روى ابن الجوزي في كتابه المنتظم :
كان في بني إسرائيل عابد فلبث سبعًا لم يطعم هو وعياله شيئًا.
فقالت له امرأته: لو خرجت وطلبت لنا شيئًا.
فخرج فوقف مع العمال فاستؤجر العمال وصرف اللّه عنه الرزق .
فقال: والله لأعملنّ اليوم مع ربي فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعًا وساجدًا حتى إذا أمسى أتى أهله .
فقالت له امرأته: ماذا صنعت ؟؟
فقال: قد عملتَ مع أستاذي وقد وعدني أن يعطيني!!
ثم غدا إلى السوق فوقف مع العمال فاستؤجر العمال وصرف الله عنه الرزق ولم يستأجره أحد .
فقال: والله لأعملن اليوم مع ربي فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعًا وساجدًا حتى إذا أمسى أقبل إلى منزله .
فقالتَ له امرأته: ماذا صنعت ؟؟
قال: إن أستاذي قد وعدني أن يجمع لي أجري فخاصمته امرأته وبرزت عليه فلبث يتقلب ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر وصبيانه يتضوعون جوعًا .
ثم غدا إلى السوق فاستؤجر العمال وصرف عنه الرزق ولم يستأجره أحد .
فقال: والله لأعملن مع ربي فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعًا وساجدًا..
حتى إذا أمسى قال: أين أمضي تركت أقوامًا يتضوعون جوعًا .
ثم تحمل على جهد منه فلما قرب من داره سمع ضحكًا وسرورًا وسمع رائحة قديد ورائحة شواء فأخذ على بصره وقال: أنائم أنا أم يقظان تركت أقوامًا يتضاغون جوعًا و أشم رائحة قديد ورائحة شواء وأسمع ضحكًا وسرورًا .
دنا من الباب فطرق الباب فخرجت امرأته حاسرة وقد حسرت عن ذراعيها وهي تضحك في وجهه ثم قالت: يا فلان قد جاءنا رسول أستاذك بدنانير ودراهم وكساء ولحم ودقيق وقال: إذا جاء فلان فأقرئوه السلام وقولوا له: إن أستاذك يقول لك:
ـ رأيت عملك فرضيته فإن أنت زدتني في العمل زدتك في الأجرة.
من هذه القصة نأخذ الفوائد التالية:
1-أنّ الرجل عابد مع ذلك لم ينقطع لعبادته وترك غيره يطعمه أي أنه لم يتكل على غيره.
2-لقد أخذ بالأسباب فهو لم يذهب للنهر مباشرة واغتسل وجلس يصلّي وانتظر السماء تمطره لكنه قبلها توجه للسوق يطلب رزقا وهذا ما نقوله لمن يجلس في بيته وينتظر رزقه فالتوكّل على الله لا يعني عدم الأخذ بالأسباب.
3-لم يقنط ولم ييأس من رحمة ربه فعدم اختياره في كل مرة لم يبعده عن الله وإنما زاد من إقباله عليه وهذا ما نقوله لمن طرق أبواب الوظيفة ولم يجد من يقبله لا تيأس وتبتعد عن الله ولكن حاول مرة أخرى وأقبل على الرزّاق فالأمر بيده.
4-يقين الرجل العابد انّ الله لن يضيعه فكلما يعود لزوجته يقول لها كلّ مرة أنّ أستاذه سيعطيه وهو يقين المؤمن الصادق الذي توكّل على ربه حق توكله وتيقنّ أنه لن يخيبه ولن يضيعه .