بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
سلطان الجزائر على امتداد قطرها ، القطب و العالم الرباني -نفعنا الله به -
أبو زيد عبد الرحمان، بن محمد،بن مخلوف، بن طلحة، ابن عامر ابن نوفل ، بن عامر، بن موصور بن محمد، بن سباع، بن مكي ابن ثعلبة بن موسى، بن سعيد بن مفضل، بن عبد البر، ابن فيسي، ابن هلال، ابن عامر، بن حسان، بن محمد بن جعفر، بن أبى طالب ، فهو جعفري النسب.
ب ـ مولده ونشأته :
ولد الثعالبي في سنة 785هـ الموافق لـ : 1384 م بواد يسر على بعد 86 كلم بالجنوب الشرقي من عاصمة الجزائر. ونشأ هناك بين أحضان أبويه، نشــأة علم وصلاح وأخلاق مرضية، وقد تلقى مبادئ قراءته وتعلمه بالجزائر العاصمـــة وضواحيها، وقد كان حاضرا يوم غزى الاسبان " تـدلس " في دولة بنى عبد الـواد ، واخوتهم من بنى مرين، وكان عمره 15 سنة .
ج ـ رحلته لطلب العلم :
نزح الثعالبي من مسقط رأسه صحبة والده محمد بن مخلوف في أواخر القرن الثامن الهجري وأواخر القرن الرابع عشر الميلادي طالبا المزيد من العلوم والعـرفان باحث عن مكانها في مناكب الأرض وقصد المغرب الأقصى حـيث اجتمع ببعض علمائها الفطاحل وأخذ عنهم ما تيسر أخذه وقد سمع ورأى هناك عن عالم الدنيا، محمد بن احمد بن محمد ابن مرزوق العجيسي التلمساني المعروف بالحفيد وكان الثعالبـي إذ ذاك يناهز البلوغ ثم يمم شطر بجاية فدخلها صحبة والده أيضا سنة 802 هـ الموافق لـ1392م فـمكث بها زهاء سنة ثم توفى والده ودفن هناك، وعلى إثر وفاة والده عاد إلى الجزائر قصد زيارة أقاربه ثم رجع إلى بجاية أيضا، حيث قضى ما يقارب من السبع سنوات تلقى خلالها دروسا شتى في مختلف الفنون عن زمرة من فطاحل العلماء وفي سنة 809 هـ الموافق لـ 1406م انتقل إلى تونس حيث مكث حوالي ثماني سنوات انتفع خلالها بمعظـم علمائها وأجازوه فيما هو أهل أن يجاز فيه، وفي سنة 817 ـ 1414 م توجه إلى مصر حيـث أفاد واستفاد وأجازه بعض علمائها ولم يلبث طويلا هناك بل يمم شطر تركيا، ونزل بـ "بورصة " حيث استقبل استقبالا كريـما، وقد أقيمت له زاوية هناك، وما تزال تـلك الزاويـة وقـفا محبسا على الثعالبي إلى يومنا هذا. ومن هناك توجه صوب الحرميـن الشرفيـن ، حيث أدى فريضة الحج واغتنم الفرصة فأخذ عن بعض علماء الحجاز وأجازه فـي فنون شتى ثم عاد إلى مصر وفي سنة 819 هـ 1414م عاد إدراجه إلى بلده المحبـوب الجزائـر بعدما غاب عنه حوالي عشرين سنـة قـضاها كلها في اكتناز المعـــارف واغتـراف العلوم ، أين كانت وحيث بانت ، وهكذا استقر بمدينة الجزائر، حيث راح يشتغل بعبادة ربه ، وبث العلوم الشريفة بين أبناء ملته خصوصا في الجامع العتيق ( الكبير) الذى ألف فيه كتابه "العلوم الفاخرة في النظر فى أمور الآخرة " و "الجامع الكبير" وغيرهــم من المصنفات، وقد زاول التعليم إلى أن ناداه آجله المحتوم صبيحة يوم الجمعة 23 من شهر رمضان المعظم سنة 875 هـ الموافق لـ : 15 مارس لسنة 1479 م بعد أن قضى تسعين ربيعا، كانت كلها طاعة ومرضاة لله عز وجل ووقفا على مصالح العباد.
