المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: تفسير سورة الحجرات الخميس مايو 13 2010, 23:05 | |
| تفسير سورة الحجرات من إرشاد العقل السليم لأبي السعود (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)*(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ)*(إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)*(إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)*(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)*(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)*(وَآعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ)*(فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)*(وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ)*(إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)*(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ)*(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)*(يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)*(قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)*(إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ)*(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)*(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)*(إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
'Response.Write ("GenerateXML(""http://"&Request.ServerVariables ("SERVER_NAME")&"/altafsir/"&XMLFilePath&""")") 'Response.Write ("GenerateXML('[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] GenerateXML("http://www.altafsir.com/Tafasir/Abu_AlSoud/28-049-001.XML") 'Response.Write ("GenerateXML("""& XMLFilePath &""")")
(يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ) تصديرُ الخطابِ بالنداءِ لتنبـيهِ المخاطبـينَ عَلى أنَّ مَا في حيزهِ أمرٌ خطيرٌ يستدعِي مزيدَ اعتنائِهم بشأنِه وفرطَ اهتمامِهم بتلقّيهِ ومراعاتِه، ووصفهُمْ بالإيمانِ لتنشيطِهمْ والإيذانِ بأنَّه داعٍ إلى المحافظةِ عليهِ ووازعٌ عن الإخلالِ بهِ (لاَ تُقَدّمُواْ) أيْ لا تفعلُوا التقديمَ عَلى أنَّ تركَ المفعولِ للقصدِ إلى نفسِ الفعلِ منْ غيرِ اعتبارِ تعلقِه بأمرٍ منَ الأمورِ عَلى طريقةِ قولِهم فلانٌ يُعطِي ويمنعُ أيْ يفعلُ الإعطاءَ والمنعَ، أو لا تقدّمُوا أمراً منَ الأمورِ عَلى أنَّ حذفَ المفعولِ للقصدِ إلى تعميمهِ، والأولُ أَوفى بحقِّ المقامِ لإفادتِه النهيَ عنِ التلبسِ بنفسِ الفعلِ الموجبِ لانتفائِه بالكليةِ المستلزِمِ لانتفاءِ تعلقهِ بمفعولِه بالطريقِ البرهانيِّ وقدْ جُوِّز أنْ يكونَ التقديمُ بمعَنى التقدمِ ومنْهُ مقدمةُ الجيشِ للجماعةِ المتقدمةِ ويعضُده قراءةُ منْ قَرأ لا تَقدّمُوا بحذفِ إحْدَى التاءينِ منْ تتقدمُوا منَ القدومِ وقوله تعالى: (بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ) مستعارٌ ممَّا بـينَ الجهتينِ المسامتتينِ ليدي الإنسانِ تهجيناً لِما نُهوا عنْهُ، والمَعْنى لا تقطعُوا أمراً قبلَ أنْ يحكُمَا بهِ وقيلَ المرادُ بـين يدي رسولِ الله وذكرُ الله تَعَالى لتعظيمهِ والإيذانِ بجلالةِ محلِه عندَهُ عزَّ وجلَّ. قيلَ نزلَ فيما جَرى بـينَ أبـي بكرِ وعمرَ رَضِيَ الله عنهمَا لَدَى النبـيِّ صلى الله عليه وسلم في تَأْميرِ الأَقْرعِ بنِ حَابِسٍ أَوِ القعقاعِ بنِ مَعْبدٍ (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) في كُلِّ ما تأتونَ وما تذرونَ منَ الأقوالِ والأفعالِ التي منْ جُملتها مَا نحنُ فيهِ (إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ) لأقوالِكم (عَلِيمٌ) بأفعالِكم فمِنْ حَقِّه أنْ يُتقَّى وَيُراقبَ.