منتدى الشريعة والقانون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشريعة والقانون

**وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا**
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء


 

 تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العـام
شوقي نذير
شوقي نذير
المدير العـام


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 919
نقاط : 24925
السٌّمعَة : 7

تاريخ التسجيل : 10/02/2010
الموقع : الجزائر تمنراست
العمل/الترفيه : استاذ جامعي
المزاج : ممتاز
تعاليق : من كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها
ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم
ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس
(فكل ميسر لما خلق له فأعرف أين تضع نفسك ولا تتشتت)


تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم  Empty
مُساهمةموضوع: تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم    تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم  Icon_minitime1الثلاثاء مارس 29 2011, 13:11

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله , والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وبعد :
فقد تصفَّحتُ ما كتبه الأخ الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري - وفقه الله - في موضوع تقنين الشريعة , تلك الفكرة التي ما زالَ النِّداءُ إليها يتكرَّرُ بينَ حينٍ وآخر , وقد ذكرَ - وفقه الله - ما يراه الدُّعاة إلى هذه الفكرة مِن مُبرِّراتٍ وردَّ عليها , وخلُصَ إلى أنَّ هذا العمل لا يجوز , وقد سبَقَهُ إلى القول بعدم جوازه كثيرٌ من العلماء في هذه البلاد وفي غيرها , فجزاه الله خيراً على ما بيَّن ووضَّح .
وهدى الله من استساغ هذه الفكرة إلى الصواب .
وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه .
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
في 19 / 9 / 1426هـ







بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الأخ الشيخ عبد الرحمن بن سعد بن علي الشثري
كاتب العدل بالمدينة المنورة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , وبعد :

فقد اطلعتُ على كتابكم الْمُسمَّى ( تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم ) فوجدته مُفيداً لطالب الحقِّ في موضوعه , حريٌّ بالنشر بين الناس , ليستفيدَ منه الباحثُ عن الحقِّ , ولإقامة الْحُجَّةِ على غيره لعلَّه ينكفُّ عمَّا يدعو إليه من باطلٍ لَمْ يَرْضه علماءُ الشريعة قديماً وحديثاً .
وفقكم الله , وسدَّدَ خطاكم , ونفعَ بكتابكم هذا , وبجميعِ كتاباتكم في الدَّعوةِ إلى الحقِّ وردِّ البدعة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مُحبُّكم أخوكم
عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
الْمُدرِّس بالمسجد الحرام
8 / 8 / 1426هـ





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين , وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمد , وبعد : فقد نظرتُ في هذه الورقاتِ التي كتبها فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري وفقه الله في نظريةِ تقنينِ الشريعة , وعرَّف الموضوعَ , واختلاف مقاصد الداعينَ إليه .
ومما يجبُ اعتقادُهُ واعتمادُهُ أنَّ شرعَ الله تعالى الحكيمِ العليمِ لا يجوزُ لأحدٍ أن يَستدركَ عليه , أو يَزعُمَ تعديلاً فيه , ومعلومٌ أنَّ معنى التقنين أن يجعل له موادَّ لا تُتجاوز , وهذا فيه قصورٌ عظيمٌ , مع ما يُفهم منه من التعديلِ أو الاستدراك , وغير ذلك .
وقد عُلمَ أنَّ نصوصَ الشرع جوامع تجمعُ الأحكامَ الكثيرة التي تتَّسعُ لِما يقعُ من الناس من الحوادث إلى آخر الدنيا , وقد فَاوَتَ اللهُ جلَّ وعلا بينَ فُهومَ الناس , والتقنينُ يحصرُ القضاة وغيرهم في شيء معيَّن , وقد عُلِمَ حكمُ هذا العمل .
نسألُ الله تعالى أن يَمنَّ على المسلمينَ بتحكيمِ شرعهِ , واتباعِ سنةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلَّم .
كتبه
عبدالله بن محمد الغنيمان
تحريراً في 4 / 10 / 1426هـ



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد :
فقد اطلعتُ على هذه الرسالة التي جاءت بعنوان : ( تقنين الشريعة بينَ التحليل والتحريم ) والتي جمعها وكتبها الأخ الفاضل / عبدالرحمن بن سعد الشثري , وقد ألفيتها رسالة مختصرة جامعة لِما ينبغي التنبيه إليه حيال هذه المسألة التي أثارت لَغَطَاً ونقاشاً , وهي مسألة تحويل الأحكام الشرعية إلى مواد مُشابهة للقوانين الغربية في صياغتها وطرائقها , ومن ثمَّ سُمِّيت : تقنين الشريعة , والتي كتبَ عن خطورتها الكثير من العلماء .
وقد أشارَ كاتبُ الرسالة إلى شيء من تاريخ المحاولات لتقنين الشريعة , ثمَّ أعقبَ ذلك ببيان شبهات الْمُجيزين لذلك ومناقشتها , ثمَّ ذكرَ بعض أقوال العلماء والأدلة على المنع من ذلك وعدم جوازه , مُبيِّناً آثار التقنين السيئة على الشريعة ذاتها وعلى القضاة وقضائهم .
ونصيحتنا للأمة أن يتقوا الله في ذلك وأن لا يَبتلوا الأمة بهذا التقليد الغربي خضوعاً لضغوطه وهجومه على شريعتنا وديننا , كما ننصحُ من أُشرب الاعجاب بها ممن ينتسبُ إلى العلم أن لا يتعجَّلوا وأن يتأملوا الأمر وينظروا إلى سلبياته ومفاسده , ودرء المفسدة مُقدَّم على جلب المصلحة إن وُجدت أو توهَّمها مَن يدَّعيها , ونحنُ نخشى على مَن يقولُ بذلك ويُحبِّذه أن يكون ممن فتحَ على الأمة في دخول القوانين الوضعية بسبب ذلك كما وقع في بعض البلدان , والله المستعان .
أسأل الله تعالى أن يُبارك في هذه الرسالة وأن ينفعَ بها , وأن يُجزلَ المثوبة لكاتبها , وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
د . عبدالرحمن الصالح المحمود
18 / 9 / 1426هـ

















بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله وحده , والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده .

أمَّا بعد : فقد اطَّلعتُ على ما كتبه الشيخ عبد الرحمن بن سعد الشثري فيما يتعلَّق بقضيَّة تقنين الشريعة , فوجدته قد أجادَ وأفادَ , وقد بيَّنَ فسادَ الدعوة إلى ذلك بالأدلَّة من الكتاب والسنة , فجزاه الله تعالى خيراً , وبارك فيه .
وكتب
عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد
5 / 9 / 1426












الْمُقدِّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي جعلَ في كلِّ زمانِ فترةٍ من الرُّسلِ , بقايا مِنْ أهلِ العلمِ يَدعُونَ مَنْ ضلَّ إلى الْهُدَى , ويَصبرونَ منهم على الأذى , يُحيونَ بكتابِ اللهِ الْموتى , ويُبصِّرونَ بنورِ الله أهلَ العَمَى , فكَمْ مِنْ قتيلٍ لإبليسَ قد أحيَوه , وكَمْ مِنْ ضالٍّ تائهٍ قد هَدَوْه , فما أحسنَ أثرَهم على الناسِ , وأقبحَ أثرَ الناسِ عليهم , يَنفُونَ عن كتابِ الله تحريفَ الغالين , وانتحالَ الْمُبطِلين , وتأويلَ الجاهلينَ , الذينَ عقدوا ألويةَ البدعِ , وأطلقوا عقالَ الفتنةِ , فهم مُختلفونَ في الكتاب , مُخالفونَ للكتابِ , مُجمِعونَ على مفارقةِ الكتاب , يقولونَ على اللهِ , وفي اللهِ , وفي كتابِ اللهِ بغيرِ علمٍ , يَتكلَّمونَ بالْمتشابِهِ من الكلامِ , ويَخدعونَ جُهَّالَ الناسِ بما يُشبِّهونَ عليهم , فنعوذُ بالله من فِتَنِ الضالين ( ) .
والصلاةُ والسلامُ على عبدِالله ورسولِه القائلِ : ( إنَّ الله لا يَقبضُ العِلمَ انتزاعاً يَنتزِعُه مِنَ العبادِ , ولكنْ يَقبِضُ العِلمَ بقبضِ العلماءِ , حتَّى إذا لَمْ يُبْقِ عَالِمَاً اتَّخَذَ الناسُ رُؤساءَ جُهَّالاً , فَسُئِلُوا فأفتَوْا بغيرِ عِلْمٍ , فَضَلُّوا وأَضَلُّوا ) ( ) , والمَروِيِّ عنه صلى اللهُ عليه وسلمَ قولُه : ( يَرثُ هذا العِلمَ مِنْ كلِّ خَلَفٍ عُدولُه , يَنفُونَ عنه تأويلَ الْجاهلينَ , وانتحالَ الْمُبطلينَ , وتحريفَ الغالين ) ( ) , ورضيَ اللهُ عَنْ صحابَتِه والتابعينَ , ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ : فقد كَثُرَتِ الدعوةُ في الصحفِ إلى تَقنينِ الشريعةِ الإسلاميةِ . ومن بابِ بيانِ الحقِّ ( ) , وبراءةِ الذِّمةِ ، والتعاونِ على البرِّ والتقوى أكتبُ عن حكمِ تَقنينِ الشريعةِ عبرَ الفُصولِ التاليةِ :
الفصلُ الأولُ : الْمُرادُ بالتَّقنينِ ؟ .
الفصلُ الثاني : تاريخُ الدَّعوةِ إلى تَقنينِ الشريعةِ ؟ .
الفصلُ الثالثُ : حُججُ الْمُخالفينَ وجوابُها ؟ .
الفصلُ الرابعُ : الأدِلَّةُ على حُرمَةِ تَقنينِ الشريعةِ ؟ .
وأشكرُ بعدَ شُكرِ اللهِ تعالى مَشايخي الفضلاءَ الذينَ قرأوا هذه الرسالةَ وأبدَوْا ملاحظاتِهم وتَصويباتِهم , فجزاهُمُ الله عني وعنِ الإسلامِ خيراً , وأخصُّ بالشكرِ :
سماحةَ الشيخ صالحَ بنَ محمد اللحيدان ( ) , وسماحةَ الشيخ صالحَ بنَ فوزان الفوزان , ووالدي الكريمَ الشيخَ عبدَالرحمن بنَ عبدِالله العجلانِ , والشيخَ عبدَالله بنَ محمدٍ الغنيمان , والشيخَ عبدَالرحمن بنَ صالحٍ المحمود , والشيخَ عبدَالله بنَ عبدِالرحمن آل سعد - أعتَقَهم اللهُ ووالدِيهم من النارِ - آمين .
وإلى الرسالةِ نفعني الله والمسلمينَ بها .
الفصلُ الأولُ : الْمُراد بالتَّقنينِ :
الْمُرادُ بالتَّقنينِ كما قال سماحةُ الشيخ صالِحُ بنُ فوزان الفوزان وفَّقَه الله : ( وَضْعُ مَوادٍّ تشريعيةٍ يَحكُمُ بها القاضي ولا يتجاوَزُها ) ( ) ؟ .
أوْ بمعنى :
صِياغةُ الأحْكامِ الشرعيةِ في عِباراتٍ إلزاميةٍ , لأجْلِ إلزامِ القضاةِ بالحكمِ بها ؟ .
والظاهرُ أنَّ الدافعَ للداعينَ إلى تَقنينِ الشريعَةِ : هو جَهْلُهُم بما حَوَتْه كتُبُ الفِقْهِ الإسلاميِّ مِن كنوزٍ وذخائرَ لا يستطيعُ فردٌ ولا جماعةٌ أن يحصُروها في موادَّ محدودةٍ , ثُمَّ جهلُهُم بما صدَرَ عمَّن قبلَنا , ومَنْ دعا إلى ذلِكَ من أديبٍ , أو صحفيٍّ , أو مُتطاولٍ بما ليسَ له أهلٌ .
ومَنْ وَقَفَ في وجوهِهم وردَّ قولَهم من علماءِ الشريعةِ الْمُتضلِّعينَ في علومِ القرآنِ والحديثِ , والمعروفينَ بالغيرةِ على شريعةِ اللهِ الخالدةِ .
ولعلَّ الدافِعَ لِمَنْ تأثَّرَ من المحسوبينَ على أهلِ الخيرِ والعلمِ - إن شاءَ اللهُ تعالى - : ما رآهُ بعضُهم مِمَّا صَدَرَ من بعضِ القُضاةِ مِنْ أحكامٍ ظنَّ هؤلاءِ أنها متناقضةٌ ، وهي في الحقيقةِ ليستْ كذلكَ .
ولعلَّه أيضاً : دفاعاً منهم مِمَّا قد يَدْعو إلى اتِّهامِ بعضِ القضاةِ ، أو رميِهِم بالقُصُورِ في تطبيقِ الشريعةِ ، وأنَّ مِنْ أسبابِ ذلك في نظَرِهِم : عدمَ وجودِ كتابٍ على قولٍ واحدٍ يُلْزَمُ القضاةُ بالحكمِ به ، ويُوضَعُ على هيئةِ قوانينَ ... إلخ .

