيمتين حضاريتين مع كثرة المشكلات التي تعرضت لها البيئة منذ عهد الثورة الصناعية، ومع الزيادة المطردة في حجم هذه المشكلات، نشأ ما يعرف بالأفكار الخضراء، وهي الأفكار التي تنادي بحماية البيئة من أجل الحفاظ على كوكب الأرض وما فيه من أحياء، والحيلولة دون تردي جودة كل من الماء والهواء والتربة. وصارت المحافظة على البيئة قيمة من قيم الحضارة المعاصرة يتبناها السياسيون في برامجهم الانتخابية، والمخططون في إستراتيجياتهم التنموية، والإعلاميون في دعاواهم الحضارية. وانتشرت الأفكار الخضراء في العديد من البلدان، مثل تلك الأفكار التي تنادي بإنقاذ الطبيعة والمحافظة على الأشجار وعدم قطع الغابات والمحافظة على التنوع الحيوي([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) وحماية طبقة الأوزون...إلخ. ونتيجة لانتشار الفساد البيئي وتفاقم المشكلات البيئية (المتمثلة في التلوث، والاضطرابات الكبيرة في النظم البيئية، والاحتباس الحراري، والتصحر، وكثرة الأحياء المهددة بالانقراض) فقد أصاب الهلع الكثيرين من سوء المآل والمنحدر الخطير الذي ستهوي فيه الحضارة الحديثة إذا استمرت القضايا البيئية بلا علاج ناجع. وارتفعت أصوات الدعوة إلى تبني القيم الخضراء وإلى إعادة النظر في علاقة الإنسان بالبيئة. ونشطت الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية التي تنادي بالمحافظة على البيئة. وفي العقدين الأخيرين وصل المدّ البيئي إلى مدى كبير، فحفلت أدبيات السياسة الخضراء برؤى جديدة تضع البشر "على مستوى متكافئ مع جميع الكائنات الحية الأخرى"([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وفي قمة الأرض الأولى التي عقدت في ريودي جانيرو بالبرازيل في عام 1992، وهي القمة التي حضرها معظم ملوك دول العالم ورؤسائه، تم تبني مفهوم التنمية المستدامة باعتباره قيمة حضارية. وصار تحقيق هذه التنمية أحد الطموحات والأهداف الكبرى للعديد من دول العالم المعاصر، وبخاصة بعد ما تعرضت له كثير من موارد الأرض وثرواتها غير المتجددة لخطر الاستنـزاف، حتى صار بعضها على شفا النضوب. ومع مطلع الألفية الميلادية الثالثة ازداد الاهتمام بتأصيل القيم الأخلاقية في مجال التعامل مع البيئة، والربط بين هذه القيم وبين أهداف التنمية المستدامة التي تسعى إلى تنفيذها الوكالات والبرامج المتخصصة بحماية البيئة. وبادرت الهيئات المتخصصة في حماية البيئة إلى توظيف القيم الدينية المرتبطة بحماية البيئة لتفعيل برامجها الخاصة بتحقيق التنمية المستدامة التي توازن بين الاستغلال الرشيد للموارد البيئية وبين توفير متطلبات التنمية الصناعية والزراعية والعمرانية والبشرية. المبحث الثالث: العناصر الأساسية للتنمية المستدامة:تقوم التنمية المستدامة على ثلاثة عناصر أساسية، هي: الاقتصاد والمجتمع والبيئة. ومن الملاحظ أن هذه العناصر يرتبط بعضها ببعض، وتتداخل فيما بينها تداخلا كبيرا. فالاقتصاد أحد المحركات الرئيسية للمجتمع، وأحد العوامل الرئيسية المحددة لماهيته (مجتمع صناعي أو زراعي أو رعوي، إلخ). والمجتمع هو صانع الاقتصاد، والمُشكِّل الأساسي للأنماط الاقتصادية التي تسود فيه، اعتمادا على نوع الفكر الاقتصادي الذي يتبناه المجتمع (الرأسمالي، الاشتراكي، الإسلامي). والبيئة هي الإطار العام الذي يتأثر بالأنشطة الاقتصادية ويؤثر فيها. كما تتأثر البيئة بسلوكيات أفراد المجتمع وتؤثر في أحوالهم الصحية وأنشطتهم المختلفة. ولذلك فإن أي برنامج ناجح للتنمية المستدامة لا بد له أن يحقق التوافق والانسجام بين هذه العناصر الثلاثة، وأن يصهرها كلها في بوتقة واحدة تستهدف الارتقاء بمستويات الجودة لتلك العناصر معا: أي تحقيق النمو الاقتصادي، وتلبية متطلبات أفراد المجتمع، وضمان السلامة البيئية، مع المحافظة في الوقت نفسه على حقوق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية وعلى التمتع ببيئة نظيفة. والعلاقة بين التنمية المستدامة وحماية البيئة علاقة وثيقة. وفي هذا الصدد تمثل حماية البيئة الهدف الأول في برامج التنمية المستدامة، ويرجع ذلك إلى أن البيئة هي المصدر الأساسي لجميع الموارد التي تتطلبها برامج التنمية المستدامة ومشروعاتها. والإخلال بالتوازن البيئي يؤدي إلى تدمير النظم البيئية وتدهور حالة الموارد الطبيعية (الحية وغير الحية) والتعجيل بنفاد بعضها أو إفسادها بحيث يتعذر استخدامها بشكل مناسب اقتصاديا. ولهذا فإن حماية البيئة تتطلب وضع ضوابط خاصة لبرامج التنمية المستدامة بحيث تكفل هذه الضوابط عدم تدهور النظم البيئية الطبيعية. وتتضمن هذه الضوابط ما يلي:1- المحافظة على سلامة البيئة (خصوبة التربة، تدوير عناصر الغذاء، نظافة المياه، جودة الهواء).2- المحافظة على الموارد الوراثية للأحياء الحيوانية والنباتات، والحد من فقدان التنوع الحيوي.3- ترشيد الاستخدام المتواصل للموارد الطبيعية (وبخاصة الموارد النباتية والحيوانية)، بحيث لا يكون الاستهلاك أكبر من قدرة هذه الموارد على التكاثر والإنتاج.