(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىّ) شروعٌ في النَّهي عنِ التجاوزِ في كيفيةِ القولِ عندَ النبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بعدَ النَّهي عنِ التجاوزِ في نفسِ القولِ والفعلِ، وَإعادةُ النداءِ معَ قُربِ العَهْدِ بهِ للمبالغةِ في الإيقاظِ والتنبـيهِ والإشعارِ باستقلالِ كُلَ مِنَ الكلامينِ باستدعاءِ الاعتناءِ بشأنِه أَيْ لاَ تبلُغوا بأصواتِكم وراءَ حدَ يبلُغه عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ بصوتِه وقُرِىءَ لا ترفعُوا بأصواتِكم عَلى أنَّ الباءَ زائدةٌ (وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ ) إذَا كلمتُموه (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) أيْ جهراً كَائناً كالجهرِ الجَارِي فيمَا بـينكُم بلْ اجعلُوا صوتَكُم أخفضَ منْ صوتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ وتعهّدُوا في مخاطبتِه اللينَ القريبَ منَ الهمسِ كَما هُو الدأبُ عندَ مخاطبةِ المَهيبِ المُعظمِ وحَافظُوا عَلى مُراعاةِ أُبَّهةِ النبوةِ وجَلالةِ مقدارِها، وَقيلَ مَعنْى لاَ تجهرُوا لهُ بالقولِ كجهرِ بعضِكُم لبعضٍ لا تقولُوا لهُ يَا محمدُ يَا أحمدُ وخَاطِبُوه بالنبوةِ قالَ ابْنُ عباسٍ، رضيَ الله عنُهمَا لما نزلتْ هذهِ الآيةُ قالَ أبوُ بكرٍ يا سولَ الله والله لاَ أكلمكَ إلاَّ السِّرارَ أَوْ أخَا السرارِ حَتَّى ألقى الله تعالَى وعن عمَر رضيَ الله عنْهُ أنَّه كانَ يكلمُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ كأخِي السِّرارِ لا يسمعُهُ حَتَّى يستفهمَهُ وكانَ أبوُ بكرٍ رضيَ الله عنْهُ إذَا قدمَ على رسُولِ الله صَلَّى الله عليهِ وسلَم الوفودُ أرسلَ إليهمْ منْ يعلمهُمْ كيفَ يسلّمونَ ويأمرُهُم بالسكينةِ والوقارِ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقولُه تعالَى: (أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ ) إِمَّا علةٌ للنَّهي أيْ لا تجهرُوا خشيةَ أنْ تحبطَ أوْ كراهةَ أنْ تحبطَ كَما فِي قولِه تعالَى: (يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ) أوْ للنهيّ أَيْ لا تجهرُوا لأجلِ الحبوطِ فإنَّ الجهرَ حيثُ كانَ بصددِ الأداءِ إلى الحبوطِ فكأنَّهُ فعلَ لأجلِه عَلى طريقةِ التمثيلِ كقولِه تعالى: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) وليسَ المرادُ بما نُهيَ عنْهُ منْ الرَّفعِ والجَهْرِ ما يقارنُه الاستخفافُ والاستهانةُ فإنَّ ذلكَ كفرٌ بلْ مَا يتُوهم أنْ يؤديَ إليهِ مما يجرِي بـينَهمْ في أثناءِ المحاورةِ منَ الرَّفعِ والجهرِ حسَبما يعربُ عنْهُ قولُه تعالَى: {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} خَلاَ أنَّ رفعَ الصوتِ فوقَ صوتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لمَّا كانَ منكراً محضاً لَمْ يُقيدْ بشيءٍ ولا ما يقعُ منهما في حربِ أو مجادلةِ معاندٍ أو إرهابِ عدوَ أو نحوِ ذلكَ وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنُهما نزلتْ في ثَابتِ بنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وكانَ في أُذنِه وَقْرٌ وكانَ جَهْوريَّ الصوتِ ورُبَّما كانَ يكلمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيتأذَى بصوتِه وعنْ أنسٍ رضيَ الله عَنْهُ أنهُ لمَّا نزلتْ الآيةُ فُقِدَ ثابتٌ وتفقدَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فأخبرَ بشأنِهِ فدعاهُ فسألَهُ فقالَ يَا رسولَ الله لقدْ أنزلتْ إليكَ هذهِ الآيةُ وإِنِّي رجلٌ جهيرُ الصوتِ فأخافُ أنْ يكونَ عَمَلِي قدْ حَبِطَ فقالَ لَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لستَ هناكَ إنكَ تعيشُ بخيرٍ وتموتُ بخيرٍ وإنكَ منْ أهلِ الجنةِ وأمَّا مَا يُروى عنِ الحسنِ منْ أنَّها نزلتْ في بعضِ المنافقينَ الذينَ كانُوا يرفعونَ أصواتَهُم فوقَ صوتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ فقدْ قيلَ محملُه أنَّ نهيهَمُ مندرجٌ تحتَ نهَي المؤمنينَ بدلالةِ النصِّ (وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) حالٌ منْ فاعِل تحبطُ أيْ وَالحالُ أنكُم لاَ تشعرونَ بحبوطِها وفيهِ مزيدُ تحذيرٍ مما نُهوا عنْهُ وقولُه تعَالَى:(إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ) الخ ترغيبٌ في الانتهاءِ عمَّا نُهوا عنْهُ بعدَ الترهيبِ عنِ الإخلالِ بهِ أيْ يخفِضونَها مراعاةً للأدبِ أوْ خشيةً منْ مخالفةِ النَّهي (أُوْلَـٰئِكَ) إشارةٌ إِلى الموصولِ باعتبارِ اتصافِه بمَا فِي حيزِ الصلةِ، وما فيهِ منْ مَعنى البعدِ مَعَ قُربِ العهدِ بالمشارِ إليهِ لمَا مرَّ مِراراً منْ تفخيمِ شأنِه وهُوَ مُبتدأٌ خبرُهُ (ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ) أيْ جرّبَها للتَّقوى ومرَّنَها عليهَا أو عَرفَها كائنةً للتَّقوى خالصةً لهَا فإِنَّ الامتحانَ سببُ المعرفةِ، واللامُ صلةٌ لمحذوفٍ أَوْ للفعلِ باعبتارِ الأصلِ أوْ ضربَ قلوبَهُم بضروبِ المحنِ والتكاليفِ الشاقَّةِ لأجلِ التَّقوى فإنَّها لا تظهرُ إلا بالاصطبارِ عليَها أو أخلصَها للتَّقوى من امتحنَ الذهبَ إذَا أذابَهُ وميزَ إبريزَهُ منْ خبثِهِ. وعنْ عمرَ رضيَ الله عنْهُ أذهبَ عَنْها الشهواتِ (لَهُمْ) في الآخرةِ (مَغْفِرَةٍ) عظيمةٌ لذنوبِهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) لا يقادرُ قدرُهُ، والجملةُ إمَّا خبرٌ آخرُ لإنَّ كالجملةِ المصدرةِ باسمِ الإشارةِ أو استئنافٌ لبـيانِ جزائِهم إحماداً لحالِهم وتعريضاً بسوءِ حالِ منْ ليسَ مثلَهُم (إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء ٱلْحُجُرٰتِ) أيْ منْ خارجِها منْ خلفِها أوْ قُدَّامِها، وَمِنِ ابتدائيةٌ دالةٌ عَلى أنَّ المناداةَ نشأتْ منْ جهةِ الوراءِ وأنَّ المُنَادَى داخلُ الحُجرةِ لوجوبِ اختلافِ المبدأِ والمُنتهى بحسبِ الجهة بخلافِ ما لَوْ قيلَ ينادونَكَ وراءَ الحجراتِ وَقُرىءَ الحُجَرْاتِ بفتحِ الجيمِ وبسكونِها وثلاثتُها جمعُ حُجْرةٍ وهَي القطعةٌ منَ الأرضِ المحجورةِ بالحائطِ ولذلكَ يقالُ لحظيرةِ الإبلِ حُجْرةً وهيَ فُعْلةٌ منَ الحَجْر بمَعْنى مفعول كالغُرفةِ والقُبضةِ والمرادُ بَها حجراتُ أمهاتِ المؤمنينَ ومناداتُهم منْ ورائِها إمَّا بأنَّهم أتوهَا حجرةً حجرةً فنادَوهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منْ ورائِها أَوْ بأنَّهم تفرقُوا عَلى الحجراتِ متطلبـينَ لهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فناداهُ بعضٌ منْ وراءِ هذهِ وبعضٌ منْ وراءِ تلكَ فأسندَ فعلَ الأبعاضِ إِلى الكُلَّ وقدْ جُوِّز أنْ يكُونوا قدْ نادَوُه منْ وراءِ الحجرةِ التِّي كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فيَها وَلكنَّها جُمعتْ إجلالاً لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وقيلَ إنَّ الذَّي ناداهُ عُيـيَنةُ بنُ حِصْنٍ الفزارِيُّ والأقرعُ بْنُ حابسٍ وَفَدا عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سبعينَ رجُلاً منْ بنِي تميمٍ وقتَ الظهيرةِ وهُوَ راقدٌ فقالاَ يا محمدُ اخرجْ إلينَا وإنَّما أسندَ النداءَ إلى الكُلِّ لأنَّهم رضُوا بذلكَ أوْ أُمروا بهِ أوْ لأَنَّه وجدَ فيَما بـينَهمْ (أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) إذْ لَوْ كانَ لهُم عقلٌ لمَا تجاسرُوا عَلى هذهِ المرتبةِ منْ سُوءِ الأدبِ (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) أيْ وَلَوْ تحققَ صبرُهُم وانتظارُهُم حتَّى تخرجَ إليهمْ فإنَّ «أَنَّ» وَإِنْ دلت بَما في حيزهَا عَلى المصدرِ لكِنَّها تفيدُ بنفسِها التحققَ والثبوتَ للفرقِ البـينِ بـينَ قولِك بَلَغني قيامُك وبلغني أنَّك قائمٌ وحَتَّى تفيدُ أنَّ الصبرَ ينبغِي أنْ يكونَ مُنتهياً بخروجِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فإنَّها مختصةٌ بمَا