من روائع ما قرأته لسورة الكهف
سورة الكهف هي سورة مكية و لها فضائل كثيرة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ومن تلك الفضائل أنها تحفظ من فتنة المسيح الدجال,ولقد ذكر فيها أربع قصص قرآنية :أهل الكهف ,صاحب الجنتين, سيدنا موسى والخضر عليهما السلام, وذو القرنين,وهذه القصص الأربعة يربطها محور واحد وهو أنه تجمع الفتن الأربعة الموجودة في الحياة: فتنة الدين,فتنة المال,فتنة العلم,وفتنة السلطة, كما أنها كانت تعقب على كل قصة تعقيبا يحمل العبرة والرشد في كيفية أن نقي أنفسنا من هذه الفتن,وان هناك علاقة بين المسيح الدجال وبين هذه الفتن الأربعة وهو أنه سيظهر قبل يوم القيامة بهذه الفتن الأربعة فهو سوف يفتن الناس في دينهم ويطلب منهم عبادته دون الله بما يجريه الله على يديه من خوارق, ومعه فتنة المال فيأمر السماء أن تمطر وينبت الزرع وتتحول الصحراء إلى جنة خضراء,وفتنة العلم فيبهر الناس بما يحمله من أخبار فيؤمنوا به,وفتنة السلطة فيقهر الناس بقوته وسيطرته على أجزاء كثيرة من الأرض( عدا مكة والمدينة).
لقد عرضت السورة فتنة الدين وعرضت العصمة منها فهؤلاء الفتية بدأوا بالدعوة فكذبوا واضطهدوا ثم هربوا بدينهم فأووا إلى الكهف, بعد ذلك يبين لنا المولى عز وجل أن الصحبة الصالحة والصبر عليها هي خير معين للمرء للحفاظ على التزامه وأن مصاحبة الغافلين عن ذكر الله وأصحاب الهوى هي موجبة للهلاك(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)ثم يأتي بعد ذلك ذكر أحوال الظالمين والمؤمنين في الآخرة حتى نرجع بأذهاننا أن ما نقوم به في الدنيا سنرى نتائجه في الآخرة وأنه لابد من هذا الربط في التفكير حتى يبقى المرء على وعي وتنبه دائم فلا يغفل ولا يضيع.
ثم يأتي بعد ذلك ذكر فتنة المال التي وقع فيها صاحب الجنتين,فحب المال طبيعة في البشر,ولكن بسببه قد يتجاوز المرء الحلال إلى الحرام في جمعه وإنفاقه, وقد يستعلي به على الخلق, وقد يغرق في غمرات الدنيا, لذلك علينا أن نوجه النفس في تحويل هذا الحب من الطمع والأنانية والبخل إلى سلوك وعمل يحبه الله فما لديك هو من عند الله, وأن الزكاة والصدقة إنما هي تزكية للنفس وللمال .ثم ذكر الحل بأن نفهم حقيقة الدنيا الفانية حين قال(واضرب لهم الحياة الدنيا...........فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا) ثم ذكر الباقيات الصالحات ثم عاد ليذكّر بأحوال الآخرة وكأن تذكرالآخرة قضية أساسية في العصمة من الفتن.
بعد ذلك تأتي فتنة العلم والإغترار به وذلك حين سأل قوم موسى من أعلم أهل الأرض فأجابهم بأنه هو عليه السلام, فأوحى له الله بأنه يوجد من هو أعلم منه ,وأن النجاة من هذه الفتنة هي بالتواضع لله وأن الإنسان مهما بلغ من العلم فلن يحصل له الكمال لجهله في أمور وعلوم ظاهرة وغيبية,وأن على طالب العلم أن يتحلى بالصبر والأدب مع المعلم وأن يكون طلبه هذا خالصا لله تعالى.(قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا).فقلة الخبرة والنقص في العلم يوقع صاحبه في التسرع والخطأ إن لم يرجع للمعلم.
وأخيرا تأتي فتنة السلطان فها هو ذو القرنين الذي آتاه الله العلم والسلطة , هذا الحاكم الصالح الذي مكنه الله في الأرض ويسر له الأسباب فاجتاح الأرض شرقا وغربا, ولكنه لم يتجبر أو يتكبر ولم يتخذ من فتوحاته وسيلة للغنم المادي, و لم يسخر الناس في أطماعه وأغراضه, وإنما نشر العدل في كل مكان حلّ به, وأنه استخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح ودفع العدوان,ثم يذكر العصمة من هذه الفتنة (هذا رحمة من ربي)حيث يرجع كل خير حققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضله, فهو لم ينس وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته, وأنه راجع إلى الله فأظهر هنا تواضعه وإخلاصه لله تعالى.
ومن روائع هذه السورة أنه يوجد فيها كثرة الحركة بشكل واضح لأن فيها قصص لأناس يتحركون بإيجابية بداية من أهل الكهف الذين تركوا الأهل والديار وأووا إلى الكهف للفرار بدينهم, إلى سيدنا موسى الذي ذهب إلى مجمع البحرين بحثا عن العلم الذي تمثل في الخضر عليه السلام وتجاوزه حتى أدركه التعب الشديد, إلى مرافقته وتنقله معه من خلال رحلته (أصحاب السفينة)و(قصة الغلام)و(أهل المدينة و بناء الجدار)وكذلك قصة ذو القرنين الذي طاف الأرض من شرقها إلى غربها, وإرشاداته للقوم بأن يتحركوا معه ويشاركوه في بناء السد لدرأ الأذى عنهم.
هذا كله يشير إلى أن العواصم من الفتن تكون بالحركة الإيجابية وليس بالسكون والسلبية,ومن اللطيف أن هذه السورة تقرأ يوم الجمعة وهو يوم إجازة المسلمين وكأنها تقول لهم أن بدل السكون والخمول عليهم قراءة سورة الكهف وأن يعتبروا بما فيها من حركة إيجابية لينطلقوا بالعمل الإيجابي في كل أحوال حياتهم و أن يعصموا أنفسهم من الفتن لأن الساكن يسهل صيده.
فهذا من روائع ما قرأته لسورة الكهف والتي حركت في ذهني معان كثيرة قد لا نراها نحن فجزى الله من أوصل تللك الأفكار إلينا ولولا أنه كان صادقا ومخلصا ومتدبرا لكتاب الله لما نتجت تلك الخيرات جعلنا الله من الذين يتدبرون ويفهمون القرآن العظيم والحمد لله رب العالمين جمع وكتابة أمل