الفصلُ الثاني : تاريخُ الدعوةِ إلى تَقنينِ الشريعةِ :
إنَّ أوَّلَ مَنْ دَعَا إلى التقنينِ هو : الأديبُ : عبدُ الله بنُ الْمُقَفَّعِ , والذي حَكَمَ عليه بعضُ الأئمةِ : بالزَّنْدقةِ ، والكَذِبِ ، والتّهاونِ بأمرِ الدينِ .. ( ) .
حيثُ حاولَ ابنُ المقَفَّعِ إقناعَ أبي جعفرٍ المنصور ( ت 158هـ ) بالتَّقنينِ في بدءِ العهدِ العباسي في رسالة سمَّاها : رسالة الصحابة , واقترحَ على الخليفة بجمع الأحكام الفقهية وإلزام القضاة بالحكم بها .
وكان مما قاله في رسالته : ( فلَوْ رأى أميرُ المؤمنينَ أن يأمرَ بهذه الأقضيةِ والسِّيَرِ المختلِفةِ فتُرفع إليه في كتابٍ ويُرفع معها ما يحتجُّ به كلُّ قومٍ من سُنَّةٍ أو قياسٍ , ثُمَّ نظرَ في ذلك أميرُ المؤمنين وأمضى في كلِّ قضيةٍ رأيه الذي يُلهمه الله , ويعزم عليه عزماً وينهى عن القضاء بخلافه .. ) ( ) .

* ثُمَّ دعا الخليفةُ أبو جعفرٍ المنصور عامَ 148هـ إلى نوعٍ مُقاربٍ للتَّقنينِ , وهو إلزامُ الناسِ بموطأِ الإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ رحمه الله تعالى ( ت 179هـ ) فامْتَنَعَ الإمامُ مالك ( ) .
ثُمَّ أعادَ أبو جعفر المنصور المحاولةَ مرَّةً أخرى عام 163هـ فامتنعَ الإمامُ مالكٌ رحمه الله تعالى ( ) .

* ثُمَّ دعا إليه الخليفةُ المهدي ( ت 169هـ ) فامتنعَ أيضاً الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ رحمه الله تعالى ( ) .

* ثُمَّ دعا إليه الخليفةُ هارونُ الرشيد ( ت 193هـ ) فامتنعَ أيضاً الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ رحمه الله تعالى ( ) ، ولَمْ يُعرَفْ للإمامِ مالكٍ رحمه الله تعالى مُنازِعٌ منَ العلماءِ .
* ثُمَّ خَمَدَتْ هذه الفتنةُ حتَّى أحْيَتْها الدولةُ العثمانيةُ في أواخرِ ملكِها ، فأصدَرَتْ عام 1286هـ : ( مَجلَّة الأحكامِ العدليةِ ) ( ) متضمنةً جملةً من أحكامِ : البيوعِ ، والدعاوى ، والقضاءِ على هيئةِ قوانينَ تَتَلاءمُ كما يدَّعونَ معَ رُوحِ العصرِ ؟! على ما يختارونَه من المذهبِ الحنفيِّ فقط ، وبغَضِّ النظرِ إنْ كان راجحاً أو مرجوحاً ... ثُمَّ ألزَمَتْ المحاكمَ بها عام 1293هـ ، وصارَ هذا التقنينُ في الْمجلَّة المذكورةِ دَرَكَةً أُولَى لِحُلُولِ القانونِ الفرنسيِّ .
* ثُمَّ اتَّجَهَت حكومةُ مصرَ عام 1334هـ إلى وضعِ قانونٍ للزَّواجِ والطلاقِ ، وفي عام 1342هـ أصدروا قانوناً بوضعِ حدٍّ أدنى لسنِّ الزَّواج ...
وهكذا إلى أنْ أصدروا قوانينَ لِمَا يُسَمُّونهُ : الأحوالَ الشخصية ، مُستمَدَّةً مِنَ المذاهِبِ الأربعةِ وغيرِها .
ثمَّ أصدروا في عام 1365هـ قانوناً لتعديلِ بعضِ أحكامِ الوقْفِ .
ثمَّ أصدروا في عام 1371هـ قانوناً بإلغاءِ الوقفِ الأهليِّ كلِّه !؟ .. ثُمَّ تبعَتْها جميعُ الدُّوَلِ العربيةِ ماعدا المملكة .
وما بَيْنَ فترةٍ وأخرى يُصدِرونَ مُذكِّرَاتٍ تفسيريةً وإلغائيةً ، واستبدالَها بآراءٍ أُخرى وهكذا ، حتَّى عَمَّ إدخالُ القوانينِ الغربيةِ في غالبِ أنظمةِ محاكمِ هذه الدولِ .
ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ بالله العليِّ العظيمِ .
* ثُمَّ دعا إلى إقامَةِ التَّقنينِ في الدِّيارِ السعوديةِ بعضُ الناسِ في عهدِ الملكِ عبدِالعزيزِ بنِ عبدِالرحمنِ رحمه الله تعالى ، فأجمعَ العلماءُ رحمهم اللهُ تعالى على رَدِّهَا ( ) .
* ثُمَّ دعا إلى إقامةِ التَّقنينِ هذا العام 1426هـ : قِلَّةٌ مِنْ الْمُنتسبينَ إلى العلمِ ، وبعضُ كَتَبَةِ الجرائدِ ، هدانا الله وإياهم لِمَا اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنِه ، إنه سبحانه يهدي مَن يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ .

الفصلُ الثالثُ : حُججُ الْمُخالفينَ وجوابُها :
لقد ذكرَ الْمُخالفونَ بعضَ الْمُبَرِّراتِ التي يُدَندِنُ بها مَنْ سبَقَهُم بإحداثِ هذه الفتنةِ ؟ ومِنها :
أنه بالتَّقنينِ تَتَحقَّقُ مصالِحٌ ، وتندفعُ مفاسد ؟ .
والجوابُ :
أنه مِنَ المعلومِ أنَّ دينَ الإسلامِ صالِحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ ، ولقد مَرَّتْ عليه عصورُ اتِّساعٍ كاتِّساعِ الدولةِ العباسيةِ في القاراتِ الثلاثِ ، ومعَ ذلكَ تحقَّقتِ العدالةُ بتحكيمِ الشريعةِ ، وانتشرَ اليُسْرُ ، وارتفعَ الْحَرَجُ , ولْمَ يُعرَفْ - عَبْرَ مرِّ التاريخِ عن واحدٍ من الأئمةِ الْمُعْتَبَرِينَ - وجوبُ إلزامِ القُضاةِ في أحكامِهم بمذهَبٍ واحدٍ ، فضلاً عمَّا يدعو إليه هؤلاءِ من تَقنينِ الشّريعةِ بما يُناسِبُ العصرَ الحاضرَ ؟! وعلى هذا ففي كلِّ عَصْرٍ تَقنينٌ جَديدٌ          ( ) .
ومِنْ هذه الْمُبَرِّرَاتِ :
أنه بالتَّقنينِ يَعرِفُ الناسُ والزُوَّارُ مِنْ خارجِ البلدِ المُسلمِ بما سيحكمُ به القضاةُ ؟ .
والجوابُ : بأنَّ القوانينَ الوضعيةَ مدَّونةٌ ، ولَهَا لوائحُ تفسيريةٌ ، وَمَعَ ذلك يَجهَلُها السوادُ الأعظمُ من الناسِ ، وإنما يعرِفُها القليلُ من المتعلِّمينَ ، ولَهذا كَثُرَتْ مكاتبُ الْمُحَاماةِ في الدولِ التي تَحكُمُ بالقوانينِ ، والواقعُ خيرُ شاهدٍ .
وأيضاً : فهؤلاء القِلَّةُ الذينَ يعرِفونَ هذه القوانينَ , هُمْ في الغالبِ مُختلفونَ مع قُضَاتِهِم ، فكلٌّ يُفَسِّرُ هذه القوانينَ على ما يرى ، فكَثُرَتْ عندَهم الاعتراضاتُ على تنفيذِ أحكامِ قُضَاتِهِم ، وأُنشِئَتْ مايُسَمَّى بالمحاكمِ الاستئنافيةِ ، وحتَّى القضاةُ مختلفونَ , فلم يَرْفَعِ اختلافَهم , ولَم ينفَعْهمْ التقنينُ حينئذٍ .
ومِنْ هذه الْمُبَرِّرَاتِ :
أنَّ في التقنينِ دفعاً لحكمِ القاضي بالتَّشَهِّي ؟ .
والجوابُ : إنَّ اتِّهامَ القاضي في حُكمِه لَمْ يَسْلَمْ منه أَحَدٌ حتَّى خيْرُ الخلقِ  , فعن عبدِ الله بن مسعودٍ  قال : ( قَسَمَ النبيُّ  قِسْمَةً كبعضِ ما كانَ يَقسِمُ ، فقال رجلٌ من الأنصارِ : والله إنَّها لَقِسْمَةٌ مَا أُريدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ ، قلتُ : أمَا لأَقُولَنَّ للنبيِّ  ، فأتيتُه وَهُوَ في أصحابِه فَسَارَرْتُهُ ، فَشَقَّ ذلك على النبيِّ  ، وتغيَّرَ وجهُهُ وغَضِبَ ، حتَّى وَدِدَتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أخبَرْتُه ، ثُمَّ قالَ : قَدْ أُوذِيَ موسى بأكثرَ مِنْ ذلكَ فَصَبَرَ ) ( ) .
ثُمَّ إنَّ من شَرْطِ توليةِ القاضي للقضاءِ : العدالةَ باتفاقِ الأئمةِ ( ) , ومِن المعلومِ : أنَّ حكمَ القاضي في الحضانةِ للأمِّ - كما مثَّلَ على ذلكَ أحدُهم - لا يعمُّ جميعَ الأمهاتِ ، وحكمُ القاضي ينفذُ ظاهراً لا باطناً ، وهو عرضةٌ للخطأِ ، دائرٌ بينَ الأجرِ والأجرَيْنِ ( ) .
وفي مثلِ ذلكَ قال عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه قولَتَه الْمشهورةَ : ( تِلْكَ على ما قَضَيْنَا ، وهذه على ما نَقْضِي ) ( ) .
فلا تثريبَ على القاضي في الحكمِ في هذه القضيةِ بكذا ، وعلى مثلِها بكذا مُبيِّناً وَجْهَ عُدولِهِ عن حكمهِ الأولِ .
وأيضاً : فقدْ يتَوَفَّرُ في هذه القضيةِ مِنَ الوجوهِ والدَّلائلِ ما يكونُ حكمُها على خلافِ تلكَ القضيةِ التي يُظَنُّ مُشابَهتُها بها من كلِّ وجهٍ ، ولا يَعرِفُ ذلك إلاَّ مَنْ تذوَّقَ القضاءَ ، وترَوَّى بمعرفةِ ملابساتِ الخصوماتِ .

ومِن هذهِ الْمُبَرِّرَاتِ :
نُدرةُ وجودِ قاض بلَغَ رتبةَ الاجتهادِ ؟ .
والجوابُ : أنَّ الجمهورَ على شرطيةِ توفُّرِ الاجتهادِ فيمَنْ يُولَّى القضاءَ ، وذلك : بأنْ يكونَ عارفاً بالأصولِ التي تُرجَعُ الأحكامُ إليها ، لا أنْ يكونَ عالِماً بحكمِ كلِّ قضيةٍ بعَيْنِها ( ) ، وهكذا يُولَّى الأمثلُ فالأمثلُ ، ولَمْ يذكرِ العلماءُ الإلزامَ بمذهبٍ مُعيَّنٍ لا يجوزُ تعدِّيه ، فكيفَ بما يدعو إليه هؤلاء من قوانين ( وبالضوابطِ الشرعيةِ ؟ ) .
وأيضاً : ففي الإلزامِ بالتقنينِ قضاءٌ على هؤلاءِ الندرةِ من المجتهدينَ لقطعِ طريقِ العلمِ ، والحرمانِ من استقلالِ النَّظَرِ .

ومِن هذهِ الْمُبَرِّراتِ :
أنَّ في الإلزامِ بالعملِ بالتّقنينِ دَفْعاً لتَأثيرِ الْمُغرِضِين ؟ .
والجوابُ : لعلَّه خَفِيَ عليهم أنَّ هذا مِنْ أقوالِ دُعاةِ مَنْ يُسَمَّونَ ( دعاةُ فقهِ التَّيْسيرِ الْمُعاصِرِ ) ( ) .
الفصلُ الرابعُ : الأدِلَّةُ على حُرمةِ تَقنينِ الشَّريعةِ :
1 - قولُه تعالى :                       •      ( ) , والقِسْطُ والعَدْلُ : أنْ يَحكمَ القاضي بما يدينُ اللهَ بهِ مِنَ الحقِّ ، لا بما أُلزِمَ به مِن تَقنينٍ قد يكونُ يرى الحقَّ بخلافِه .
2 - قولُه تعالى :                            •      ( ) .
( يأمرُ اللهُ سبحانَه في هذهِ الآيةِ بطاعَتهِ وطاعَةِ رسولِهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ، لأنَّ في ذلكَ خيرَ الدنيا والآخرةِ ، وعِزَّ الدنيا والآخرةِ ، والنجاةَ مِن عذابِ اللهِ يومَ القيامَةِ , ويأمرُ سبحانَه بطاعةِ أُولي الأمرِ عَطفاً على طاعةِ اللهِ والرسولِ صلى اللهُ عليه وسلمَ مِن غيرِ أن يُعيدَ العامِلَ ، لأنَّ أُولي الأمرِ إنما تجبُ طاعتُهُم فيما هو طاعةٌ للهِ تعالى ولرسولِه صلى اللهُ عليه وسلمَ ، وأمَّا ما كان مَعصيةً للهِ تعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلمَ فلا تجوزُ طاعةُ أحدٍ من الناسِ فيه كائناً مَن كانَ ، لقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ : ( السمعُ والطاعةُ على الْمَرءِ الْمُسلمِ فيما أَحبَّ وكَرِهَ ما لَمْ يُؤمَرْ بمعصيةٍ ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ ) ( ) .
ثُمَّ أمَرَنا اللهُ سبحانه أنْ نَرُدَّ ما تنازعْنا فيه إلى اللهِ والرسولِ ، فقالَ تعالى :           .
والرَّدُّ إلى اللهِ : هو الردُّ إلى كتابهِ الكريمِ ، والرَّدُّ إلى الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلمَ : هو الرَّدُّ إليهِ في حياتهِ عليه الصلاةُ والسلامُ ، وإلى سُنَّتِهِ بعدَ وفاتِه صلى الله عليه وسلَّم , ثُمَّ قالَ سبحانَه :  •     يُرشِدُنا سبحانَه إلى أنَّ رَدَّ مشاكِلِنا كلِّها إلى اللهِ والرسولِ خَيرٌ لنا ، وأحسنُ عاقبةً في العاجِلِ والآجِلِ ... ) ( ) .
وقال الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى : ( فمَنَعَنا سبحانه من الرَّدِّ إلى غيرهِ وغيرِ رسولِه صلى الله عليه وسلَّم ، وهذا يُبطِلُ التَّقليدَ .. ) ( ) .
3 - قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ :                       ( ) .
( أقسمَ اللهُ سبحانه في هذه الآيةِ الكريمةِ : أنَّ العبادَ لا يُؤمنونَ حتى يُحكِّموا الرسولَ صلى الله عليه وسلَّم فيما شجرَ بينهم ، وينقادوا لحكمِه ، راغبينَ مُسلِّمينَ من غيرِ كراهةٍ ولا حَرَجٍ ، وهذا يَعُمُّ مشاكِلَ الدينِ والدنيا ، فهو صلَّى الله عليه وسلَّم الذي يَحكمُ فيها بنفسِهِ في حياته ، وبسُنَّتِه بعدَ وفاتهِ ، ولا إيمانَ لِمَنْ أعرَضَ عن ذلكَ أو لَمْ يرضَ به ) ( ) .

4 - قولُ الله تعالى :           •             •     ( ) , قال الإمامُ ابنُ القيم رحمه الله تعالى : ( فقطعَ سبحانَه وتعالى التخييرَ بعد أمرهِ وأمرِ رسولهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فليسَ لمؤمنٍ أنْ يختارَ شيئاً بعدَ أمرهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، بلْ إذا أمرَ فأمْرُه حَتْمٌ ، وإنما الْخِيَرةُ في قولِ غيره إذا خَفِيَ أمرُه ، وكان ذلكَ الغيرُ من أهلِ العلمِ به وبسُنَّته ، فبهذه الشروطِ يكونُ قولُ غيرهِ سائغَ الاتِّباعِ ، لا واجبَ الاتِّباعِ ، فلا يجبُ على أحدٍ اتِّباعُ قولِ أحدٍ سواه .. ) ( ) .