وتقضي التنمية المستدامة بأن يراعي الإنسان هذه الضوابط، ويراعي أهمية صون النظم البيئية، وأن يخطط معدلات استهلاكه بحيث يحافظ على التوازن بين احتياجاته وبين طاقة تلك النظم وقدرتها على الاستمرارية والعطاء. المبحث الرابع: مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام:على الرغم من حداثة مصطلح (التنمية المستدامة) فإن مفهومه ليس بجديد على الإسلام والمسلمين. فقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالعديد من النصوص التي تمثل الركائز الأساسية للتنمية المستدامة، وتضع الضوابط التي تحكم علاقة الإنسان بالبيئة من أجل ضمان استمراريتها صالحة للحياة إلى أن يأتي أمر الله. ومن الجدير بالذكر أن مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام أكثر شمولا، بل إنه أكثر إلزاما من المفهوم المناظر الذي تم تبنيه في أجندة القرن الحادي والعشرين المنبثقة عن قمة (ريو). فالنظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، لأن هذه الضوابط هي التي تحول دون أية تجاوزات تفقد التنمية المستدامة مبررات استمراريتها. وفي الوقت نفسه فإن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة تعنى بالنواحي المادية، جنبا إلى جنب مع النواحي الروحية والخلقية، فلا تقتصر التنمية المستدامة على الأنشطة المرتبطة بالحياة الدنيا وحدها، وإنما تمتد إلى الحياة الآخرة، بشكل يضمن تحقيق التوافق بين الحياتين، ويجعل صلاحية الأولى جسر عبور إلى النعيم في الحياة الأخروية التي هي الحيوان، أي الحياة الحقيقية المستمرة بلا انقطاع وبلا منغصات. وهكذا، فإن مهمة التنمية المستدامة في المنظور الإسلامي هي توفير متطلبات البشرية حاليا ومستقبلا، سواء أكانت مادية أو روحية، بما في ذلك حق الإنسان في كل عصر ومصر في أن يكون له نصيب من التنمية الخُلقية والثقافية والاجتماعية. وهذا بُعد مهم تختلف فيه التنمية المستدامة في المنظور الإسلامي عن التنمية المستدامة في النظم والأفكار الأخرى، لأنه يعتمد على مبدأ التوازن والاعتدال في تحقيق متطلبات الجنس البشري بشكل يتفق مع طبيعة الخلقة الإلهية لهذا الكائن. والتنمية المستدامة في المنظور الإسلامي لا تجعل الإنسان ندا للطبيعة، ولا متسلطا عليها، بل تجعله أمينا بها، محسنا لها، رفيقا بها وبعناصرها، يأخذ منها بقدر حاجته وحاجة من يعولهم، بدون إسراف، وبلا إفراط ولا تفريط. كما أنها تُعَدّ لونا من ألوان شكر المنعِم على ما أنعم به على خَلقه، انطلاقا من كون العمل في الأرض نمطا من أنماط الشكر لله، كما قال تعالى: ((#þqè=yJôã$# tA#uä y¼ãr#y 4#[õ3ä) ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). والتنمية المستدامة من هذا المنظور توجب على الأغنياء مساعدة الفقراء، فالمال مال الله، وهم مستخلفون فيه، قال تعالى: (Nèdqè?#uäur `ÏiB ÉA$¨B «!$# üÏ%!$# öNä38s?#uä)([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، وقال: ((#qà)ÏÿRr&ur $£JÏB /ä3n=yèy_ tûüÏÿn=øÜtGó¡B ÏmÏù) ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])؛ ولأن الأغنياء إن لم يفعلوا قد يضطرون الفقراء إلى الضغط على الموارد الطبيعية واستنـزافها من أجل الحصول على قوتهم وقوت أولادهم. وما تقوم به الدول الفقيرة من قطع جائر لغاباتها، وإقامة للصناعات الملوثة للبيئة على أراضيها يُعَدّ مثالا لما يمكن أن يفعله الفقر من دمار بيئي.المبحث الخامس: ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية:يمكن تقسيم ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية إلى ثلاث ركائز أساسية، كما يلي:أولا – عمارة الأرض:ذكرنا من قبل أن الاقتصاد يُعَدّ أحد العناصر الرئيسية للتنمية المستدامة. ولكننا هنا نؤثر استعمال المصطلح الإسلامي (عمارة الأرض) لأن دلالات هذا المصطلح تتضمن معاني الوسيلة التي تتحقق بها التنمية المستدامة، كما تتضمن - في الوقت نفسه - الهدف من هذه التنمية([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وتتمثل عمارة الأرض في الإسلام في كل الوسائل التي يمكن من خلالها إحداث مختلف أنواع التنمية، سواء أكانت اقتصادية (صناعية/ زراعية) أم حضرية أم اجتماعية أم صحية أم روحية...