لم يتخلف الطلبة عن نداء الواجب منذ اللحظة الأولى لبداية العمل المسلح، و تزايد هذا الدور بتأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين بتاريخ 27 فيفري 1955، و بمبادرة من جمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا، تم توجيه نداء لكل الطلبة يحثهم على الانضمام و المشاركة في تشكيل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين (U.G.E.M.A)إنعقد المؤتمر التأسيسي للإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في باريس في الفترة الممتدة ما بين 8 و 14 جويلية 1955، بحضور شخصيات ثقافية و سياسة و ممثلين عن المنظمات الطلابية بما فيها الإتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين، تناول المؤتمر ثلاثة محاور رئيسية هي:
- جمع شمل الطلبة الجزائريين و توحيد مطالبهم و حقوقهم.
- العمل على إعطاء اللغة العربية مكانتها باعتبارها المحرك الأساسي للثقافة الجزائرية.
-مشاركة الاتحاد في الحياة السياسية للبلاد.
و قد تمت تزكية أحمد طالب الإبراهيمي رئيسا أولا للاتحاد، و أعلن رسميا عن تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، و حددت الأهداف و الوسائل التي يناضل بها ميدانيا، و أقر المؤتمر الهيكلة التنظيمية للاتحاد و شروط الانخراط عن طريق الفروع المحلية، كما خرج هذا المؤتمر بانتخاب اللجنة التنفيذية المكونة من:
-أحمد طالب الإبراهيمي: رئيسا، العياشي ياكر نائبا، مولود بلهوان كاتبا عاما، عبد الرحمن شريط كاتبا مساعدا، محمد منصور أمين المال. و اختيرت مدينة باريس مقرا مركزيا للاتحاد.
النضال السياسي للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين:
دخل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين معترك الحياة السياسية للبلاد موجها نداءاته العديدة إلى الرأي العام الفرنسي منددا بالعمليات الإجرامية ضد الشعب الجزائري.
كما ندد بجرائم العدو المرتكبة في حق الطلبة الذين تحمّلوا المضايقات و المتابعات التي مست العديد من عناصر الاتحاد، منهم الطالب عمارة رشيد الذي ألقي القبض عليه يوم 07 ديسمبر 1955 و استشهد تحت التعذيب الوحشي. لكن رغم كل النداءات والاحتجاجات التي رفعها الاتحاد من أجل إقناع السلطات الاستعمارية بالتراجع عن سياستها القمعية، إلا أنها أصرت على مواصلة نفس الأساليب، مما اضطر اللجنة التنفيذية للاتحاد إلى الدعوة لعقد مؤتمر ثان للنظر في الوضع الخطير.
نتائج المؤتمر الثاني للاتحاد:
عقد “الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين” مؤتمره الثاني في الفترة الممتدة من 24 إلى 28 مارس 1956 بالعاصمة الفرنسية باريس، و كان عدد الحاضرين من الجزائريين 60 مندوبا، و مثّل هؤلاء المندوبون 13 فرعا للاتحاد. إلى جانب الطلبة الجزائريين، حضرت وفود عن المنظمات الطلابية التونسية و المغربية و قد تواصلت أشغال المؤتمر طيلة أربعة أيام و خرجت بتوصيات عبّرت عن الموقف الواضح للاتحاد إزاء القضية الجزائرية و دعمه الكامل للكفاح التحريري.
إضراب 19 ماي 1956 اللامحدود:
أمام تعنت السلطات الاستعمارية وعدم استجابتها لمطالب الاتحاد و تزايد البطش الاستعماري إزاء الطلبة الجزائريين، ازداد التوتر في الوسط الطلابي بالعاصمة خاصة، و ما تبعه من حركة احتجاجية مستمرة، شاركت فيها إلى جانب فرع الاتحاد “جمعية الشبيبة الطلابية المسلمة الجزائرية”، و هي جمعية لتلاميذ الثانويات، و مما زاد الأمر تعقيدا رواج إشاعة اغتيال الطالب فرحات حجاج الذي اختفى بعد اعتقاله، فبلغ التوتر أقصاه، فقررت قيادة فرع العاصمة الاجتماع بحي ” روبارت صو” الجامعي، الواقع بتليملي – وأخذت تفكر في كيفية مواجهة الموقف و بعد أخذ ورد تم الاتفاق على عقد اجتماع عام للطلبة للنظر في الأمر.
انعقد الاجتماع الأول بنادي ” الدكتور سعدان” مقر حزب البيان سابقا، و طرحت في الحين قضية الإضراب الشامل و المفتوح عن كل الدروس، و بفضل تدخلات العناصر المنتمية إلى التنظيم السري للجبهة تقبلت الأغلبية الفكرة، و تبنت ما يترتب عنها من نتائج، و كانت هناك أقلية عارضت الانقطاع عن الدروس بشدة، و قد برر بعضهم رفضه للفكرة بتأكيده أن الواجب المقدس إزاء الثورة و مستقبل الأمة يكمن في التفرغ للعلوم قصد توفير إطارات الغد.
تقرر الاجتماع الثاني في الغد، و في جو زاده حماسا وجود تلاميذ الثانويات، و تم هذه المرة و بالإجماع الإعلان الرسمي عن الإضراب، و صدر بهذه المناسبة نداء 19 ماي 1956 الشهير حيث قرر الطلبة انقطاعهم عن الدراسة و في نفس الوقت الالتحاق جماعيا بالكفاح المسلح.
وقصد تعميم الإضراب في الجامعات الفرنسية، بعث فرع الاتحاد الطلابي في الجزائر وفدا إلى فرنسا و بين الفترة الممتدة ما بين 20 و 23 ماي 1956 ناقش الطلاب الجزائريون بهذا البلد القضية من جميع جوانبها و ماسينجم عنها من تأثيرات سلبية، وأخيرا صوّتت كل الفروع الطلابية التابعة للاتحاد في فرنسا على الإضراب عن الدروس و الامتحانات.
النضال الثوري للطلبة الجزائريين:
يعّد إضراب الطلبة و التحاقهم بجيش التحرير الوطني و بمنظمته السياسية جبهة التحرير الوطني بمثابة الخطوة الأولى التي تلتها خطوات عديدة تدعيما للنضال الثوري، إذ بعد أيام قلائل من إضرابهم عن الدروس و الامتحانات التحق أكثر من 157 طالبا بصفوف جيش التحرير الوطني في الولاية الرابعة.
وهكذا تدعمت الثورة بالعديد من الطاقات الفكرية و العلمية من الطلاب للعمل معها في صفوف جيش التحرير الوطني كمجندين و صانعي قنابل و أطباء و ممرضين إضافة إلى ميادين أخرى كالدعاية و الإعلام لتنوير الرأي العام العالمي و الفرنسي بصفة خاصة، و نقل أخبار الثورة الجزائرية و تطوراتها بواسطة المناشير و المقالات الصحفية المختلفة قصد إسماع صوت الثورة الجزائرية على الصعيد الدولي و التحسيس بالقضية الجزائرية الهادفة إلى تحقيق الاستقلال و استرجاع السيادة الوطنية و يكفينا فخرا أن نذكر بأن الإطارات الأولى لسلك الدبلوماسية الجزائرية في عهد الاستقلال كانت من مشتلة الطلبة الذين لبّوا نداء الثورة و التحقوا بصفوفها.
من هنا نلتمس بأن التحاق الطلبة بالثورة ساعد على إعطاء بعد سياسي و إعلامي للقضية الجزائرية التي كانت تحتاج إلى رجال من ذوي الكفاءات العلمية و الإدارية والتنظيمية لقيادتها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]