نقلت جتثه الكريمة من منزله إلى مكان يقع على ربوة خارج "باب الواد " تعرف آنذاك بجبانة الطلبة ودفن هناك، ومنذ ذلك اليوم أصبح ضريحه مزارا يتبـرك به ولم يـزل الزائـرون يقصدونه ذكور وإنـاثا يوميا وطوال السنة إلى وقت غـير معلوم ، رحم الله الـولى الصالـــح، سيدى عبد الرحمان الثعالبي وقد دفن معه شيخه المسمى أبي جمعة المكناسي رحمهم الله.
رحل رحمة الله مخلفا وراءه مؤلفات ومصنفات له تقريبا مائة كتاب فى علم التألـيف ومن أهم مؤلفاته "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" وله العلوم الفاخرة في النظر في أمـور الآخرة .
وقد دفن معه شيخه المسمى بأبي جمعة ابن الحسين المكناسي رحمهما الله في الضريح المسمى بإسمه، وقد بناه له الأتراك وأعيد ترميمه في كل مناسبة عندما تطول المدة ، يعاد ترميمه وإصلاحه إلى يومنا هذا وهو بصدد الترميم والإصلاح ومن بين المدفونين معه بعض بناته وبعض الأتراك وبعض من الأولياء الصالحين
كتبه :
لقد اهتم سيدي عبد الرحمن الثعالبي بالتدوين والتأليف لخدمة الشريعة الإسلامية المطهرة وله في ذلك الباع الطويل. فلقد ترك ما يزيد على التسعين مؤلفا بين رسائل وشروح وحواشي وتعاليق وكتـب مستقلة في الوعظ والرقائق والتذكير والتفسير والفقه والحديث واللغة والتراجم التاريخ وغيرها، منها كتاب "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" في أربعة أجزاء و "معجم لغوي "
في الشرح مع كتاب "الرؤى" له أيضا "روضة الأنوار" و "نزهة الأخيار" في الفقه و الكتاب "جامع الهمم في أخبار الأمم" في سفرين ضخمين و "جامع الأمهات في أحكام العبادات " والإرشاد في مصالح العباد" و" رياض الصالحين " و" إرشاد الساءل " وكتاب جامع الخيرات " والتـقاط الدرر" وكتـاب "نور الأنوار ومصابيح الظلام" وكتابه "الأنوار المضيئة بين الشريعة والحقيقة" و "تحفة الإخوان في إعراب بعض الآيات من القرآن" و "الذهب الأبربر في غرائب القرآن العزيز" و كتاب "العلوم الفاخرة في أحوال الآخرة" و أغلبها بأرض السودان.
وكانت كتبه عبارة عن خزانة علم عظيمة لا يقدر قدرها فكان الكتاب قبل أن ينتهي النساخ من نسخه ينتظرونه لشرائه والانتفاع به وما هذا إلا سر إلاهي لم يتسنى لمن سبقه كالغزالي وغيره من أئمة الهدى
تولى سيدي عبد الرحمن الثعالبي القضاء بالجزائر ومشيختها ولكنه تخلى عنهما ورفضهما وفضل القيام بالتعليم، فالقضاء والمشيخة رأى أنه موجود من يقوم بهما وبقي في وسعه أن يصلح بين الناس ويرشدهم لما فيه الخير والفلاح ولهذا أصبح الثعالبي يتمتع باحترام تام لدى الخاص والعام وخاصة وجهاؤهم، وقد دفع هذا الاحترام والتبجيل إلى بناء مسجد قرب منزله وأسموه باسمه "مسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي" وبعد موته دفن بالمكان الذي كان يعلم فيه الطلبة وكان يمسى آنذاك بـ :"جنان الطلبة" قرب بيته.