إلخ. كما أن عمارة الأرض تمثل الهدف الرئيسي للتنمية المستدامة، فضلا عن كونها غاية دينية ومقصدا شرعيا. فالله خلق الإنسان لكي يضطلع بثلاث مهام رئيسية، هي: عبادة الله لقولـه تعالى: ($tBur àMø)n=yz £`Ågø:$# }§RM}$#ur wÎ) Èbrßç7÷èuÏ9)([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، وخلافته في الأرض لقوله عز وجل: (øÎ)ur tA$s% /u Ïps3Í´¯»n=yJù=Ï9 ÎoTÎ) ×@Ïã%y` Îû ÇÚöF{$# (ZpxÿÎ=yz)([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، وعمارتها استنادا إلى قول الحق تبارك وتعالى: (uqèd Nä.r't±Rr& z`ÏiB ÇÚöF{$# óOä.tyJ÷ètGó$#ur $pkÏù)([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). ومن الناحية اللغوية فإن معنى (Oä.tyJ÷ètGó$#ur) هو: فوّض إليكم أن تعمروها([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). ومن الملاحظ أن ثمة ارتباطا وثيقا بين هذه المهام الثلاث، وتداخلا أيضا. فعبادة الله هي من الخلافة في الأرض ومن عمارتها. والخلافة هي من عبادة الله، ومن عمارة الأرض كذلك. وتحفل السنة النبوية بالعديد من الأحاديث الشريفة التي تحث على عمارة الأرض. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([1]) لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، الجزء الخامس عشر، صفحة 341.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([2]) المرجع السابق، الجزء الثاني عشر، صفحة 213.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([3]) البيئة والتنمية المستدامة، سعاد عبد الله العوضي، الجمعية الكويتية لحماية البيئة، الكويت، صفحة 7. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([4]) لسان العرب، ابن منظور، الجزء الأول، صفحة 36: 37.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([5]) البيئة: مشاكلها وقضاياها وحمايتها من التلوث (رؤية إسلامية)، محمد عبد القادر الفقي، مكتبة ابن سينا، القاهرة، صفحة 8: 10.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط](3) Van Nostrand’s Scientific Encyclopedia Edited by Douglas M. Considine, Van Nostrand Reinhold Company, New York, U.S.A, Page 961.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([7]) المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، وزارة التربية والتعليم، القاهرة، 1422هـ/ 2002م، صفحة 173. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([8]) المرجع السابق، صفحة 269. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([9]) الحديد/ 27. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([10]) معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، الجزء الأول، صفحة 506. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([11]) يقصد بالتنوع الحيوي: جميع أنواع النباتات والحيوانات، والكائنات الحية الدقيقة، والنظم البيئية والآلية التي تعمل بها هذه الأنواع. ويمكن تقسيم هذا التنوع إلى ثلاثة مستويات: التنوع الوراثي (الجيني) وتنوع الأنواع الحية وتنوع النظم البيئية. والتنوع الوراثي هو مجموع المعلومات الوراثية المتضمنة في مورثات النباتات والحيوانات. انظر: التنوع الأحيائي، د. عبد الحكيم بدران، سلسلة قضايا بيئية، الكتاب رقم 44، الجمعية الكويتية لحماية البيئة، الكويت، صفحة 9: 10. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([12]) بعيدا عن اليسار واليمين، أنطوني جيدنز، ترجمة: شوقي جلال، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، الكتاب رقم 286، صفحة 269. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([13]) سبأ/ 13.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([14]) النور/ 33.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([15]) الحديد/ 7.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([16]) العمارة في اللغة: نقيض الخراب. يقال: عمَر أرضه يعمرها عمارة. انظر: معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، الراغب الأصفهاني، دار الكتب العلمية، بيروت، صفحة | |
|