رحلة إلى بحر الجحيميعمل الانسان جاهداً ليستمتع بكل مباهج الحياة ويسخر كل طاقاته وامكانياته ولظرف ما وبلحظة سوداوية يضع الانسان حداً لحياته التي هي ملك لرب العالمين وليبحر بعدها إلى الجحيم جزاء ما اقترفت يداه.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن , ما السبب الذي يدفع الانسان إلى الانتحار ويودي به إلى الاختفاء الدائم من الحياة..؟
هل هو ضعف الايمان أم الفقر, أم ضغوطات الحياة ومصاعبها, أم هو التلوث العاطفي الذي تغذيه كلمات الأغاني الهابطة والمسلسلات والأفلام ذات الأحلام الوردية , أم الحبوب المخدرة التي سيحيا من خلالها سويعات من الهلوسة والخيالات المجنحة بالمرض والموت والجريمة..؟
وحالات الانتحار نادراً ما كنا نسمع بها وتضج المدينة إذا ما سمع السكان بحالة انتحار والغريب انه في محافظة حلب وحدها شهدت قرابة العشر حالات انتحار في قرابة شهر واحد وهذا مؤشر خطير يدل على التفكك الأسري وضعف الوازع الديني اللذين أخذا ينتشران في المجتمع.
ازدياد حالات الانتحار
وحالات الانتحار في تزايد إذ أن الاحصائيات تؤكد ان هناك أكثر من مليون شخص ينتحرون كل عام يعني ثلاثة آلاف حالة انتحار يومياً بمعدل حالة انتحار كل 40 ثانية والمتوقع ازدياد العدد إلى 1.5 مليون شخص عام 2020 بمعنى كل 3 ثوان شخص يقوم بالانتحار .
هذه الأرقام المرتفعة دفعت منظمة الصحة العالمية لاعلان العاشر من أيلول من كل عام يوماً عالمياً لمكافحة الانتحار والهدف من تخصيص يوم عالمي لمكافحة الانتحار وهو جذب انتباه العالم لمخاطره ومحاولة تخفيف حالات الاحباط والميول الانتحارية لاسيما ان هناك ملايين الناس الذين يحاولون الانتحار سنوياً .
ونقتبس بعض المعلومات والأرقام عن ملحق تشرين الاقتصادي "6 تشرين الأول 2009 " عن تزايد نسب الانتحار في العالم تزيد نسب الانتحار في العالم عن معدلات الوفاة الناجمة عن جرائم القتل العمد والحروب وللأسف الانتحار السبب الرئيسي للموت في أوساط المراهقين والبالغين دون سن 35 حتى أن الرجال يقدمون على الانتحار بمعدل يزيد عن ثلاثة أضعاف الموجودة عند النساء علماً انه في السنوات الأخيرة ازدادت معدلات الانتحار عند النساء وفي محاولة لتخفيض حالات الانتحار نصح المختصون بضرورة وضع قوانين صارمة تمنع الانسان من الوصول بسهولة إلى الأسلحة النارية والأدوية المخدرة والسامة والمبيدات الحشرية والتي يقوم الناس بالانتحار بها وبمعدل ثلث حالات الانتحار.
أما الأطباء فيقولون ان الاضطرابات النفسية خاصة الاكتئاب وتعاطي المخدرات تمثل أكثر من 90% من حالات الانتحار في العالم كما أن للتلوث البيئي والصحي كالسكن في شقق مغلقة لايدخلها الهواء والضوء والشمس ويوجد فيها العفن والأرق والضجيج المدمر للأعصاب وغيرها قد تصل بالانسان في لحظة ما لوضع حد لحياته ويقول الأطباء والعلماء إذا تم تفادي المشكلات الصحية التي تعود للتلوث بكل مفرداته فإنه يمكن انقاذ حياة أربعة ملايين انسان.
وعن منعكسات هذه الظاهرة الخطيرة على الأسرة والمجتمع أعرب الدكتور محمود عكام مفتي حلب مستشار وزير الأوقاف عن رأي الشرع في هذه المسألة فقال :
الانتحار تعد على القدرة ومجاوزة الحكمة في استمرار وجود البشر وهدم لكيان عظيم يظن منها المنتحر أنه في عمله هذا الذي قام به قد حقق المراد فأراح نفسه , لكنه ماعلم أو علم وتجاهل أنه أتعب مجتمعاً خلفه ولن ينجو مستقبلاً ويوم الميعاد من عذاب أقسى وأمر من هذا الذي كان قد اكتنفه في الدنيا .
والانتحار من حيثية أخرى : استسلام خنوع وضعف ذليل في مواجهة الصعاب وما انتحر من انتحر إلا وهو في تيه وضلال وإلا فكيف يقضي على كيان هو الأعظم بين كيانات المخلوقات والموجودات.
من قتل نفسه أشد فساداً وإفساداً ممن قتل سواه وإن كلاهما في السوء والفساد قرينين , لكن المنتحر اعتدى على ضعيف لايواجه ومستسلم لايقاوم فيا ويله وياويحه ويافظاعة فعله وليسمع هؤلاء قبل أن ينتحروا حتى يرعووا أو بعد ان انتحروا حتى يتعظ من بعدهم ماقاله رب العزة جلت قدرته بحقهم , قال تعالى : (( ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً)) النساء 29 .
قسوت على نفسك فأبدتها في حين ان الله رحمك فأوجدها وخلقها فيا بؤسك.
وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدد العقوبة المنتظرة في يوم آت أكيد يسمى يوم الحساب والعقوبة تلك قاسية فظيعة لكنها ليست أقسى ولا أفظع من فعلة القاتل نفسه لأنها من جنسها فابتعد يا من تفكر في الانتحار واقلع واترك وجانب واهجر فـ : ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه مسلم والترمذي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) رواه البخاري ومسلم.
فاللهم احفظنا من كل مكروه واجعل من فكر بمثل الفعلة الشنيعة يعدل عنها عدولاً صادقاً جاداً واعياً وجنب أمتنا وأبناءها كل مايؤذيها ويؤذيهم واجعل منهم جميعاً أناساً هاديين مهديين سلماً لأوليائك وحرباً على أعداء الخير والفضيلة والأمن والسلام ولاتجعل فينا شقياً ولا جاهلاً ولا آثماً ولا معتدياً ولافاسداً ولامرتشياً ولامنتحراً , والحمد لله رب العالمين.
وأبدت الدكتور عهد حوري من كلية التربية بجامعة حلب عن رأيها في ظاهرة الانتحار وأسبابها وطرق معالجتها فقالت:
من الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار:
- نوع التربية التي يتلقاها الشباب في طفولتهم ( متسلطة - مفككة - مستسلمة)
- ممارسة القيم الاجتماعية التي اكتسبوها عبر وسائل مخربة لحياة الشباب كبعض القنوات الفضائية أو قنوات الاتصال عبر الانترنت ( مواقع الدردشة ..الصور..الحظ..التعارف) أو مخالطة رفاق السوء.
- الجهل والانقطاع عن التعليم وتفشي البطالة
- عدم التوازن النفسي بين رغباتهم واهتماماتهم والواقع الذي يعيشون فيه.
- ضعف الوازع الديني لديهم.
- الاحباط في تحقيق الذات والاندماج في الواقع الاقتصادي والاجتماعي
- محاكاة قنوات التيارات الغربية السلبية كأفلام العنف والأغاني التي تدعو إلى الانتحار لأسباب عاطفية أو اجتماعية أو اقتصادية .
الآلية للتخلص من هذه الأسباب
- العمل على ايجاد الانسجام بين العادات والتقاليد والأعراف ومختلف القيم السائدة في المجتمع والعقيدة والشريعة السائديتين فيه والقوانين المعمول بها.
- تربية الفرد منذ الصغر على المواطنة حتى يتوازن اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً بين حاجاته ومتطلبات المجتمع الذي يعيش فيه كإدخال مفهوم المواطنة على المناهج المدرسية .
- حرص مؤسسات المجتمع على استثمار طاقات الشباب ضمن الجمعيات الأهلية أو المنظمات الشعبية لانها الاطار الرقابي المناسب الذي يصلح للتفاعل الثقافي بين مستويات الشباب المختلفة.
- العمل على استحضار القضايا التي تهم الشباب والمشكلات التي يعاني منها والعمل على ايجاد الحلول المناسبة من خلال التفكير بمشاريع جديدة لهم.
- العمل على رفع قدراتهم ومهاراتهم عن طريق تدريبهم على سوق العمل بما يتناسب ورغباتهم ومؤهلاتهم العلمية والأدبية والثقافية .
- ايجاد ثقافة بديلة لثقافة الخنوع والميوعة والاستسلام التي تنتشر بين الشباب التي يرجع في معظمها إلى التربية الأسرية والمؤثرات الخارجية وتعزيز التفكير الموضوعي لديهم.
- بث وسائل الاعلام ثقافة مضادة للأمراض الاجتماعية التي تأتي من خلال قنوات الاتصال كالمخدرات والايدز والخلاص من الحياة ( الانتحار).
ضرورة تنمية الوازع الديني والأخلاقي
وقال الدكتور أحمد شعيب رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية الاسلامية بحلب : عندما تصبح الحياة جحيماً يمسي الموت سبيلا للخلاص ويعتقد من ينشد الانتحار انه الحل ولاحل سواه ولكل منتحر أسبابه المختلفة عن الآخر والتي تستحق في نظر صاحبها رحيلاً عن واقع لايرضيه.
إن وجود حدث غير مسر في حياة المراهق ولم يستطع بعده التكيف مع واقعه الجديد يجعله يصل إلى حالة لايستطيع تحملها ويعتقد انه لامخرج منها فلم تعد للحياة عنده أي معنى خاصة إذا كان يتمتع بشخصية اندفاعية وضعف محاكمة وتهور ولم يجد من يقدم له المساعدة .
وللانتحار أسباب عديدة ومتنوعة وأكثرها شيوعاً:
الاكتئاب - تناول الكحول والمخدرات- الاضطهاد الجنسي والجسدي- المشاجرة بن المراهق ووالديه- الحرمان- الاستياء من المظهر الشخصي وشعور المراهق بضعفه نتيجة لحالة عجز- انهيار وضع الأسرة المادي والاجتماعي - التفكك العائلي وطلاق الوالدين – علاقة فاشلة مع الجنس الآخر- التعرض للاهانة الشديدة والسلطة القمعية والقاسية - مشاكل عقلية ونفسية- التورط في الجرائم- ستر جريمة شرف- توفر الأسلحة بسهولة - موت انسان عزيز.
وللحد من هذه الظاهرة علينا مراقبة تصرفات وردات الفعل عند المراهقين وتوفير الاحتياجات التي تكفل للفرد والأسرة الحياة الكريمة وتغنيه عن مد اليد لاستجداء حاجته وتعزيز ثقة الشباب بأنفسهم وغرس الأمل لديهم والاهتمام بالمراهقين والاستماع إليهم واستيعابهم وتحسين الثقافة النفسية وتنمية الوازع الديني والأخلاقي لديهم.