قطب من أقطاب التصوف والعلم ، وعلم من أعلام الدعوة والجهاد والإصلاح في بلاد شنقيط وإفريقيا.
ولد الشيخ سيدي بن المختار ولد الهيبة ولد أحمدو بن بابك بن انتشايت الإبييري سنة 1190هـ ، 1770م في منطقة القبلة في الجنوب الغربي من موريتانيا ولاية اترارزة ونشأ في وسط علمي وديني شديد الإلتزام تلقى معارفه العلمية الأولى ثم غادر المنطقة في رحلة انتجاع علميه استغرقت 38 سنة قضى منها 13 عاما في دراسة علوم اللغة على يد حرمة بن عبد الجليل (1150هـ ـ 1243م ، 1737هـ ـ 1828) . وأربع سنوات في دراسة الفقه على يد حبيب الله ولد القاضي الإديجبي وعاما في المطالعة في مكتبات تيشيت وستة عشر عاما في دراسة التصوف والتبحر في أسرار الطريقة القادرية على يد العلامة الشيخ سيد المختار الكنتي وابنه الشيخ سيد محمد في أزواد، عاد الشيخ سيديا من نجعته الطويلة إلى منطقة القبلة سنة 1827 بعلم وافر فأسس زاويته الذائعة الصيت في عموم المنطقة وكرس معارفه العلمية ونفوذه السياسي والروحي لإصلاح مجتمعه البدوي ونشر الطريقة القادرية في الغرب الافريقي وأهلته لذلك مكانته العلمية والدينية وبصيرته السياسية وأدبه الجم ونفوذه على أمراء المنطقة ووجهائها في القرن الثالث عشر الهجري .
سافر إلى المغرب 1834م فأحسن ملك المغرب استقباله وأهداه مكتبة ضخمة ثم عاد إلى مجموعة أولاد أبيري حيث تزوج سيدة فاضلة تدعى (محجوبة) أمامه بنت عالي ولد عبدي أنجبت له ابنه الشيخ سيد محمد ، يقول صاحب الوسيط : ((نشأ الشيخ سيدي وأصله من تندغ من أولاد انشايت وإنما سكنوا أولاد ابييري فترابطت بينهم الأرحام وهو العلم الذي رفع على قطره واستغل به أهل دهره وماذا أقول في رجل اتفق على أنه لم يظهر مثله في تلك البلاد اشتغل في شبابه بالعلوم وبرع فيها لازم حرمه بن عبد الجليل مدة طويلة ثم شد رحاله إلى الشيخ سيد المختار الكنتي وبرع في الطريقة ثم رجع إلى أهله حيث اعترفوا بفضله ولم تزل فضائله تبدو حتى أذعنت له الزوايا وحسان وصار مثل الملك بينهم فلا يعقب بحكمه وكان أهلا لذلك كرما وحلما وعلما ولم تزل الدنيا تنهال عليه ويفرقها بين الناس كانت شنقيط تجعله حرما آمنا يضم عنده آلاف الناس يطعمهم ويسقيهم ويقضي جميع مآربهم حتى لقي الله ولا يسأله أحد حاجة إلا اعطاه إياها بالغة ما فضائله أكثر من أن تعد .
ابن الأمين الوسيط (240 ـ 242) .
عاد الشيخ سيدى من نجعته الطويلة إلى مسقط رأسه حيث الوضعية السياسية والاجتماعية، سيئة فعلى المستوى السياسي احتدم الصراع بين إمارتي اترازرة ولبراكنه والاستعمار الفرنسي على التخوم يذكى الخلافات بين الإمارات ويشعل الصراعات الداخلية والإغتيالات السياسية والظلم والنهب الذي تمارسه المجموعات الحسانية المتغلبة .
أخذ الشيخ سيدي في إصلاح هذا الوضع عبر مستويات من الإصلاح السياسي والتعليمي والاجتماعي والفكري فعلى المستوى التعليمي أسس جامعته المعروفة التي تجاوزت الدائرة الضيقة إلى دائرة الشيخ ومردية الجامعة لمختلف الأقوام ونظم الزوايا مستفيدا من تجربته في زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي فوضع الموارد الاقتصادية ووزع المهام المختلفة وحفر الآبار وأصلح الأراضي الزراعية وكفل طلبة العلم واعتني بالمرضى وآوى أصحاب السبيل واهتم بتربية الحيوانات باعتبارها عمود الاقتصاد الريفي التقليدي آنذاك فغصت زاويته بأفواج الطلبة من كل حدب وصوب .
الدور السياسي :
استطاع الشيخ سيديا أن يحول التصور من قضية شخصية بين العبد وربه إلى ظاهرة سياسية ليس في بلاد شنقيط وإنما في افريقية الغربية وأهله ذلك للعب دور سياسي بارز مكنته رسائله المختلفة التي بعثها إلى الأمراء والوجهاء والقبائل والإدارة الاستمعارية وجعلته كما يقول المصطفى بن أعلمطالب أبرز مفكري الاستقراطية الدينية في العصر بدأ دوره السياسي يظهر في المنطقة عندما نهض بمهام قبيلته السياسية حيث توسط في النزاعات بين الإمارات خاصة في إمارة اترارزة التي اشتد فيها النزاع بسبب الأتاوات التي تدفعها مقابل السماح لها بالتجارة ، وتوسط بين النزاعات في لبراكنة وبين اترارزة وآدرار وبين أمراء تكانت بكار ولد اسويد أحمد (ت 1323هـ ـ 1905م) وأمير اترارزة أعمر بن المختار (1251هـ ـ 1800م ـ 1243هـ ـ 1829م) الذي تعهد له بمبلغ من ميزانية الإمارة مساهمة في تسيير زاويته العلمية الشهيرة كما كان له تأثير قوي على ابنه الأمير التروزي الشهير محمد لحبيب بن اعمر بن المختار ، وسانده في صراعه ضد الفرنسين على الضفة ومحاولاتهم لاحتلال بلاد شنقيط ورغم أن الشيخ سيدي توفي قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى موريتانيا .