هُوَ غايةٌ للشيءِ في نفسِه ولذلكَ تقولُ أكلتُ السمكةَ حتَّى رَأْسَهَا وَلا تقولُ حتَّى نصفَها أو ثلثَها بخلافِ إِلى فإنَّها عامَّةٌ وفي إليهمْ إشعارٌ بأنَّه لوْ خرجَ لأجلِهم ينبغِي أَنْ يصبرُوا حَتَّى يفاتحهَم بالكلامِ أوْ يتوجَّهَ إليهِم (لَكَانَ) أي الصبرُ المذكورُ (خَيْراً لَّهُمْ) منِ الاستعجالِ لِما فيهِ منْ رعايةِ حُسنِ الأدبِ وتعظيمِ الرسولِ الموجبَـينِ للثناءِ والثوابِ والإسعافِ بالمسؤولِ إذْ رُوي أنَّهم وفدُوا شافعينَ في أُسارَى بنِي العَنْبرِ فأطلقَ النصفَ وفادَى النصفَ (وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) بليغُ المغفرةِ والرحمةِ واسعُهما فلنْ يضيقَ ساحتُهما عنْ هؤلاءِ إنْ تابُوا وَأصلحُوا.(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ) أيْ فتعرفُوا وتفحصُوا (رُويَ أنَّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بعثَ الوليدَ بنَ عُقبةَ أخَا عُثْمانَ رضيَ الله عنْهُ لأُمهِ مُصدِّقاً إلى بَني المُصطلِق وكانَ بـيَنهُ وبـينَهمْ إِحْنَةٌ فلمَّا سمعُوا بهِ استقبلُوه فحسبَ أنَّهم مقاتلُوه فرجعَ وقالَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم قدِ ارتدُوا ومنعُوا الزكاةَ فَهمَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بقتالِهم فنزلتْ) وقيلَ: (بعثَ إليهم خالدَ بنَ الوليدَ فوجدهُم منادينَ بالصلاةِ متهجدينَ فسلمُوا إليهِ الصدقاتِ فرجعَ). وفي ترتيبِ الأمرِ بالتبـينِ عَلى فسقِ المُخبرِ إشارةٌ إلى قبولِ خبرِ الواحدِ العدلِ في بعضِ الموادِّ وَقُرىءَ فتثبتُوا أيْ توقفُوا إلى أنْ يتبـينَ لكُم الحالُ (أن) حِذارَ أنْ (تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ) ملتبسينَ بجهالةِ حالِهم (فَتُصْبِحُواْ) بعدَ ظهورِ براءتِهم عَمَّا أُسندَ إليهمْ (عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ) في حَقِّهم (نَـٰدِمِينَ) مغتمينَ غماً لازماً متمنينَ أنَّه لم يقعْ فإنَّ تركيبَ هذهِ الأَحْرُفِ الثلاثةِ يدورُ معَ الدوامِ.(وَٱعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ) أنَّ بِما في حيزِهَا سادُّ مسدَّ مفعولَي اعلمُوا باعتبارِ ما بعدَهُ منْ قولِه تعالى: (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ ٱلاْمْرِ لَعَنِتُّمْ) فإنَّهُ حالٌ منْ أحدِ الضميرينِ في فيكُم والمَعنْى أنَّ فيكُم رسولَ الله كائناً عَلى حالةٍ يجبُ عليكُم تغيـيرُهَا أوْ كائنينَ على حالةٍ الخ وهي أنكُم تريدونَ أنْ يتبعَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ رأيَكُم في كثيرٍ منَ الحوادثِ ولَوْ فعلَ ذلكَ لوقعتُم في الجهدِ والهلاكِ، وفيه إيذانٌ بأنَّ بعضَهُم زينُوا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم الإيقاعَ ببني المصطلقِ تصديقاً لقولِ الوليدِ وأنَّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ لَمْ يُطعْ أمرَهُم، وأما صيغةُ المضارعِ فقدْ قيلَ إنَّها للدلالةِ عَلى أنَّ امتناعَ عَنَتِهم لامتناعِ استمرارِ طاعتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ لهُم لأنَّ عنتهَمُ إنما يلزمُ منَ استمرارِ الطاعةِ فيما يعِنُّ لهَمُ منَ الأمورِ إذْ فيهِ اختلالُ أمرِ الإبالةِ وانقلابُ الرئيسِ مَرْءوساً لا منْ إطاعتِه في بعضِ ما يرونَهُ نادراً بلْ فيها استمالتُهم بلا معرةٍ، وقيل: إنَّها للدلالةِ عَلى أنَّ امتناعَ عنتهِم لاستمرارِ امتناعِ طاعتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ لهُم في ذلكَ فإنَّ المضارعَ المنفيَّ قَدْ يدلُّ على استمرارِ النَّفي بحسبِ المقامِ كما في نظائرِ قولِه تعالَى ولا هُم يحزنونَ، والتحقيقُ أنَّ الاستمرارَ الذي تفيدُه صيغةُ المضارعِ يعتبرُ تارةً بالنسبةِ إلى ما يتعلقُ بالفعلِ منَ الأمورِ الزمانيةِ المتجددةِ وذلكَ بأنْ يعتبرَ الاستمرارُ في نفسِ الفعلِ على الإبهامِ ثم يعتبرُ تعلقُ ما يتعلقُ به بـياناً لما فيهِ الاستمرارُ، وأُخرى بالنسبةِ إلى ما يتعلقُ به من نفسِ الزمانِ المتجددِ وذلكَ إذا اعتبر تعلقُه بما يتعلقُ به أولاً ثم اعتبرَ استمرارُه، فيتعينُ أن يكونَ ذلك بحسبِ الزمانِ فإنْ أُريدَ باستمرارِ الطَّاعةِ استمرارُها وتجددُها بحسبِ تجددِ مواقعِها الكثيرةِ التي يفصحُ عنه قولُه تعالَى في كثيرٍ من الأمرِ فالحقُّ هو الأولُ ضرورةَ أنَّ مدارَ امتناعِ العنَتِ هو امتناعُ ذلك الاستمرارِ سواءٌ كان ذلكَ الامتناعُ بعدمِ وقوعِ الطاعةِ في أمرٍ ما من تلكَ الأمورِ الكثيرةِ أصلاً أو بعدمِ وقوعِها في كلِّها مع وقوعِها في بعضٍ يسيرٍ منها، حتَّى لو لم يمتنعْ ذلكَ الاستمرارُ بأحدِ الوجهينِ المذكورينِ بل وقعتْ الطاعةُ فيما ذُكِرَ من كثيرٍ من الأمرِ في وقتٍ من الأوقاتِ وقعَ العنتُ قطعاً وإنْ أُريدَ به استمرارُ الطَّاعةِ الواقعةِ في الكلِّ وتجدّدُها بحسبِ تجددِ الزمانِ واستمرارِه فالحقُّ هو الثانِي، فإنَّ مناطَ امتناعِ العنتِ حينئذٍ ليسَ امتناعَ استمرارِ الطاعةِ المذكورةِ ضرورةَ أنَّه موجبٌ لوقوعِ العنتِ بل هُو الاستمرارُ الزمانيُّ لامتناع تلك الطاعةِ الواقعةِ في تلكَ الأمورِ الكثيرةِ بأحدِ الوجهينِ المذكورينِ حتَّى لو لم يستمرَّ امتناعُها بأنْ وقعتْ تلك الطاعةُ في وقتٍ من الأوقاتِ وقعَ العنتُ حتماً واعلمْ أنَّ الأحقَّ بالاختيارِ والأَولى بالاعتبارِ هو الوجهُ الأولُ لأنَّه أوفقُ بالقياسِ المُقتضِي لاعتبارِ الامتناعِ وارداً على الاستمرارِ حسبَ ورودِ كلمةِ لو المفيدةِ للأولِ على صيغةِ المضارعِ المفيدةِ للثانِي، على أنَّ اعتبارَ الاستمرار وارداً على النَّفي على خلافِ القياسِ بمعونةِ المقامِ، إنَّما يصارُ إليهِ إذا تعذرَ الجريانُ على موجبِ القياسِ أو لم يكنْ فيه مزيدُ مزيةٍ كما في قولِه تعالى: (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) حيثُ حملَ على استمرارِ نفي الحزنِ عنُهم إذْ ليسَ في استمرارِ الحزنِ مزيدُ فائدةِ. وأمًّا إذَا انتظمَ الكلامُ مع مراعاةِ موجبِ القياسِ حقَّ الانتظامِ فالعدولُ عنه تمحلٌ لا يخَفْى وقولُه تعالى: (وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلاْيمَـٰنَ) الخ تجريدٌ للخطابِ وتوجيهُ لهُ إِلى بعضِهم بطريقِ الاستدراكِ بـياناً لبراءتِهم عنْ أوصافِ الأولينَ وإحماداً لأفعالِهم أيْ ولكنَّهُ تعالَى جعلَ الإيمانَ محبوباً لديكم. (وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ) حَتَّى رسخَ حبُّه فيَها ولذلكَ أتيتُم بَما يليقُ بهِ منَ الأقوالِ والأفعالِ (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ) ولذلكَ اجتنبتُم ما لا يليقُ بَها ممَّا لا خيرَ فيهِ منْ آثارها وأحكامِها، ولَمَّا كانَ في التحبـيبِ والتكريِه مَعْنى إنهاءِ المحبةِ والكراهةِ وإيصالِهما إليهم استُعمِلا بكلمةِ إلى وقيلَ هو استدراكٌ ببـيانِ عُذرِ الأولينَ كأنَّه قيلَ لمْ يكُنْ ما صدرَ عنكُم في حَقِّ بَني المصطلقِ منْ خللٍ في عقيدتِكم بلْ من فرطِ حبِّكم للإيمانِ وكراهتِكم للكفرِ والفسوقِ والعصيانِ والأولُ هو الأظهرُ لقولِه تعالَى: (أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلرشِدُونَ) أي السالكون إلى الطريق السويّ الموصل إلى الحق، والالتفات إلى الغيبة كالذي في قولِه تعالَى: (وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن رِباً لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ).(فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً) أيْ وَإنعاماً تعليلٌ لحببَ أو كرَّه، وما بـينَهمَا اعتراضٌ وقيلَ نصبُهمَا بفعلٍ مضمرٍ أيْ جَرى ذلكَ فضلاً وقيلَ يبتغونَ فضلاً (وَٱللَّهُ عَلِيمٌ) مبالغٌ في العلمِ فيعلمُ أحوالَ المؤمنينَ وما بـينَهم من التفاضلِ (حَكِيمٌ) يفعلُ كُلَّ ما يفعلُ بموجبِ الحكمةِ. (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ) أي تقاتلُوا والجمعُ باعتبارِ المَعْنى (فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا) بالنُّصحِ والدعاءِ إلى حُكمِ الله تعالى (فَإِن بَغَتْ) أي تعدتْ (إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلاخْرَىٰ) وَلَمْ تتأثرْ بالنصيحةِ (فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىء) أيْ ترجعَ (إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ) إِلى حُكمهِ أوْ إلى مَا أمرَ بهِ (فَإِن فَاءتْ) إليهِ وأقلعتْ عن القتالِ حذاراً من قتالِكم (فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ) بفصلِ ما بـينَهما على حُكمِ الله تَعالى ولا تكتفُوا بمجردِ متاركتهِما عَسى يكونُ بـينَهما قتالٌ في وقتٍ آخرَ، وتقيـيدُ الإصلاحِ بالعدلِ لأنَّه مظِنةُ الحيفِ لوقوعِه بعدَ المقاتلةِ وقدْ أكَّد ذلكَ حيثُ قيلَ: (وَأَقْسِطُواْ) أيْ واعدلُوا في كُلِّ ما تأتونَ وما تذرونَ (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ) فيجازيهُم أحسنَ الجزاءِ والآيةُ نزلتْ في قتالٍ حدثَ بـينَ الأوسِ والخزرجِ في عهدِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالسَعَفِ والنعالِ، وفيهَا دلالةً على أنَّ الباغيَ لا يخرجُ بالبغِي عنِ الإيمانِ وأنَّه إذَا أمسكَ عنِ الحربِ تُركَ لأنَّه فيءٌ إلى إمرِ الله تعَالى وأنه يجبُ معاونةُ منْ بُغيَ عليهِ بعدَ تقديمِ النُّصحِ والسعْيِ في المصالحةِ.(إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) استئنافٌ مقررٌ لما قبلَهُ منَ الأمرِ بالإصلاحِ أيْ أنهم منتسبونَ إلى أصلٍ واحدٍ هُوَ الإيمانُ الموجبُ للحياةِ الأبديةِ، والفاءُ في قولهِ تعالَى: (فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) للإيذانِ بأَنَّ الأخوةَ الدينيةَ موجبةٌ للإصلاح، ووضعُ المُظهرِ مقامَ المضمرِ مُضافاً إلى المأمورينَ للمبالغةِ في تأكيدِ وجوبِ الإصلاحِ والتحضيضِ عليهِ وتخصيصُ الاثنينِ بالذكرِ لإثباتِ وجوبِ الإصلاحِ فيَما فوقَ ذلكَ بطريقِ الأولويةِ لتضاعفِ الفتنةِ والفسادِ فيهِ وقيلَ المرادُ بالأخوينِ الأوسُ والخزرجُ وقُرىءَ بـينَ إخوتِكم وإخوانِكم (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) في كُلَّ ما تأتونَ وما تذرونَ من الأمورِ التي منْ جُملتِها ما أُمرتِم بهِ منَ الإصلاحِ {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} راجينَ أنْ ترحمُوا عَلى تقواكم.(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ) أيْ منكُم (مِن قَوْمٍ) آخرينَ أيضاً منكُم وقولُه تعالى: (عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ) تعليلٌ للنَّهِي أو لموجبِه أيْ عَسى أنْ يكونَ المسخورُ منْهم خيراً عندَ الله تَعَالى منَ الساخرينَ، والقومُ مختصٌّ بالرجالِ لأنُهم القُوّامُ على النساءِ وهُو في الأصلِ إمَّا جمعُ قائمٍ كصَوْمٍ وزَوْرٍ في جمعِ صائمٍ وزائرٍ أو مصدرٌ نعتَ بهِ فشاعَ في الجمعِ، وأما تعميمُه للفريقينِ في مثلِ قومِ عادٍ وقومِ فرعونَ فإمَّا للتغليبِ أو لأنهنَّ توابعُ، واختيارُ الجمع لغلبةِ وقوعِ السخريةِ في المجامعِ، والتنكيرُ إمَّا للتعميمِ أو للقصدِ إلى نَهْي بعضِهم عنْ سُخريةِ بعضٍ لما أنَّها مما يجرِي بـينَ بعضٍ وبعضٍ (وَلاَ نِسَاء) أيْ ولا تسخرْ نساءٌ من المؤمناتِ (مّن نّسَاء) منهنَّ (عَسَىٰ أَن يَكُنَّ) أيْ المسخورُ منهُنَّ (خَيْراً مّنْهُنَّ) أيْ منَ الساخراتِ فإنَّ مناطَ الخيريةِ في الفريقينِ ليسَ ما يظهرُ للناسِ من الصورِ والأشكالِ ولا الأوضاعِ والأطوارِ التي عليَها يدورُ أمرُ السخريةِ غالباً بلْ إنما هُوَ الأمورُ الكامنةُ في القلوبِ فلا يجترىء أحدٌ على استحقارِ أحدٍ فلعلَّهُ أجمعُ منْهُ لما نيطَ بهِ الخيريةُ عندَ الله تعالَى فيظلَم نفسَهُ بتحقيرِ منْ وقَّره