5 - قولُه صلَّى الله عليهِ وسلَّم : ( القضاةُ ثلاثةٌ ، واحدٌ في الجنةِ ، واثنانِ في النارِ ، فأمَّا الذي في الجنةِ : فَرَجُلٌ عَرَفَ الحقَّ فقضى به ، ورجُلٌ عَرَفَ الحقَّ فجارَ في الحكمِ فَهُوَ في النارِ ، ورجُلٌ قَضى للناسِ على جَهْلٍ فَهُوَ في النَّارِ ) ( ) , وقالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ الله : ( ويجبُ العملُ بمُوجبِ اعتقادِه فيما لَهُ وعليه إجماعاً ) ( ) , وعلى هذا فإنْ عَمِلَ القاضي بالتَّقنينِ وهو يَرَى أنه خِلافُ الحقِّ دَخَلَ في هذا الوعيدِ ، واللهُ تعالى أعلمُ .

6 - إنَّ ما دعا إليه هؤلاءِ هو خلافُ ما عليه هديُ القرونِ الْمُفضَّلةِ ، فلا يُعلَمُ مِن هَدْيِ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم مَعَ مشاركتِهِم في العِلمِ والمشاورةِ مع بعضِهم لبعضٍ : إلزامُ واحدٍ منهم للآخَرِ بقولِه ، بل المعروفُ الْمعهودُ بالنقلِ خلافُه ( ) .
وقد صرَّح بحكايةِ الإجماعِ على ذلك غيرُ واحدٍ : كشيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ في الفتاوى ج27/296-297 ج30/79 ج35/357 ، والإمامِ ابنِ القيمِ في إعلامِ الموقعين ج2/217 .
قالَ الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله تعالى : ( أجمعَ الناسُ على أنه مَن استبانَتْ له سنةُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم لَمْ يكنْ له أنْ يدَعَها لقولِ أحدٍ ) ( ) .
7 - لعلَّه خَفِيَ عليهم : أنَّ التَّقْنينَ مَدْخَلٌ لتَغييرِ الشَّريعةِ بزيادةٍ أو نقصٍ ، وتبديلٍ ، وتعديلٍ ( ) ، فَهُوَ طريقٌ إلى الحكمِ بغيرِ ما أنزلَ الله ؟ .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ : ( ووليُّ الأمرِ : إنْ عرَفَ ما جاءَ به الكتابُ والسنةُ حَكَمَ بين الناسِ به ، وإنْ لَمْ يعرِفْه وأمْكَنَه أنْ يعلمَ ما يقولُ هذا ، وما يقولُ هذا ، حتًّى يعرفَ الحقَّ حكَمَ به ، وإنْ لَمْ يمكنْه لا هذا ولا هذا ترَكَ المسلمينَ على ما هُمْ عليه ، كلٌ يعبُدُ الله على حَسَبِ اجتهادِه ، وليسَ له أنْ يُلْزِمَ أحداً بقبولِ قولِ غيرهِ وإنْ كانَ حاكِماً ، وإذا خرَجَ ولاةُ الأمرِ عن هذا : فقد حكَموا بغيرِ ما أنزلَ اللهُ ، ووقعَ بأسهُم بينَهم .. وهذا مِنْ أعظمِ أسبابِ تغيُّرِ الدُّوَلِ ، كما قَدْ جرَى مثلَ هذا مرَّة بعدَ مرَّة في زمانِنا وغيرِ زمانِنا ، ومَنْ أرادَ اللهُ سعادَته جعلَه يَعتبرُ بما أصابَ غيرَه ، فيسلُكَ مسلَكَ مَنْ أَيَّدَه اللهُ ونصَرَهُ ، ويجتَنِبَ مَسلَكَ مَنْ خَذَلَهُ الله وأهانَه .. ) ( ) .
وقال رحمه اللهُ تعالى : ( ومَنْ أوجبَ تقليدَ إمامٍ بعينهِ استُتِيبَ ، فإنْ تابَ وإلاَّ قُتلَ ، وإنْ قال ينبغي كانَ جاهلاً ضالاً ) ( ) .
8 - قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه اللهُ تعالى في بيانِ حكمِ من اتَّبعَ عالِماً مجتهداً قاصِداً اتِّباعَ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلمَ في تحريمِ حلالٍ أوْ تحليلِ حرامٍ : ( ولَكنْ مَنْ عَلِمَ أنَّ هذا أخطأَ فيما جاءَ به الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلَّم ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ على خَطَئِه ، وعدَلَ عَنْ قولِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلَّم , فهذا له نصيبٌ من هذا الشِّركِ الذي ذمَّه الله ( ) , لاسيَّما إن اتَّبَعَ في ذلكَ هَوَاهُ ونصَرَه باللسانِ واليدِ ، مَعَ عِلْمِهِ بأنه مُخالِفٌ للرسولِ صلى الله عليه وسلَّم ، فهذا شِرْكٌ يَستحِقُّ صاحبُه العقوبةَ عليه ، ولهذا اتفقَ العلماءُ على أنه إذا عرَفَ الحقَّ لا يجوزُ له تقليدُ أحدٍٍ في خلافِه .. ) ( ) .
9 - إذا حكمَ القاضي بالتقنينِِ فهلْ سَيقولُ : إنَّ هذا هو دينُ اللهِ الذي أرسلَ به رسولَه صلى اللهُ عليه وسلَّم , وأنزلَ به كتابَهُ , وشرَعَهُ لعبادِه , ولا دينَ له سواهُ ؟ أو يقول : إنَّ دينَ اللهِ الذي شَرَعَهُ لعبادِه خلافُهُ ؟ أو يقول : لا أدري ؟ ولا بُدَّ للقاضي مِن قولٍ مِن هذه الأقوالِ , ولا سَبيلَ له إلى الأولِ قَطعاً , فإنَّ دينَ اللهِ الذي لا دينَ له سواهُ لا تَسوغُ مُخالفَتُه , وأقَلُّ درجاتِ مُخالِفِه أنْ يكونَ من الآثمينَ , والثاني لا يَدَّعيهِ , فليسَ له مَلجأٌ إلاَّ الثالثَ ؟ فيا لله العَجَب ! كيف تُستباحُ الفروجُ والدماءُ والأموالُ والحقوقُ وتُحلَّل وتُحرَّم بأمرٍ أحسنُ أحوالِه وأفضلِها : لا أدري ؟ .
فإنْ كنتَ لا تَدري فتِلكَ مُصيبةٌ وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ ( ) .

10 - إذا عُمِلَ بمَا دَعَا إليه هؤلاء - لا قدَّرَ اللهُ - فسَيُلزَمُ القضاةُ الْجُدُدُ عندَ التَّعيينِ بالحكمِ بالتَّقنينِ الجديدِ , قالَ الإمامُ ابنُ قدامةَ رحمه الله تعالى : ( ولا يجوزُ أن يُقلَّدَ القضاءُ لواحِدٍ على أنْ يَحكُمَ بمذهبٍ بعينِه ، وهذا مذهبُ الشافعيِّ ، ولا أعلمُ فيه خلافاً .. ) ( ) .

11 - بالنَّظرِ إلى حالِ التَّقنينِ الْمُلْزَمِ به في الدوَلِ : نَجِدُ أنه لَمْ يثبتْ على وَتيرةٍ واحدةٍ ، بلْ مِن تَغييرٍ إلى تَغييرٍ , وتَبديلٍ إلى تبديلٍ ؟ .
ونَتيجةً لهذا ( فالفَرنسيونَ ومَنْ حَذا حذوَهم تركوا للمحاكِمِ حقَّ الاجتهادِ في تفسيرِ النصوصِ وفي تطبيقِها على القواعِدِ العمليةِ وعلى القضايا التي تُعرَضُ عليهِم ) ( ) .
وقالَ العلاَّمةُ محمدُ الأمينِ الشّنقيطي رحمه الله : ( إنَّ التدوينَ المذكورَ سَنَّ به فاعلوه التغييرَ لِمَن يأتي بعدَهم , لأنهم بتدوينِهم ألغَوْا أقوالَ أهلِ العلمِ الْمُخالِفَة لِما دوَّنوا , وذلكَ يدعو لصَرْفِ النّظرِ عن أصولِها ومدارِكِها الشرعيةِ , فالذينَ يأتُونَ بعدَهم يُوشِكُ أنْ يقولوا : هؤلاءِ الذينَ دوَّنوا ترَكوا أقوالاً قالَها مَن هو أعلمُ منهم وأقدمُ زماناً , وسنَفعلُ معهم مثلَ ما فَعَلوا معَ غيرِهم , فسيكونُ ذلكَ طريقاً إلى التغييرِ والتعديلِ , ويُوشِكُ أنْ ينتهيَ ذلكَ إلى التَّبديلِ الكلِّيِّ - نَرجو الله أنْ لا يُقدِّرَ ذلك - والأُمَّتان اللَّتانِ دوَّنَتا بعضَ الأحكامِ الشرعيةِ - أعني الأتراكَ والْمصريينَ - انتهى أمرُهُما إلى التبديلِ الكُلِّي ) ( ) .
( فما دام أنَّ هذه الحقيقةَ الْمُرَّةَ ماثِلةٌ أمامَنا , فكيفَ نلجأُ إليها , وبالتالي نستَثمرُ مساوئَها , فاللهُمَّ إنا نضرَعُ إليك مِنْ أصابعِ التصنُّع )( ) .

12 - أدانَ أحدُ الدَّاعينَ للتقنينِ نفسَهُ عندما قال : ( إنَّ الفتوى تتغيَّرُ بتغيُّرِ الزمانِ والمكانِ ) !!؟ .
فنقولُ : إنَّ التقنينَ يُعتبرُ حَجْرَاً على الأحكامِ الاجتهاديةِ , فيَمنَعُ تغيُّرَ الفتوى بتغيُّرِ الزمانِ , والقاعِدةُ الشرعيةُ : تغيُّرُ الفتوى بتغيُّرِ الأزمنةِ والأحوالِ ( ) .
قالَ سماحةُ الشيخِ محمدُ بنُ إبراهيمَ رحمه الله : ( وحكمُ اللهِ ورسولهِ  لا يختلفُ في ذاتِه باختلافِ الأزمانِ وتطوُّرِ الأحوالِ وتجدُّدِ الحوادثِ ، فإنه مَا مِن قضيةٍ كائنةً ما كانت إلاَّ وحكمُها في كتابِ الله تعالى وسنةِ رسولِه  نصَّاً أو ظاهراً , أو استنباطاً أو غير ذلك ، عَلِمَ ذلك مَنْ عَلِمَهُ ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ , وليسَ معنى ما ذكَرَه العلماءُ مِنْ تغيُّر الفتوى بتغيُّرِ الأحوالِ : ما ظنَّه مَنْ قَلَّ نصيبُهم أو عُدِمَ مِن معرفةِ مداركِ الأحكامِ وعِلَلِها ، حيث ظنُّوا أنَّ معنى ذلك بِحَسَبِ ما يُلائِمُ إرادتَهم .. فيحرِّفونَ لذلك الكَلِمَ عَنْ مَوَاضعِه , وحينئذٍ : معنى تغيُّر الفتوى بتغيُّرِ الأحوالِ والأزمانِ : مُرادُ العلماء منه ما كانَ مُسْتَصْحَبَةٌ فيه الأصولُ الشرعيةُ ، والعِلَلُ الْمَرْعِيَّة ، والمصالِحُ التي جِنسُها مرادٌ للهِ تعالى ورسولِه  ) ( ) .

13 - التَّقنينُ سَبيلٌ لِهَجْرِ الفِقهِ الشَّرعيِّ كلِّه , وعدمِ الرجوعِ إليه إلاَّ للموادِ الْمُقنَّنَةِ إنْ كانتْ من الفقهِ الإسلاميِّ .

14 - التَّقنينُ سببٌ رئيسٌ للقضاءِ على التراثِ الإسلاميِّ قضاءً نهائياً في مجالِ البيانِ لأحكامِ المعاملاتِ اكتفاءً بالتقنينِ .

15 - التقنينُ فيه تَضييقٌ على المسلمينَ بحَملِهم على قولٍ واحدٍ بصفةٍ مستديمةٍ ( ) .
فتبيَّنَ لنا مِمَّا مضى :
أنَّ تقنينَ الشريعةِ والذي يُريدُ به مَنْ دَعَا إليه - مَعَ إحسانِ الظنِّ به - درءَ مَفْسَدَةِ اختلافِ القضاةِ ؟ يَستلزمُ مفاسدَ أعظمَ من ذلك : فهو خُطوةٌ إلى الانتقالِ عن الشريعةِ الإسلاميةِ إلى الأنظِمةِ الوضعيةِ ( ) , ولعلَّ مَنْ دَعَا إليه يجهلُ ذلك , أوْ يَتجاهَلُه .
فدعوةُ الداعينَ للتَّقنينِ - هدانا الله وإيَّاهم - : ممتنعةٌ شرعاً وواقِعاً ، فموقعُ دعوتِهم مِنْ أحكامِ التكليفِ حَسَبَ الدلائلِ والوجوهِ الشرعيةِ أنه : مُحَرَّمٌ شرعاً ، لا يجوزُ الإلزامُ به ، ولا الالتزامُ به .
ودعوتُهُم مولودةٌ غريبةٌ ، ليستْ في أحشاءِ أُمَّتنا الإسلاميةِ ، غَريبةٌ في لغتِها ، غَريبةٌ في سيرِها وأصالةِ منهجِها ، غريبةٌ في دينِها ومعتَقدِها ، فهي أجنبيةٌ عنها ، ومجلوبةٌ إليها ، فغريبٌ جِدَّاً على هؤلاءِ أنْ يحتَضنوها بمجرَّدِ فكرة : اللهُ أعلمُ بدوافعِهم إليها ، هدانا الله وإياهم لِمَا اختُلفَ فيه من الحقِّ بإذنِه ، إنه سبحانه يهدي مَنْ يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ ( ) .
     •      •            •          ( ) , أسألُ اللهَ تعالى لي وللداعينَ للتَّقنينِ ولعمومِ المسلمينَ الهدايةَ والرَّشادَ ، والرجوعَ للعلماءِ الْمُعتبَرِينَ , وعلينا جميعاً أنْ نُولِّي حارَّها مَنْ تولَّى قارَّها , وهذا من سنةِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ  , فعن محمدِ بنِ سيرينَ قالَ : ( قالَ عُمَرُ  لابنِ مسعودٍ : أَلَمْ أُنَبَّـأْ , أو أُنبئتُ أنَّكَ تُفتِي وَلَستَ بأميرٍ , وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قارَّهَا ) ( ) .
ومن الحلولِ لدفعِ هذه النازلةِ :
بذلُ المزيدِ من العنايةِ باخْتيارِ القضاةِ ، وإعدادُهم وتأهيلُهم تَأهيلاً عِلمياً ، وتَدريباً عَمَلياً رفيعاً ، وزيادةُ أعدادِهم مِمَّن تتوفرُ فيهم الشروطُ حسب الاستطاعةِ بغضِّ النظرِ عن تاريخِ تخرُّجِهم من الكلياتِ الشرعية .
ومنها : مُكاتبةُ علماءِ المناطقِ والْمُدنِ والقرى : لترشيحِ مَنْ يرونَه أهلاً لذلكَ مِن كبارِ طُلاَّبهم من مُعلِّمينَ أو موظفين , أو مُتفرِّغينَ .
ومنها : تركيزُ المحاكمِ في الْمُدن ، والاكتفاءُ بطلبةِ عِلمٍ مُرشَّحينَ من علمائِنا يُوكَلُ إليهم مع الوعظِ والإرشادِ والإمامةِ : القضاءُ في حدودٍ معيَّنةٍ في القرى بعدَ تدريبهِم ، ومرجعُهم أقربُ قاضٍ لقريَتِهم .
ومنها : الرفعُ لهيئةِ كبارِ العلماءِ ومجلسِ القضاءِ الأعلى عن القضايا المستجِدَّة الهامَّةِ والتي رُبَّما يَشتَبهُ الحكمُ فيها على بعضِ القضاةِ , فيستعينونَ بما تتوصلُ إليه هيئةُ كبارِ العلماءِ ومجلسِ القضاءِ لا لإلزامِهم به ، ولكنْ ليكونَ عوناً لهم على البحثِ عن الحقِّ .
ومنها : عدمُ السماحِ للصحافَةِ بالتعرُّضِ لِمثلِ هذه القضايا مع طَلبةِ العلمِ ، فضلاً عن الروابضِ والْمُتعالِمينَ .
فعن أبي هريرةَ  قال : قالَ رسولُ اللهِ  : ( سيأتي على الناسِ سَنَواتٌ خدَّاعاتٌ ، يُصدَّقُ فيها الكاذبُ ، ويُكَذَّبُ فيها الصادقُ ، ويُؤتَمَنُ فيها الْخائنُ ، ويُخوَّنُ فيها الأمينُ ، ويَنطقُ فيها الرُّويبضةُ ، قيل : وما الرُّويبضةُ ؟ قال : الرَّجلُ التافهُ في أمرِ العامَّةِ ) رواه الإمامُ أحمدُ ( ) .
إلى غيرِ ذلكَ مِن الحلولِ والتي لا يخفى مثلُها وغيرُها على أصحابِ الفضيلةِ رئيسِ وأعضاءِ مجلسِ القضاءِ الأعلى وكبارِ القضاةِ إن شاء اللهُ .
وقد ذهبَ أكابرُ العلماءِ في عصرِنا هذا إلى حرمةِ ( تَقنينِ الشريعةِ ) ومنهم مِمَّن وقفتُ عليه :
محمدُ الأمين الشنقيطي ، وعبدُ الله بنُ حُمَيد ، وعبدُ العزيزِ بنُ بازٍ ، وعبدُ الرازقِ عفيفي ، وإبراهيمُ بن محمد آل الشيخ ، وعبدُ العزيز بنُ صالح ، ومحمدُ الحركان ، وسليمانُ العبيد - رحمهم الله تعالى - .
وعبدُ الله بنُ عبدِ الرحمنِ الغديَّان ، وصالحُ بنُ محمد اللحيدان ( ) , وعبدُ الله بنُ عبدِ الرحمنِ الجبرين ( ) ، وصالحُ بن فوزان الفَوزان ( ) ، وبكرُ بنُ عبدِ الله أبو زيد ( ) , وعبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ اللهِ العجلان ( ) , وعبدُ الله بنُ محمد الغنيمان ( ) , وعبدُ العزيزِ بنُ عبدِ الله الراجحي ( ) - وفَّقَهم الله تعالى - .
وأختِمُ رسالتي هذه بما رواه يزيدُ بنُ عميرةَ قالَ : ( كانَ معاذُ لا يَجلِسُ مجلساً للذكرِ إلاَّ قال : الله حَكَمٌ قِسْطٌ ، هلَكَ الْمُرتابون ، إنَّ مِنْ ورائكم فِتَناً يَكثرُ فيها المالُ ، ويُفتحُ فيها القرآنُ ، حتَّى يَأخُذَهُ المؤمنُ والمنافقُ ، والرَّجلُ والمرأةُ ، والصغيرُ والكبيرُ ، والعبدُ والْحُرُّ ، فيوشِكُ قائلٌ أنْ يقولَ : ما للناسِ لا يَتَّبعونِي وقدْ قرأتُ القرآنَ ، ما هُمْ بمُتَّبِعيَّ حتَّى أبتدِعَ لَهم غيرَهُ ، فإيَّاكم وما ابتُدِعَ فإنَّ ما ابتُدِعَ ضلالةٌ ، وأُحذِّركم زَيْغَةَ الحكيمِ ، فإنَّ الشيطانَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ على لسانِ الحكيمِ ، وقد يقولُ الْمُنافقُ كلمةَ الحقِّ , قالَ : قلتُ لمعاذ : ما يُدرينِي رحمكَ الله أنَّ الحكيمَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ ، وأنَّ الْمنافقَ قدْ يقولُ كلمةَ الحقِّ , قال : بلى ، اجتنبْ مِِِنْ كلامِ الحكيمِ المشتهِرَاتِ التي يُقالُ لها : ما هذه ، ولا يَثْنِينَّكَ ذلكَ عنه ، فإنه لعلَّه أنْ يُراجعَ ، وتلَّقَ الحقَّ إذا سَمعتَه ، فإنَّ على الحقِّ نوراً ) ( ) .
وقال حذيفةُ بنُ اليمانِ  : ( كانَ الناسُ يسألونَ رسولَ الله  عن الخيرِ ، وكنتُ أسْأَلُه عن الشرِّ مَخافةَ أنْ يُدركَنِي , فقلتُ : يا رسولَ الله : إنا كنَّا في جاهليةٍ وشرٍّ ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ ، فهل بعدَ هذا الخيرِ شرٌّ ؟ قال  : نعَم ! فقلتُ : هل بعدَ ذلك الشرِّ مِن خيرٍ ؟ قال  : نعم , وفيه دَخَنٌ قلتُ : وما دَخَنُه ؟ قال  : قومٌ يسْتَنُّونَ بغيرِ سُنَّتِي ، ويَهْدونَ بغيرِ هديِي ، تَعرِفُ منهم وتُنكِرُ , فقلتُ : هل بعدَ ذلكَ الخيرِ مِنْ شرٍّ ؟ قال  : نعَمْ , قومٌ من جِلْدَتِنا ! ويتكَلَّمونَ بألسِنَتِنا ! قلتُ : يا رسولَ الله : فما ترى إنْ أدرَكني ذلك ؟ قال  : تلزمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهُم ! فقلتُ : فإنْ لَمْ تكنْ لَهم جماعةٌ ولا إمامٌ ؟ قال  : فاعتزِلْ تلكَ الفِرَقَ كُلَّها ، ولَوْ أنْ تعضَّ على أصلِ شجرةٍ ، حتَّى يُدركَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك ) ( ) .