إلا أن موقفه كان حازما واستطاع ببصيرته النافذة ورؤيته الواعية الفذة استشعار الخطر الاستعماري وسياساته التوسعية فعمل على لم شمل الإمارات البيظائية وتوحيد صفوفها للوقوف في وجه الزحف الفرنسي القادم في هذا الإطار انعقد مؤتمر تندوجة برعايته سنة 1856م وحضر المؤتمر أمراء اترارزة ولبراكنة وآدرار وذلك لتنسيق جهودهم وحل خلافاتهم السياسية الجانبية وعضد ذلك المجهود الداخلي بالتوجه للخارج بطلب العون من سلطان المغرب الذي كتب له رسالة يطلب منه العون بالمال والسلاح ، وعززت رسالته السياسية هذا الدور الذي اطلع به فكانت الأمراء والقبائل متوسطا في القتال بين مختلف القبائل الشنقيطية مثل رسائله في التوسط بين أولاد أبييري وتندغة وبين اركيبات وتجكانت وبين تجكانت وكنت وكانت وسيلة الشيخ سيدي في ذلك هي وسيلة الدعوة بالحسنى والجدال بالتي هي أحسن والاقناع .
الدور الفكري :
سعى الشيخ سيدي إلى إصلاح المجتمع سياسيا وفكريا عبر الدعوة إلى الإمامة وإقامة سلطة سياسية مركزية تقيم الدنيا وتحرس الدين ، ويعكس انتاجه الشعري جانبا من ذلك المشعل الفكري الذي اهتم به وعضده من خلال دوره الإصلاحي الإجتماعي عبر زاويته وتأثيره على الأمراء والوجهاءواشاعته للفتاوى المختلفة التى تناولت مختلف نوازل البادية الشنقيطية ويمكن ملاحظة البعد الاجتماعي الشيخ سيدي والنظرة البعيدة التي يتمتع بها التي سبق بها الكثير من المفكرين الإسلاميين الذين خلفوه من خلال تحفظه على تجربة "إديجب" في تطبيق الشريعة الإسلامية قبل تهيأت الأرض الصالحة لذلك وافرد لذلك الموضع مؤلفة المعروف الميزان القويم على الصراط المستقيم ورأي أن إقامة الحدود بصورة فردية يعرض القبيلة للخطر بسبب انعدام والسائل الكفيلة لتحقيق ذلك الهدف النبيل وطبيعي أن الشيخ سيد كان يسعى إلى ايجاد مناخ أفضل لتوعية الناس وتهيئة الأرض المناسبة لقيام المجتمع الإسلامي أولا ثم بتطبيق الحدود فإن الحدود إنما شرعت لتنظيم المجتمع ولابد من العمل على بناء المجتمع بمختلف ابنيته وهياكله احرازها السلطة المركزية والقاعدة البشرية الراعية والفكرة الايديولوجية المحركة وعلى هذا المنوال سار الشيخ سيدي في مشروعه غير مستعجل ، ولا متناسيا لواقع مجتمعه البدوي ، وظروفه المختلفة في الاجتماعية الإسلامي آنذالك .
لم تحل مكانة الشيخ سيدي ومشروعه الإصلاحي المناقض للمصالح الفرنسية من إقامة علاقة معهم على أساس الندية والإحترام ، وقد وعت الإدارات الاستعمارية الفرنسية مكانة الشيخ سيدي ونفوذه فاحترمته وقدرته ، وتبرز رسائله إلى الإدارة الإستعمارية جانبا من تلك المكانة وذلك الدور ، ويمكن أن نعطي مثالا برسالته لحاكم السينغال افيدرب 1854 ـ 1863 التي دعها فيها إلى الإسلام مستعيدا الأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث بعث إلى هرقل عظيم الروم يدعوه إلى الإسلام ، وتعتبر رسالة الشيخ سيدي مصدرا من مصادر التاريخ الإسلامي وتلقى الضوء على مختلف أطواره وتشكلاته الاجتماعية والسياسية وتقلباته الدينية ، ونأمل أن تتاح لنا فرصة لاتسعراض بعض هذه الرسائل بحول الله .
وفاته :
توفي الشيخ سيدي الكبير سنة 1284هـ ـ 1868
وترك تراثا ضخما من المعارف والفنون أهمها :
ـ بغية الخائض في حكم المتتبع بالحائض .
ـ تحفة الأطفال على لامية الأفعال
ـ خلاص النفس من الحبسرسالة في امتناع تمثل الشيطان بالنبي صلى الله عليه وسلم
ـ جواز بالخبث
ـ رسالة في حكم تعليم النساء .
ـ رسالة في فوائد النكاح
ـ رسالة في خواص البسملة والفاتحة
ـ رسالة في القبض والبسط
ـ رسالة في المال المدفوع للأكابر ولمداراة الظلمة
ـ شذرات الأذكار المصاحبة للأوزار
ـ شرح باب الفرائض من خليل
ـ شرح الصغرى للسنوسي
ـ شرح المقصود والممدود
ـ الكلام المقنع في مسألة الممتنع
ـ مجتمع الطي والنشر في المسائل العشر
ـ مرآة النظرة في وجوه خبايا المختصر
ـ الميزان القويم على الصراط المستقيم
ـ النفحة القيومية في تفسير الجرومية .