الله تعالَى والاستهانةِ بَمنْ عظَّمُه الله تعالَى وقُرىءَ عَسَوا أنْ يكونُوا وعَسَينَ أنْ يكنَّ فعسَى حينئذٍ هي ذاتُ الخبرِ كما في قولِه تعالَى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) وَأمَّا على الأولِ فهيَ التي لا خيرَ لها (وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ) أيْ ولا يعبْ بعضُكم بعضاً فإنَّ المؤمنينَ كنفسٍ واحدةٍ أو لا تفعلُوا ما تُلمَزونَ بهِ فإنَّ منْ فعلَ ما يستحقُّ بهِ اللمزَ فقدْ لمزَ نفسَهُ واللمزُ الطعنُ باللسانِ وقُرىءَ بضمِّ الميمِ (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلاْلْقَـٰبِ) أيْ ولا يدْعُ بعضُكم بعضاً بلقبِ السوءِ فإنَّ النبزَ مختصٌ بهِ عُرْفاً (بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلاْيمَانِ) أي بئسَ الذكرُ المرتفعُ للمؤمنينَ أنْ يُذكرُوا بالفسقِ بعد دخولِهم الإيمانَ أو اشتهارِهم بهِ فإنَّ الاسمَ هَهُنا بمَعنى الذكرِ منْ قولِهم طارَ اسمُه في الناسِ بالكرم أو باللؤمِ، والمرادُ بهِ إمَّا تهجينُ نسبةِ الكفرِ والفسوقِ إلى المؤمنينَ خصوصاً إذْ رُوي أنَّ الآيةَ نزلتْ في صفيةَ بنتِ حُيَـيِّ أتتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالتْ إنَّ النساءَ يقُلنَ لي يَا يهوديةُ بنت يهوديـينِ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: هَلاَّ قلتِ إنَّ أبـي هارونَ وعَمِّي مُوسى وزَوْجي محمدٌ عليهمْ السلامُ أوِ الدلالةُ عَلى أنَّ التنابزَ فسقٌ والجمعُ بـينَهُ وبـينَ الإيمانِ قبـيحٌ (وَمَن لَّمْ يَتُبْ) عَمَّا نُهي عَنْهُ (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ) بوضعِ العصيانِ موضعَ الطاعةِ وتعريضِ النفسِ للعذابِ.(ٱلظَّـٰلِمُونَ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ) أيْ كُونوا على جانبٍ منْهُ، وإبهامُ الكثيرِ لإيجابِ الاحتياطِ والتأملِ في كُلِّ ظَنٍ ظُنَّ حَتَّى يعلَم أنَّه من أيِّ قبـيلٍ، فإنَّ منَ الظنِّ ما يجبُ اتباعُه كالظنِّ فيَما لا قاطعَ فيهِ من العملياتِ وحسنِ الظنِّ بالله تعَالَى، ومنْهُ ما يحرمُ كالظنِّ في الإلهياتِ والنبواتِ وحيثُ يخالفُه قاطعٌ وظنِّ السوءِ بالمؤمنينَ، ومنْهُ ما يباحُ كالظنِّ في الأمورِ المعاشيةِ (إِنَّ بَعْضَ الظّنِّ أَثُمَّ) تعليلٌ للأمرِ بالاجتنابِ أوْ لموجبهِ بطريقِ الاستئنافِ التحقيقيِّ والإثمُ الذنبُ الذي يستحقُّ العقوبةَ عليهِ وهمزتُه منقلبةُ منَ الواوِ كأنَّه يثمُ الأعمالَ أي يكسرها. (وَلاَ تَجَسَّسُواْ) أي ولا تبحثوا عن عورات المسلمين، تفعّل من الجسِّ لما فيهِ منْ مَعْنى الطلبِ كما أن التلمسَ بمَعنى التطلبِ لما في اللمسِ من الطلبِ وقد جاءَ بمعنى الطلبِ في قولِه تعالَى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاء) وقُرِىءَ بالحاءِ من الحَسِّ الذي هُوَ أثرُ الجَسِّ وغايتُه ولتقاربهمِا يقالُ للمشاعرِ الحواسُّ بالحاء والجيم وفي الحديث: (لا تتبعُوا عوراتِ المسلمينَ فإنَّ منْ تتبعَ عوراتِ المسلمينَ تتبعَ الله عورتَهُ حَتَّى يفضَحهُ ولو في جوفِ بـيتِه) (وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً) أي لا يذكرْ بعضُكم بعضاً بالسوءِ في غِيبتِه (وسُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الغِيْبَةِ فقالَ أنْ تذكَر أخاكَ بما يكَرهُ فإنْ كانَ فيهِ فقدِ اغتبتَهُ وإنْ لمْ يكُنْ فيهِ فقدْ بهّتهُ) وعنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عَنْهما الغِيبةُ إدامُ كلابِ الناسِ (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) تمثيلٌ وتصويرٌ لما يصدرُ عنِ المغتابِ منْ حيثُ صدورُهُ عنْهُ ومنْ حيثُ تعلقُه بصاحبِه عَلى أفحشِ وجهٍ وأشنعِه طبعاً وعقلاً وشرعاً معَ مبالغاتٍ من فُنونٍ شَتَّى الاستفهامُ التقريري وإسنادُ الفعلِ إلى أحدٍ إيذاناً بأنَّ أحداً من الأحدينَ لا