قال شيخُ الإسلامِ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب رحمه الله تعالى : ( قال أبو العاليةَ : تعلَّموا الإسلامَ , فإذا تعلَّمتمُوه فلا ترغَبوا عنه , وعليكم بالصراطِ المستقيم , فإنه الإسلامُ , ولا تنحَرِفوا عن الصراطِ يميناً ولا شمالاً , وعليكم بسنةِ نبيِّكم  , وإيَّاكم وهذه الأهواءَ . انتهى , تأمَّل كلامَ أبي العالية هذا ما أجلَّهُ , واعرف زمانَهُ الذي يُحذِّرُ فيه من الأهواءِ التَّي منِ اتَّبَعَها فقد رَغِبَ عن الإسلامِ , وتفسيرَ الإسلامِ بالسنةِ , وخوفَه على أعلامِ التَّابعينَ وعلمائِهم من الخروجِ عن السنةِ والكتابِ !! يتبينُ لكَ معنى قولِه تعالى :         ( ) , وقوله :    •    •            ( ) .
وقوله تعالى :      •       ( ) .
وأشباهُ هذه الأصولِ الكبارِ التي هي أصلُ الأصولِ , والناسُ عنها في غفلةٍ , وبمعرفَتِه يتبيَّنُ معنى الأحاديثِ في هذا البابِ وأمثالها , وأمَّا الإنسانُ الذي يقرأُها وأشباهَها , وهو آمِنٌ مُطمَئِنٌ أنها لا تنالُه !! ويظنُّها في قومٍ كانوا فبادوا !!               ( ) ) ( ) .
وفَّق الله القائمينَ على القضاءِ للصوابِ والإخلاصِ في الأقوالِ والأعمالِ ، ونفعَ بهم البلادَ والعبادَ ، وأعانَهم على ذكرِه , وشكرِه , وخشيتِه , وحُسنِ عبادته ، ونُصرةِ كتابهِ , وسنةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلَّم , وعبادِه الصالحين ، وهداهم لِمَا اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنِه , إنه سبحانه يهدي مَنْ يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم .
كما أسألُه سبحانه أنْ يهديَ ضالَّ المسلمين , وأنْ يُذهب عنَّا وعنهم البأسَ , وأنْ يصرِفَ عنَّا وعنهم كيدَ الكائدينَ , وأنْ يحفَظَنا بالإسلامِ قائمينَ , وقاعدينَ , وراقدينَ , وأن لا يُشْمِتَ بنا الأعداءَ ولا الحاسدينَ , إنَّ الله لسميعُ الدعاءِ ,                    ( ) .
( الدينُ النصيحةُ , قُلنا : لِمَنْ ، قال صلى الله عليه وسلَّم : للهِ , ولكتابهِ , ولرسولِه , ولأئمةِ المسلمينَ , وعامَّتِهم ) ( ) .
وصلى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه محمدٍ وآلِه وصحبِه وسلم .
كتبه
عبد الرحمن بن سعد الشثري ( ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://acharia.ahladalil.com
المدير العـام
شوقي نذير
شوقي نذير
المدير العـام


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 919
نقاط : 24925
السٌّمعَة : 7

تاريخ التسجيل : 10/02/2010
الموقع : الجزائر تمنراست
العمل/الترفيه : استاذ جامعي
المزاج : ممتاز
تعاليق : من كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها
ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم
ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس
(فكل ميسر لما خلق له فأعرف أين تضع نفسك ولا تتشتت)


تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم  Empty
مُساهمةموضوع: موضوع للنقاش   تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم  Icon_minitime1الثلاثاء مارس 29 2011, 13:24

تقنين الشريعة
أضراره ومفاسده


بقلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن بسام

طبع على نفقة
بعض المحسنين


مطابع دار الثقافة
مكة – الزاهر
1379 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فقد جرى لي مباحثة مع صاحب الفضيلة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف حفظه الله تعالى في شأن الدعايات التي يكاد بها الإسلام وأهله وأن في مقدمة هذه الدعايات المضللة السعي في تعطيل الأحكام الشرعية ليحل محلها القوانين الأوربية التي دان بها كثير من البلاد بسبب تعطيل المسلمين دينهم وإعراضهم عن أم ربهم فسلط عليهم أعداؤهم فغروهم في كل شيء حتى في الأحكام والشرائع وذكر فضيلة الشيخ أن أصحاب هذه القوانين لا يتمكنون من مفاجأتنا بها قبل سابق تمهيد وتوطيد فلا بد إذاً من تمهيد الطريق أمامها بالدعوة إلى قانون يدعى بغير إسمه وتستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية فإذا تم هذا فقد زالت العقبة الكأداء فما بعدها أيسر منها.
حذرنا فضيلته من هذه الدعايات وحثنا على محاربتها بكل وسيلة لأنه من الجهاد في سبيل الله تعالى فلم نلبث أن رأينا كلمة نشرت في جريدة (البلاد) بقلم سمير شما تحمل هذه الدعوة فكتبت رداً عليها في جريدة (الندوة) قياماً بأداء واجب النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فما أن رأى فضيلة الشيخ عبد الملك حفظه الله – الرد حتى أكد إعادة نشره في رسالة خاصة نصحاً للإسلام وغيرة على أحكامه وطلب مني تصحيح ما وقع منه من أخطاء مطبعية يسيرة فقمت بذلك وأضفت إليه زيادات تدعو حاجة التوضيح والبيان إليها ويتسع لها –أيضاً- نطاق الرسالة والله ولي التوفيق.
وهذا هو المقال:
قرأت كلمة الأستاذ (سمير شما) في عدد البلاد (271) الصادر في 20/6/79 هـ حول «تقنين الشريعة» وأنا لا أشك في غيرة الأستاذ على دينه وتمسكه بأهداب شريعته ولكنه تحول إلينا أفكار وآراء من أعداء الداء يحاربون الإسلام بكل وسيلة ولعلهم وجدوا أنجح سلاح للقضاء عليه هي هذه الأسلحة اللينة الملمس البراقة المنظر وهي طريق الأفكار الهادئة والبحوث المستطابة وبهذا يلجون إلى مقصدهم بلا تنفير ولا ضوضاء، فتجد هذه البحوث الجديدة عندنا قلوباً تقبلها وتأخذها عن حسن نية وسلامة طوية وفيها ما فيها من السم الزعاف.
هذه الفكرة
هذه الفكرة التي عرضها الأستاذ ورغب في تنفيذها وهي: «أن يقوم رجال الدين في المملكة بتوحيد الأحكام بمجلة واحدة تأخذ بما يقررونه في صالح المسلمين من أقوى المذاهب حجة ودليلاً من الكتاب والسنة دون التقيد بمذهب» هذه الفكرة التي عرضها الأستاذ من تلك الدعايات المغرضة التي دخلت علينا من أعدائنا ليهدموا بها عنوان نهضتنا وطريق عزنا وهو ديننا المجيد وعقيدتنا المقدسة، وما أصيب إخواننا العرب والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بهذه (القوانين الأرضية) بدل (القوانين السماوية) إلا لأنهم قد ابتلوا باستعمار أعداء الإسلام لبلادهم فلما أحس هؤلاء المستعمرون قرب خروجهم من تلك البلاد التي امتصوا خيراتها واستعبدوا أ÷لها حنقوا عليهم فبغوا لهم الغوائل فخلفوا بعدهم هذه القوانين الاستعمارية منها لتقوم مقام حكمهم الظالم وسيطرتهم المستبدة ونفوذهم الطاغي تركوها أثراً سيئاً وفساداً ظاهراً ليهدموا بها الدين الذي أخضعهم أول مرة فلا يخضعهم كرة أخرى ولما طهر الله هذه (البلاد السعودية) –ولله الحمد- من أقدامهم القذرة بقيت طاهرة نشم منها عطور النبوة وترى فيها شمائل الرسالة بتحكيم السنة المطهرة الكاملة فقلت فيها الجرائم والجنايات بينما غيرها بعج ويضج من القتل والنهب والسلب والفجور والخمور لأن تلك القوانين التي لم تتصف ببركة الشريعة وحكمها لم تكف لقمع الشر وردعه فاضطرب الأمن واختل النظام وتفاقم الشر.
وأنا لا أحمل كلام الأستاذ مالا يحتمل ولا أقوله ما لا يقول ولا ألزمه بما لم يلتزم ولكني أذكره إلى أن هذا هو نتيجة دعوته وثمرة فكرته.
(لماذا لم تنفذ؟)
ونحب –الآن- أن نناقش مقال الأستاذ على ضوء ما أيد به فكرته: فقد ذكر أن هذه الفكرة قديمة لدى حكومتنا وأن أول من فكر فيها المغفور له الملك الراحل وذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولكننا لم نر –والحمد لله- أثراً لهذه الفكرة
فما الذي صرف فكر الملك عبد العزيـز عن تنفيذها، وهو من علمنـاه في همتـه، وعزمه، وفي محبته لكل ما فيه صلاح للإسلام والمسلمين، وإذا كان قد تركهـا هذه الحقبة الطويلة من الزمن - وهو الدائـب على مصالح الأمة - أفلا يكون لنا قدوة به وبأمثاله من سلفنا الصالح، فيما لو كان خيراً لسبقونا إليه، والخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع فيما يتعلق بالشرع والدين، ولو حققنا سبب انصرافه عن
هذه الفكرة لوجدنا أن تفكيره الصائب واستشارته لأهل الغيرة من العلماء العاملين هدياه إلى أن ليس من الخير والصالح إبرازها فماتت في جوف من أذاعها.
(مقدمة ذات حدين)
ثم نقل الأستاذ فصلاً من كتاب لشيخ الجامع الأزهر سابقاً حول سياسة الشريعة فيه شيء من روح الإسلام ونفحته العطرية إلا أنها مقدمة ذات حدين يستعملها المحق المنصف لبيان مرونة الإسلام وسماحته وأنه صالح لكل زمان ومكان ومتكفل بسعادة البشرية في دنياها وأخراها ويستغلها المبطل بدعوى (المرونة) لقيادة الإسلام إلى مهاوي الضلال.
والإسلام شريعة الله العامة ونظامه الخالد أنزله على خلاصة البشر بعد أن تجمعت فيهم العقول السابقة والآراء السالفة أنزله عليهم يتجدد بتجددهم ويتطور بتطورهم لما فيه من عوامل البقاء وعناصر الخلود والله عليم حكيم.
وقد جاء في كلام فضيلة شيخ الجامع الأزهر جملتان يحسن الوقوف عندهما ومناقشتهما.
الأولى قوله: (العادة محكمة في كل ما ليس فيه نص شرعي) فإن أراد بهذا أن العادة أصل من أصول التشريع التي تستمد منها الأحكام فهو غير صحيح لأن الأصول انتهت بانتهاء عهد النبوة، والنبي صلى الله عليه وسلم حين بعت معاذاً إلى اليمن قاضياً وأقره على أصول التشريع: الكتاب والسنة والاجتهاد الذي هو قياس الأشباه بالنظائر لم يرجعه إلى عاداتهم وعمر بن الخطاب حين كتب إلى أبي موسى كتابه المشهور في القضاء: قال له فيه: (ثم الفهم الفهم فيما أدلى إليك مما ورد عليك وليس في كتاب ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك) فقد أمره إذا أعوزه الحكم من الكتاب والسنة أن يقيس ما لم يرد فيه النص على ما ورد فيه ولم يرجعه إلى العادات والتقاليد فليس العرف والعادة مصدرا تشريع وتحكيم وإلا لاستغنى الناس بعاداتهم عن الشرائع ولصار مصدر الأحكام ما هم عليه من التقاليد إن كان هذا مراد فضيلة الشيخ بتلك الجملة فيسعول الناس في أحكامهم على عاداتهم وسيقولون إن هذه النصوص كانت لزمن مضى وأحوال تقدمت ونحن في زمن وحال غيرهما فلا تصلح تشريعاً لنا وإنما يجب أن نستمد أحكامنا وأنظمتنا من بيئتنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه وسيئ المطالبون أن الذي أنزل هذه الشريعة عالم بما سيحدث وما يتجدد فأودع في شرعه ما يسد حاجة كل جديد وقديم وإن أراد فضيلة الشيخ بكلامه أن العادة المطردة والعرف القائم بين الناس دليل ثبوت الحكم الشرعي كأكل الضيف والمدعو من الطعام المقدم لهما ولو بلا إذن صريح من صاحب المنزل وإعطاء القصار أو الخياط ثوبه لغسله أو خياطته بأجرة العادة فهذا وأمثاله تعتبر فيه العادة مبينة لقدر الحق الشرعي، ومثله الرجوع إلى أهل المعرفة في بيان الغبن في

