وردة 15 مرتبة
عدد المساهمات : 102 نقاط : 188 السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 30/04/2010
| موضوع: صوت الاعماق الخميس مايو 20 2010, 16:31 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
وهم الغزو الثقافي ــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو ان الخطا الاكبر القابع في فكرة الثقافة والذي تتولد عنه ضروب الخلط وسوء الفهم والتوجس المجاني ـ هو تصور الثقافة كشىء محدد اقليميا , ومحصور مكانيا , ومسيج بتخوم جغرافية فاصلة , وكأن الثقافة عالم معزول داخل حظيرة تصورية , او جزيرة معزولة عن غيرها من الجزر , او فقاعة تشكل فضاء تصوريا منفصلا عن الخارج ومحاطا بجدار عازل من الفكر واللغة شبيه بالحدود الجغرافية ومقترن في الدهن بمعنى الحجر والعزل والانفصال والمكانية والتناهي .
من الطبيعي ان تلجئنا اللغوية الى ان نتحدث عن الحواجز الثقافية غير اننا ندفع في ذلك ضريبة باهضة تخصم من حساب التواصل الحقيقي والهارمونية الذهنية التي تحقق الوحدة في التنوع . فاذا كان المعنى كله شيئا محصورا داخل ثقافة كتيمة { غير منفدة } فان كل شىء افعله لن يحظى بالمعنى الا داخل الحدود الصارمة لثقافتي , ولا يعود ثمة احتمال مشجع للتواصل الحقيقي , ولن يجدي في ذلك حتى تكنولوجيا الاتصال الحديثة والسماء المفتوحة والفضائيلت والانترنت , مدام الفاصل فاصلا تصوريا والحاجز حاجزا لغويا فكريا قيميا .
اما اسوا الشرور التى يجرها التصور الجغرافي للثقافة فهو ما يبثه من خوف وتوجس بين الثقافات , وما ينفثه من احن وضغائن , ان صورة الحدود مرتبطة في الاذهان بصورة الغزو , وتصور العزل مرتبط بتصور الانغلاق , ونمودج الجزيرة اوالحظيرة او الفقاعة مصحوب لا محالة بافكار عن { الكسر } , و { الانهيار } , و { الاقتحام } , و { والتحصن } , و { الدفاع } . هكذا تتغدى فكرة الغزو الثقافي على مفهوم خاطىء وتعيش عليه فاذا كانت الثقافة شيئا مكانيا جغرافيا متناهيا محصورا بحدود خطية صارمة لترتب على ذلك ان نفكر { بكثير من الجزع والتوجس } " كيف نحمي انفسنا ؟ " , " الا يحتمل ان تهددنا الثقافة الاقوى وتقتحم حدودنا ؟ " , " كيف نغير ونطور من ثقافتنا دون ان تتصدع وتنهار ؟" , " كيف ننفتح على الآخرين دون ان نقوض عالمنا وندمر كياننا ؟ " , كيف ندخل ثقافة الآخرين للالمام بها والتعرف عليها دون ان نغادر ثقافتنا ونخرج منها ونتنكر لها ؟ " , كيف نستوعب الثقافة الاخرة ونتمثلها دون ان نبدد ثقافتنا ونمحو هويتنا ؟ " .
نعم من الطبيعي ان يتورط في هذه المخاوف من يتصور الثقافة كأقليم محصور . ذلك ان المرء لا يمكنه ان يتواجد في مكانين ويشغل حيزين في الوقت الواحد . هكذا تقول قوانين الطبيعة , فيما يبدو , وهكذا تقول احكام العقل . بل هكذا جبل العقل الانساني نفسه وشكلت اطره ومقولاته . بل ان هذه الصور المكانية للثقافة لتؤدي بالعقل الى تصور ان تقديره لثقافة اخرى لا يتاتى الا بـ " نزوح " او " هجرة " او " ارتحال " ثقافي عن " مكان " الثقافة الام , ربما لما هو افضل . غير ان هذا التوجه بكل شئونه وشجونه هو وهم ناجم عن تصور خاطىء للثقافة , وعن مخطط ذهني غير صحيح .
منقول
| |
|