يفعلُ ذلكَ وتعليقُ المحبةِ بَما هُوَ في غايةِ الكراهةِ وتمثيلُ الاغتيابِ بأكلِ لحمِ الإنسانِ وجعلُ المأكولِ أخاً للآكلِ وميتاً وإخراجُ تماثِلها مُخرجَ أمرٍ بـينٍ غنيَ عنِ الإخبارِ بهِ وقُرىءَ ميتاً بالتشديدِ وانتصابُه عَلى الحاليةِ من اللحمِ وقيلَ من الأخِ والفاءُ في قولِه تعالَى: (فَكَرِهْتُمُوهُ) لترتيبِ ما بعدَهَا عَلى ما قبلَها من التمثيلِ كأنَّه قيلَ وحيثُ كانَ الأمرُ كما ذكرَ فقد كرهتمُوه وقُرىءَ كُرِّهتمُوه أي جُبلتُمْ عَلى كراهتِهِ (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) بتركِ ما أمرتمْ باجتنابهِ والندمِ عَلى مَا صَدرَ عنكُم من قبلُ (إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) مبالغٌ في قبولِ التوبةِ وإفاضةِ الرحمةِ حيثُ يجعلُ التائبَ كمنْ لَمْ يذنبْ ولا يخصُّ ذلكَ بتائبٍ دونَ تائبٍ بَلْ يعمُّ الجميعَ وإنْ كثرتْ ذنوبُهم. (رُوي أنَّ رجلينِ منَ الصحابةِ رضيَ الله عنُهم بعثَا سلمانَ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يبغِي لهما إدَاماً وكانَ أسامةُ على طعامِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ فقالَ ما عندِي شيءٌ فاخبرهما سلمانُ فقالاَ: لو بعثنا سلمانَ إلى بئرٍ سميحةٍ لغارَ ماؤُها فلمَّا رَاحا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لهُما مَا لي أَرَى خُضرةَ اللحمِ في أفواهِكُمَا فقالاَ ما تناولنَا لحماً فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إنكُما قدِ اغتبتُمَا فنزلتْ) (رَّحِيمٌ يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ) من آدمَ وحواءَ أوْ خلقنَا كُلَّ واحدٍ منكُم من أبٍ وأمٍ الكُلُّ سواءٌ في ذلكَ فلا وَجْهَ للتفاخرِ بالنسبِ وقَدْ جُوِّزَ أنْ يكونَ تأكيداً للنَّهي السابقِ بتقريرِ الأخوةِ المانعةِ منَ الاغتيابِ (وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ) الشَّعبُ الجمعُ العظيمُ المنتسبونَ إلى أصلٍ واحدٍ وهو يجمعُ القبائلَ، والقبـيلةُ تجمعُ العمائرَ، والعَمارةُ تجمعُ البطونَ والبطنُ يجمعُ الأفخاذَ والفَخِذُ يجمعُ الفصائلَ فخُزَيمةُ شعبٌ وكنانةُ قبـيلةٌ وقريشٌ عمارةٌ وقُصَي بطنٌ وهاشمٌ فخذٌ والعباسُ فصيلةٌ وقيلَ الشعوبُ بطونُ العجمِ والقبائلُ بطونُ العربِ (لِتَعَـٰرَفُواْ) ليعرفُ بعضُكم بعضاً بحسب الأنسابِ فلاً يعتزَى أحدٌ إلى غيرِ آبائِه، لا لتتفاخرُوا بالآباءِ والقبائلِ وتَدَّعُوا التفاوتَ والتفاضلَ في الأنسابِ وقُرِىءَ تتعارفُوا عَلى الأصلِ ولَتّعارفُوا بالإدغامِ ولتعرِفُوا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ) تعليلٌ للنَّهِي عنِ التفاخر بالأنسابِ المستفادِ من الكلامِ بطريقِ الاستئنافِ التحقيقيِّ كأنَّه قيلَ إنَّ الأكرمَ عندَهُ تعالَى هُو الأتقَى فإنْ فاخرتُم ففاخِروا بالتَّقوى وقُرِىءَ بأَنَّ المفتوحةِ عَلى حذفِ لامِ التعليلِ كأنَّه قيلَ لَم لا نتفاخرُ بالأنسابِ فقيلَ لأَنَّ أكرمَكُم عندَ الله أتقاكُم لا أنسبُكم فإنَّ مدارَ كمالِ النفوسِ وتفاوتِ الأشخاسِ هُو التَّقوى فمَنْ رامَ نيلَ الدرجاتِ العُلاَ فعليهِ التَّقوى قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «مَنْ سَرَّهُ أنْ يكونَ أكرمَ النَّاسِ فليتقِ الله» وقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ «يَا أيُّها الناسُ إنمَّا الناسُ رجلانِ مؤمنٌ تقيٌ كريمٌ عَلى الله تعَالَى وفاجرٌ شقيٌّ هينٌ على الله تعَالَى» وعنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما كرمُ الدُّنيا الغِنى وكرمُ الآخرةِ التَّقوى (إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ) بكُم وبأعمالِكم (خَبِيرٌ) ببواطنِ أحوالِكم.عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم «منْ قرأَ سورةَ الحجراتِ أعطيَ من الأجرِ بعددِ منْ أطاعَ الله وعَصَاهُ2. منقول | |
|