البيع أو العيب في المبيع اللذين أثبت فيهما الشارع الخيار للمشتري وكذلك بيان نفقة الزوجة والقريب التي تختلف باختلاف الزمان والمكان و(الحرز) الذي شرطه الشارع لقطع يد السارق يرجع في بيانه إلى العرف الذي يحدده حسب الأموال والحكام والبلدان وكذلك بيان ما يدخل في مسمى الدار عند إطلاق بيعها وما لا يدخل يرجع فيه إلى العادة الجارية عند الناس وكذلك بيان ما على المؤجر والمستأجر عند استئجار الدار والدآبة وما على المساقي وصاحب الشجر في المساقاة.
كل هذه المسائل وكثير من أمثالها للعرف فيها فضل البيان والتفسير للنصوص فإن كان هذا هو مراد الشيخ فهو صحيح لأنه مطابق للحق والواقع ولذا فإنه يتعين على الحاكم أن يكون عارفاً لعادات بلاد حكمه وعرفها ولغتها واصطلاحها لأن ذلك ينير الطريق أمامه ويبصره مراد النص فإن فهم كثير من النصوص لا يكفي الحاكم في حكمه ما لم يعرف ما عليه الناس من عادات واصطلاحات ليحسن التطبيق والملاءمة بين النصوص والواقع وإلا لاضطرب أمره وفاته شيء كثير من الملابسات التي تعينه على تحري الصواب فهذا مراد مستقيم لتحكيم العادة وإجراء الشروط العرفية كالشروط اللفظية قد جرى في الشرع اعتباره.
ونظن أن هذا هو مراد فضيلة شيخ الجامع الأزهر وأنه قد وضحه في كتابه أكمل توضيح وأتمه وإنما نقل لنا الأستاذ (سمير) هذه الجملة المحتملة فلزم مناقشتها لئلا يظن غير المراد الصحيح منها.
البحث العلمي يقتضي التقصي
الثانية: نقل الأستاذ عن شيخ الجامع الأزهر جملة عن ابن عقيل أسفت للتصرف فيها حيث بترت عن المعنى الذي يخفف مرارتها ويهون بشاعتها وأمانة البحث والعلم تقتضي التقصي والتحري وكلام ابن عقيل الذي نقله ابن القيم في الجزء الرابع من (أعلام الموقعين) ص (309) في أثناء مناظرته مع فقيه هكذا: (قال الآخر لا سياسة إلا ما وافق الشرع، فقال ابن عقيل: السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به الوحي فإن أردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع ف صحيح وإن أدرت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة).
من هذا نفهم أن ابن عقيل أراد أننا إذا لم نجد في (الوحيين) نصًا في الحكم رجعنا إلى الأصول الأخرى للشريعة
وهي التي توافق (ما نطق به الشرع) ، على ما في كلام ابن عقيل من الجراءة والخشونة في التعبيـر لإرادة هذا المعنى، ولكنه في مقام مناظـرة، وعلى ما عرف عنــه
-عفا الله عنه- من ميل إلى كتب أهل الكلام الذين عطلوا النصوص استناداً إلى العقل الذي غلوا فيه فحرقوا لأجله ما كبر على مداركهم من النصوص
ولذا فإن المحقق ابن القيم لم ينقل عن ابن عقيل هذا من باب التقرير والرضا وإنما عقب عليه بقوله: (قلت هذا موضع مزلة أقدم ومضلة أفهام وهو مقام ضنك في معترك صعب فرط فيه طائفة فعلطوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرؤا أهل الفجور والفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد وسدوا على أنفسهم طرقاً صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل وعطلوها مع علمهم وعلم الناس بها أنها أدلة حق ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها
فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء فأحدثوا لهم قوانين سياسية تنتظم بها مصالح العالم فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وأحداث هؤلاء من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاقم لأمر وتعذر استدراكه.
وأفرط فيه طائفة أخرى فشرعت فيه ما يناقض حكم الله ورسوله وكلا الطائفتين أتيت من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض
فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان قلم شرع الله ودينه ورضاه وأمره والله تعالى يم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر بل بين مما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأي الطرق استخرج به الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها) هو من كلامه رحمه الله.
نقلت هذا الفصل القيم من كلام هذا الإمام العلامة ليرى الحق وأنواره في مطاوي كتب أسلافنا فلا يصدنا عنه ويحجب أبصارنا أفكار مظلمة ولتفهم الشريعة الإسلامية بهذه النفس الفسيحة واللفظ البعيد والفراسة الصائبة لا بتلك المواد الجافة الواقفة
فهناك (سياسة شرعية) لا تحيط بها المجلة والقوانين، ولا تستوعبها بطون الكتب؛ وإنما مقرها الفكر الواعي، والنفس المتفقهة، والاجتهاد الصائب، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