نظرا للمكانة الخاصة التي يتمتع بها الثعالبي لدى كل الجزائريين دفعتهم إلى أن يبنوا حول ضريحه المبارك مقاما يكون لهم بمثابة تعبير صادق عن شعورهم الخاص ولباسهم الروحي نحو طاعة شيخهم الموقر حيا وميتا كان الضريح في السنين الأولى ـ يتوسط المقام ـ وبعد تجديد بنيان المقام على عهد الأتراك زيد في مساحته في ناحية الشرق، فأصبح الضريح جانبا كما و الآن، نجده عن اليمين عند دخولنا المقام.
تظم القاعة ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي المغطى بتابوت خشبي وعند قدميه يوجد قبر سيدي أبي جمعة بن الحسين المكناسي، وعند شمال المحراب يوجد قبر السيدة روزة بنت محمد الخزناجي زوجة يحي آغا وعند منتهى الشمال الشرقي يوجد الشيخ علي بن الحفاف، وقبور أخرى منها قبر لحسن باشا، وقبر لمصطفى باشا، وقبر لعمر باشا وقبر للحاج أحمد داي
وصفه عام لمحيط الثعالبي :
تولى سيدي عبد الرحمن الثعالبي القضاء بالجزائر ومشيختها ولكنه تخلى عنهما ورفضهما وفضل القيام بالتعليم، فالقضاء والمشيخة رأى أنه موجود من يقوم بهما وبقي في وسعه أن يصلح بين الناس ويرشدهم لما فيه الخير والفلاح(1) ولهذا أصبح الثعالبي يتمتع باحترام تام لدى الخاص والعام وخاصة وجهاؤهم، وقد دفع هذا الاحترام والتبجيل إلى بناء مسجد قرب منزله وأسموه باسمه "مسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي" وبعد موته دفن بالمكان الذي كان يعلم فيه الطلبة وكان يمسى آنذاك بـ :"جنان الطلبة" قرب بيته.
نظرا للمكانة الخاصة التي يتمتع بها الثعالبي لدى كل الجزائريين دفعتهم إلى أن يبنوا حول ضريحه المبارك مقاما يكون لهم بمثابة تعبير صادق عن شعورهم الخاص ولباسهم الروحي نحو طاعة شيخهم الموقر حيا وميتا(2) كان الضريح في السنين الأولى ـ يتوسط المقام ـ وبعد تجديد بنيان المقام على عهد الأتراك زيد في مساحته في ناحية الشرق، فأصبح الضريح جانبا كما و الآن، نجده عن اليمين عند دخولنا المقام.
تظم القاعة ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي المغطى بتابوت خشبي وعند قدميه يوجد قبر سيدي أبي جمعة بن الحسين المكناسي، وعند شمال المحراب يوجد قبر السيدة روزة بنت محمد الخزناجي زوجة يحي آغا وعند منتهى الشمال الشرقي يوجد الشيخ علي بن الحفاف، وقبور أخرى منها قبر لحسن باشا، وقبر لمصطفى باشا، وقبر لعمر باشا وقبر للحاج أحمد داي.
الحياة السياسية لعصر الثعالبي :
سقطت الدولة المؤمنية في القرن السابع للهجرة فبدأ الانحطاط وكثر الملوك واشتد الصراع على السلطة، وسادت الفوضى، كما شهد المغرب الإسلامي في هذا القرن انقساما سياسيا جديد إلى ثلاث دول مستقلة، سببها انهيار دولة الموحدين، وبهذا يكون القرن الثامن للهجرة عصر صادت فيه الفتن والحروب بين القبائل والولاة، خاصة بين الحفصيين، الزيانيين والمرنيين الذين كانوا يتنافسون حول السلطة، وفي هذه الظروف ولد عبد الرحمن الثعالبي.
نتيجة لهذا الصراع ضعفت مملكة الموحدين وظهرت على انقاضها دويلات جزأت المغرب فاستقل الحفصيون في تونس "واستقل بنو عبد الواد تحت قيادة" يغمراسن مؤسس هذه الدولة بتلمسان وضواحيها واستولى بنو مرين على فاس
وبهذا اقتسم بنو مرين وبنو عبد الواد بلاد المغرب فاختص بنو مرين بالمغرب الأقصى، في حين استقل بنو عبد الواد بالمغرب الأوسط، وهكذا تم انفصال المغربين عن دولة الموحدين التي استقلت عنهم بقيادة زكريا الحفصي.
وكان قادة هذه الدويلات يهدفون إلى إعادة توحيد المغرب العربي وكل يمني نفسه بوضعه موحدا تحت سلطته.
وفي هذه الأثناء كان للثعالبة دورا كبيرا في الحرب التي خضوها ضد المرنين والحفصيين وبني عبد الواد لهذا بدأت الجزائر العاصمة تتقهقر خاصة بعد قتل زعيمهم "سالم التومي" وتتبع إخوانه وقبيلته فأصبحت الجزائر لا تستطيع فرض نفسها كمدينة مستقلة تحت سلطة الثعالبة، المتمركزة في متيجة.
فالملاحظ أن عبد الرحمن الثعالبي عاش في عصر يسوده الانحطاط الحضاري في مختلف الميادين، لكن كل هذا لم يمنعه بأن يكون علامة كبيرا ونابغة في علم التصوف، بل كان منقذا للدولة الجزائرية خاصة بخطابه الواقعي الذي كان يلقيه أمام الجماهير التي تؤيده(
ـ الحياة الاجتماعية لعصر الثعالبي :
لقد ولد الثعالبي في عصر يموج بالفتن وكل مظاهر التخلف الحضاري بسبب الحروب القبلية الدائرة بين المغرب العربي وخاصة بين الحكام والولاة، هذا ما دفع بالمواطن المغربي للهروب إلى أشياء أخرى كالتصوف وأهل التصوف وإلى التصديق بالكرامات والمعجزات، وتقديس الأولياء سيما من له شرف النسب كأبي مدين التلمساني والشيخ أحمد بن يوسف الملياني واشيخ بعد الرحمن الثعالبي.
ـ الحياة الثقافية لعصر الثعالبي :
كانت الحياة الثقافية في المغرب الإسلامي في الفترة ما بين القرن الثالث عشر والقرن السادس عشر ميلادي تتميز بظهور مدارس في فاس وتلمسان وبجاية وتونس على غرار المدارس التعليمية الدينية، التي عرفها المشرق الإسلامي اتسمت هذه المدارس بالإشراف الرسمي للحكام، وبهذا انتصر الإسلام السني وساد المذهب المالكي واستعملت المدارس الرسمية منهجين متعارضين : هما الاجتهاد والاعتقاد، فبالرغم من إن شاء المدارس لتعليم القوانين الشرعية والعلوم اللغوية، فقد انتشر فيها التصوف أكثر بالرغم من معاداة الفقهاء للمتصوفين، فظهر عدد من المتصوفين في القرن الخامس عشر ميلادي فكان الحكام في الممالك الثلاث يخصون الصوفيين بتقدير خاص.
خاصة بعد انتشار تصوف الغزالي ابتداءا من القرن الثاني عشر ميلادي.
فتأثر الشيخ عبد الرحمن الثعالبي آنذاك كثيرا بالحركة الصوفية التي كانت في أنشط فتراتها. فظهرت بعض المدارس التي أنجبت شعراء ورجال التربية كما عرفت اللغة العربية ازدهارا بعدما كانت تتخبط في طي النسيان فأسس مجمع العلم والبحث والثقافة إذا كان يقصده كل طالب علم ومحو الأمية