(دعاية مدسوسة)
والذي نعتقد أن هذه الدعاية إحدى الدعايات التي يكاد بها الإسلام منذ زمن بعيد وقد جعلت الدركة الأولى لتعطيل أحكام يدننا التي شرعت العبادات وهذبت النفوس وقومت الأخلاق وفرضت الحدود وبينت علاقة العبد بربه وعلاقته مع غيره من الزوج والوالد والولد والأخ والقريب والجار والمسلم والذمي والمعامل وغير ذلك من أحكام وآداب قامت على ميزان القسط والعدل بينما هذه القوانين الوضعية لم تحاول سوى معاملات الأفراد ففشلت ودليل فشلها آثارها السيئة التي تقرأ بعض جرائمها في الصحف والمجلات والنشرات، وليس لها من الرواج إلا أنها تحدرت إلينا من قوم أحكم منا صناعة وأعظم منا اختراعاً فنحب أن نهرول خلفهم بلا بصيرة ولا روية لأن تقدمهم في الصناعة جعلنا نديت لهم بكل شيء حتى في الشرائع والأديان ولو رجع الحق إلى نصابه لعلم أن أكثر قوانين أوربا مقتبس من فقهنا ومنها: (قانون نابليون الأول) وغيره، فشوه وغير وقدم إلينا فصارت بضاعتنا المسلوبة منا المشوهة بعنا أغلى وأنفق من إنتاجنا الذي لا يزال –والحمد لله- جديداً طرياً لم تغيره الآراء المضلة ولا الأهواء الجامحة: ولكنه التقليد الأعمى أوجب لنا الرغبة في استبدال (دستورنا الإلهي) بهذه: (القوانين البشرية) التي عجزت عن تحقيق الأحكام وفشلت في ضبط الأمن والنظام سيكون من آثار سن هذه المجلة عدا الإرهاص والتمهيد لتغيير الأحكام الشرعية مفاسد ومضار منها:
1) لدينا تراث ضخم من الفقه الإسلامي الذي تعب أسلافنا في استنباطه وتدوينه والتوسع فيه بحيث لا يوجد حادثة أو يتجدد أمر إلا ويوجد له من النظائر والمسائل ما يسهل إدراجه معه فكيف نتحجر واسعاً بهذه المجلة الضيقة والقوانين المحدودة.
2) إن الذين سيقومون بتدوين هذه المجلة ووضعها سيأخذون قولاً من أقوال ورأياً من آراء فليت شعري ما الذي حملهم على تقييد الأمة بقول دون الآخر –إذا كانوا يعتقدونه- مع أن القول المهمل يعتمد على مثل ما اعتمد عليه القول المختار من الحجة والبرهان.
3) أحوال الناس مختلفة وعاداتهم متباينة حسب اختلاف زمانهم ومكانهم وبيئتهم ولكن القضاة سيحكمون بمواد هذه المجلة الموحدة فهل راعينا العادات التي غلونا سابقاً في أمرها حتى جعلناها مصدراً من مصادر التشريع.
4) يتولى أحكام المسلمين حكام أحرار مهما قيدوا، فإنها لا تطمئن أنفسهم بإصدار الحكم حتى يبحثوا عن الحق والصواب، وستقيدهم هذه المجلــة، وستغلق أمامهم نوافذ النور؛ حيث
إن النور لا يعدوها حسب حال واضعيها الذين جعلوا من القضاة آلة صماء يدبرها هذا الاختراع الجديد.
5) ستقصر نظر الحاكم وتحد من علمه لأنه لن يجني من بحثه ثمراً ولن ينتفع بما علم إذا فليقصر عناه وليرح فكره ولتكن النتيجة ما تكون.
6) إن في وضعها وتقييد العمل بما فيها حد للحريات وهضم للحقوق وازدراء للآراء والأفكار وإلا فما معنى أن يكون ما فيها هو الصواب المعمول به وما عداها يلغي ويترك ما دام أن الذين قالوا به لا يقلون عن هؤلاء الواضعين علماً وفهماً واستدلالاً، وكيف نعيب التقيد بمذهب واحد من المذاهب الأربعة وغيرها مع أنه فتاوى إمام أجمعت الأمة على دينه وورعه وعلمه وإمامته وتابعه عليه سلسلة ذهبية من فطاحل العلماء وكبار الفقهاء ثم لا نعيب أنفسنا بوضع كتاب وضعه رجال ليس لهم ما لأولئك من المزايا فنحكمه في دمائنا وأموالنا وننسى ما عداه من كتاب ربنا وسنة نبينا وآراء سلفنا.
7) أن الحاكم بهذه المجلة قد أخل بأعظم شرط يشترط في القاضي وهو الاجتهاد وطلب الحق من مظانه فقد اشترط العلماء في القاضي أن يكون مجتهداً مطلقاً متحرياً للصواب من منابعه الأولى: الكتاب والسنة والقياس الصحيح وإجماع الأمة فلما تعسر عليهم هذا النوع من القضاة –حيث نكب المسلمون في دينهم وعلمهم من هجمات أعدائهم من التتر والصليبين وغيرهم- لما تعسر عليهم الاجتهاد المطلق قنعوا بأن يكون القاضي مجتهداً ولو في مذهب إمامه الذي يقلده وذلك أضعف أداة فينظر في أصول إمامه وفتاويه ومتقدم أقواله ومتأخرها وأدلته ومآخذها وينظر في كلام كبار أصحابه، أما المقلد المتقيد فلم يره العلماء أهلاً للقضاء والفتيا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى وبقوله أو وجه من غير نظر في الترجيح ويجب العمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعاً) وقال أيضاً: (ولا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقاً وقبله لا يجوز على المشهور).
قال ابن القيم: (لا يجوز للمقلد أن يفتي في دين الله تعالى بما هو مقلد وليس على بصيرة فيه سوى أنه قول منق لده دينه هذا إجماع من السلف كلهم وصرح به الإمام أحمد والشافعي رضي الله عنهما وغيرهما وقطع أبو عبد الله الحليمي والقاضي أبو المحاسن وغيرهما بأنه لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه) وكلام السلف في ذم التقليد كثير.
وإذا كان الاجتهاد مشروطاً في الحاكم والتقليد مذموم له وأقل ما يطلب منه أن يكون مجتهداً في مذهب أمامه فالحاكم بهذه المجلة أحط حالاً منه لأنه لن يجتهد بقضية فهو مقصور عليها حيث قد انقطع بها الاجتهاد كما انقطعت الرسالة «بمحمد صلى الله عليه وسلم».
Cool إن هذا تحول وتقهقر بالقضاء والأحكام جاء عن قصد أو عن حسن نية وإلا فإصلاح القضاء لا يكون بتكييل القضاة وتقييدهم وإنما يكون بفتح أبواب الاجتهاد والبحث والتجديد في ابتكار المعاني من النصوص الشرعية ليصلوا –دائمًا- بين دينهم وما تجدد من الحوادث والطوارئ فيظل هذا الدين كما أراده الله الدستور الخالد والنظام الباقي: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
9) إن التزام الحكم والفتيا بهذه المواد من المجلة هو تحتيم بالتمذهب بها وهي آراء واجتهاد لعلماء قال غيرهم بخلافها حيث إن نسبة المجمع عليه فيها قليل ولا يجب اتباع أحد مهما كان مقامه غير المشرع صلى الله عليه وسلم.
10) إن الحاكم الحر عن القيود الطليق عن الحدود الذي فقه الشرع فقهاً علمياً ونفسياً وقذف اله في قلبه النور وأشعر قلبه الإخلاص والمراقبة وألزم نفسه التحقيق والتدقيق سيؤتيه الله نوراً وفهماً وفراسةً في الأحكام لا تجدها المجلات ولا تحيط بها المواد والقوانين وإنما هو النظر الثاقب والبصيرة النافذة والإلهام الإلهي وهذا شيء لا يوجد في الكتب وإنما يستمد بمراقبة الحاكم الأعلى وقرب القلب من العليم الحكيم ومن قيد نفسه بهذه المجلة الصماء فأنى له هذا.
11) إن الحق معرفة الهدى بدليله فأين مواده هذه المجلة الجافة الجامدة من هذا التراث الدسم لسلفنا الذين قرنوا أحكامه بالأدلة فجعلوا العامل بها يرى الحق تواكبه الأنوار فنحل فيها البركة ويتحقق فيها الصلاح والإصلاح.
وبعد: فإننا نعتقد أن كثيراً من هؤلاء المنادين بهذه الفكرة وأمثالها لم يقصدوا لدينهم وأمتهم إلا الخير ولكنهم مخدوعون من دعايات وتأثيرات لم يستطيعوا التحرر منها والانفلات من ربقتها ولذا فإننا ندعوهم إلى التفكير الصحيح والبحث الطويل والتمهل ببث هذه السموم التي يتلقونها من قوم يعتقدون فيهم النصح ثم يذيعونها فينا بدعوى التجديد والتطوير مع أنه ليس كل جديد صالحاً ولا كل تطور محموداً.
ونحن نذكرهم بأننا في وضع من أعمالنا وأحكامنا تغبط عليه؛ فنحن في شرع ظاهر، وشر مدحور، وحسن معتقد، وأمن شامل، ورخاء، وصحة، وتقدم مطرد، وسائرون –بعون الله تعالى- بخطا ثابتة، واتزان إلى أكمــل مما نحن فيه، وكل تحوير وتغييــر من هذا النوع فهو –لا سمح الله- عقبة في طريقنا، ونكسة في اتجاهنــا، فليحــذر الذيـن تشبعــوا بآراء الغربييـــن والمستغربيـــن أن

يحاولوا تطبيقها علينا بحذافيرها فكما أن في بعضها الخير فإن في الكثير منها الشر المستطير ونخشى أن يصيبنا ما أصاب غيرنا.
وليعلموا أن لنا في هذه البلاد المقدسة وضعاً غير وضع غيرنا وحالاً غير حالهم وعلينا رسالة ليست عليهم فنحن قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فإنهم ينظرون إلينا في مجال الدين والتشريع نظرة القائد والمرشد فمن هنا شع نور الشريعة ومن هنا سن الدستور المساوي ومن هنا خرج آباؤنا يحملون إلى الناس رسالة الحق والعدل والمساواة والحرية وفي هذه الرحاب كسرت الطواغيت المضلة وألغيت القوانين الجائرة فلنحافظ على زمام الدين ولنذب عنه ولننصره ما بقينا في منبعه الأصيل هداة مهتدين.
هذا ونسأل الله تعالى أن يعيد إلى الإسلام عزه وإلى المسلمين مجدهم وأن يوفقهم إلى التمسك بدينهم وتطبيق أحكامه العادلة المقسطة ليسودوا كما ساد آباؤهم من قبل فقد أنزله الله تعالى حكمه ورحمة وسعادة للبشر في دنياهم وأخراهم.
انتهت هذه الرسالة في غرة رجب من عام 1379 هـ في مكة المكرمة بقلم عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://acharia.ahladalil.com
 
تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التحليل النفسي لخط اليد
»  برنامج مادة "قضايا في تقنين الفقه الإسلامي" في الجامعة الإسلامية بماليزيا
» اقراء القران في مندى الشريعة والقانون
» الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية أبعادها وضوابطها
» الندوة الدولية: الاجتهاد والتجديد في الشريعة الإسلامية والتحديات المعاصرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشريعة والقانون  :: الفضاء الشرعي :: رواق الثقافة الإسلامية-
انتقل الى: