الريحان مرتبة
الجنس : عدد المساهمات : 191 نقاط : 381 السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 12/02/2010 الموقع : بلد الحرية المزاج : متقلبة تعاليق : لا تجعل الله اهون الناظرين اليك .
( كيف يشرق قلب .صور الاكوان منطبعة في مرآته ؟;أم كيف يرحل الى الله وهو مكبل بشهواته؟,أم كيف يطمع أن يدخل حضرة اللهوهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟,أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟!......
| موضوع: لمحات بلاغية في أيات قرآنية ........... الخميس مايو 20 2010, 16:25 | |
| لمحة في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك
هي آية واحدة، لكنك لو تدبرتها لوجدت نفسك سائحا في ملكوت الله ،طائفا على مختلف العلوم،مستعرضا الأزمان والأمكنة:
1-الدلالة على رب العالمين:
أ-وقد دلت الآية الكريمة على رب العالمين بالدليلين المعروفين :دليل الاختراع،ودليل العناية ( كما سماهما أبو الوليد ابن رشد الحفيد ) فخلق الأرض وجعلها ،من الدليل الأول،وتسخيرها للإنسان وتوفير ما يلائم طبعه من رزق وأكل من الدليل الثاني. ب-نبهت الآية في ابتدائها وفي انتهائها على اسمين جليلين للرحمن:الأول والآخر. فكل شيء ابتداؤه من الله( جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا) وكل شيء منتهاه إلى الله (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). ج-جمعت الآية بين فعلي الربوبية:الخلق والأمر... { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } (54) سورة الأعراف
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا :خلق. فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ:أمر.
2-الدلالة على العلم الطبيعي:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا.... اشتملت الجملة على فعل عجيب ووصف أعجب،لما فيهما من لطف الإشارة إلى ما هو مشهور في المجتمع العلمي: -قالوا إن الأرض ،في مراحلها التكوينية الأولى، لم تكن صالحة للحياة ثم تشكل الغلاف الجوي بعد ذلك، واستقرت القارات، وظهرت النباتات ،فأصبحت صالحة مسكنا للبشر.... وقد جاء في الآية فعل "جعل"الذي يفيد التحول والتصيير والنقل من حالة إلى أخرى..... جعل الأرض ذلولا مفهومه أنها كانت من قبل في وضعية مغايرة. -أما وصف الأرض ب "ذلول" فيشهد على أن هذا القرآن من تنزيل عليم خبير..... قال في اللسان:
ذَلَّ يَذِلُّ ذُلاًّ وذِلاًّ فهو ذَلُولٌ يكون في الإِنسان والدابة. وقال في المفردات: ذَلَّتِ الدَّابَّةُ بعدَ شِماسٍ ذُلاًّ وهي ذَلُولٌ : ليست بصَعْبَة. أشار ابن منظور والراغب- رحمهما الله-إلى الدابة الذلول،ولا شك أن وصف الذلول أظهر ما يكون في حالة المطية ...فهي تخضع لصاحبها ولا تحاول أن تلقيه من على ظهرها كما تفعل الدابة الشموس.... والمتأمل في حال الارض-وفق ما اشتهر في المجتمع العلمي-سيجد هذا التماثل البليغ بين الأرض والمطية:فالأرض هي مطيتنا الكونية ،ونحن مستقرون على ظهرها، بينما هي تقطع ملايين الأميال في الفضاء بسرعة مهولة.....فلا تشعرنا بالحركة فضلا عن أن تلقينا بعيدا عنها :باختصار الأرض مطية ذلول.
3-الدلالة على علم العمران:
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا: أمر عام لبني آدم جاء بعد جعل الأرض ذلولا ،فالمشي في مناكبها هو الحكمة أو العلة الغائية من جعلها على ذلك الوصف... ويتضح من الآية الوضع البشري في التقدير الرباني:فهو مخلوق للسعي والحركة والسفر والرحلة والبحث والتنقيب..... ومنها يستفاد أيضا ضلال المذاهب الداعية إلى التواكل والانقطاع عن العمل والبحث عن الرزق، منحرفين ومحرفين للعبادة العظيمة التي هي التوكل.
4-الدلالة على علم الأخلاق والسلوك.
وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ. جاور البيان المعجز بين الأكل والتذكير: كل من رزق الله،ولكن لا تنس الموت والبعث والحساب!! فكأن عبارة" وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" جاءت لكبح الاسترسال في الأكل والانغماس في الشهوات... فتكون الآية قد وضحت بجلاء التوسط السلوكي الأمثل المطلوب من المكلف.
5-الدلالة على علم التاريخ:
لخصت الآية تاريخ الإنسان في الوجود: -فذكرت النشأة الأولى:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا" والنشأة الثانية: "وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" وذكرت مرحلة المعاش "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه." ومرحلة المعاد:ِ "وَإِلَيْهِ النُّشُورُ." وذكرت التكليف والحساب. ثم ذكرت إجمالا الأحوال الثلاث للإنسان مع الأرض: -يكون فوقها: مستفاد من قوله :"فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا." -يدفن فيها: (مستفاد من دلالة الاقتضاء ) -يبعث منها:مستفاد من قوله" وَإِلَيْهِ النُّشُور
43- لمحة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ{39} أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ{40}سورة النور
1- تنويع التمثيل على معنى واحد ،لكن الصورتين متباينتان في العناصر والتشكيل والخلفية الطبيعية: -صورة برية في مقابل صورة بحرية.. -صورة يغمرها الضوء في مقابل صورة يطمسها الظلام.. -صورة حارة جافة في مقابل صورة باردة رطبة.. -وأخيرا، صورة ذات خلفية صحراوية، معهودة لدى العربي، منتزعة من محيطه، في مقابل صورة لا تمت بصلة إلى البيئة الإقليمية التي أنزل فيها القرآن ،فمشهد البحر اللجي، وارتطام الأمواج تحت السماء المحجوبة بالسحاب الكثيف، مشهد بعيد جدا عن جزيرة العرب ،قد لا يعهد له نظير إلا في بقاع مثل إيسلندة ،أو شمال إيرلندة، أو بعض جزر المحيط الهادي ...وكأن هذا التنويع الجغرافي مراد به تقريب المشبه إلى كل الناس ..فمنهم من لا تسمح له بيئته بمشاهدة السراب ومنهم من لا تسمح له بمشاهدة الخضم الهائج..فتكون مجاورة المشهدين في الآيتين رسما لمعالم جغرافية متباينة ومتكاملة من شأنها أن تقدم مشبها به يحقق أعلى نسبة من العالمية!!
2- الصورة الأولى ترسم فضاء مفتوحا منبسطا، تكون الحركة فيها ذات بعد أفقي:مشاهدة السراب عن بعد ،والركض تجاهه.. أما الصورة الثانية فمقابلة للأولى تماما:إذ ترسم فضاء مغلقا متراكبا ذا امتدادات عمودية:موج، فوقه موج، فوقه سحاب.
3- الصورتان رغم التباين الطبيعي تتحدان في "حالة الإنسان" المعروضة..حالة تتسم بالضياع والتوتر: -"الظمأ" في الصورة الأولى تقوم بوظيفتين،فهي مهيئة لتشكل السراب في الخارج لأن الشعور بالظمأ يحضر صورة الماء في الذهن..وهذا الاستحضار له دور نفسي كبير في تأويل انعكاسات الأشعة في القيعة بالماء المرغوب فيه.. وأما الوظيفة الثانية –المقصود الأول من التمثيل-فهي تصوير حالة الإحباط من جراء الانتقال السريع من الأمل إلى الألم ومن الاستبشار بالري إلى صعقة الحقيقة...
- "إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا" هي الصورة الإنسانية الموازية لصورة الظمأ في التمثيل السابق..وهنا أيضا تقوم الصورة بوظيفتين:التأشير على درجة الظلمة في الخارج، وتجسيد الحالة النفسية الداخلية،فإن تعبير" لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا"كاشف عن الضيق بالظلمة ،والرغبة الأكيدة في الإبصار فكأن هذا الإنسان يقرب يده من بصره يحاول جاهدا أن يتبينها بدون جدوى فتكون النتيجة إحباط وخيبة أمل وهو الشعور ذاته عند صاحب السراب في نهاية استباقه إلى الماء الموهوم!!
لكن الأطرف في الصورتين -عند استعراضهما معا-هو المفارقة في الوضعين: فصاحب السراب متلهف إلى الماء المفقود ،وهذا الماء هو نفسه اللجة التي يضيع فيها صاحبه! أما صاحب اللجة فهو متلهف إلى الأضواء ، وهي التي خدعت صاحبه ونصبت له شرك الهلاك!!فتأمل.
4- من الصورتين المتباينتين ينتزع معنى واحد مشترك: -الكافر إما أن لا يرى شيئا -مثل صاحب اللجة- أو يرى وهما- مثل صاحب السراب
44-لمحة في قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) التمس حاجتك هنا:
45-لمحة عامة..
من الدلائل الإجمالية لإعجاز القرآن الكريم تحقق الجمع في السورة القرآنية بين النهايتين المتضادتين, وينجلي وجه الإعجاز لو تمثلنا ذلك في صورة من يُطلب منه أن يخطو خطوة إلى جهة المشرق، على شرط أن تكون تلك الخطوة عينها تدنيه من جهة المغرب....هذا خارج عن طوق البشر قطعا. وقد تنبه الدكتور عبد الله دراز –رحمه الله-إلى هذ ا الوجه الإعجازي فصاغ تلك النهايات المتضادة المتحققة في القرآن في صورة ثنائيات عددها أربع:
1-"القصد في اللفظ" و "الوفاء بحق المعنى" 2-"خطاب العامة " و "خطاب الخاصة" 3-إقناع العقل" و "إمتاع العاطفة 4-البيان" و "الإجمال".
وقد فصل -رحمه الله –في هذه الثنائيات بما لا مزيد عليه، وكل ذلك مزبور في كتابه "النبأ العظيم"...وحسبي هنا أن أشير إلى أن من شأن طرفي الثنائية التنافر والتخاصم :فلا يمكن –مثلا- "الوفاء بحق المعنى" في الوقت الذي نخطط فيه ل"القصد في اللفظ".لأن الطرف منهما لا يتحقق إلا بنقيض مقابله.وعلى هذا يقاس باقي الثنائيات...
ومقصودي-في ذا المقال- هو إضافة ثنائية أخرى مستدركة ،صيغتها:
5-"التجانس" و "التميز".
هذه الثنائية تقوم على ادعائين: -دعوى أن القرآن كله متجانس في أسلوبه متشابه فى نسجه. -دعوى أن كل سورة في القرآن تتميز عن أخواتها أسلوبا ونسجا. فيكون الوجه الإعجازي جليا:اقتراب متزامن من نهايتين متضادتين: يتميز الأفراد حين يتجانس المجموع،ويتشابه المجموع حيث ينزع كل فرد إلى التميز...!!
وقبل ذلك لا بد من تفحص الادعائين: لعل الدعوى الأولى مسلمة وليست كذلك الثانية.... وقولي "مسلمة" يستند إلى ما هو ملحوظ –بصورة تكاد تكون تجريبية- من قدرة العربي المتوسط على التعرف على أسلوب القرآن بيسر شديد....فلا يختلط عنده بغيره.فلو أدمجنا بعض القرآن وسط نص للجاحظ –مثلا- لاستطاع العربي أن يدرك طبقتين من الفصاحة متميزتين داخل ذلك النص .تميز لا تخطئه الأذن، ولا يخفى عن الذوق، وإنكاره قريب من المكابرة .وفي المقابل لو أشربنا نص"الجاحظ" بعضا من كلام "عبد الحميد الكاتب" أو أقحمنا جملا من مقامة "همذانية" في مقامة "حريرية" فلا يُنتظر أن يشعر القاريء بالتفاوت... نعم قد يحدس بعض الفرق-إن كان من ذوي التخصص العالي في أساليب الادباء- لكن دون أن يصل به الأمر إلى لمس طبقتين من الكلام ،متباينتين، إحداهما أعلى بكثير من الأخرى... لكن شأن الدعوى الثانية مختلف...... فالتعويل على الحدس هنا لا يكفي....صحيح أن التالي للقرآن قد يجد في نفسه شيئا من اختلاف سورة عن أختها ،لكن الدعوى لا تثبت إلا بتمحيص تفصيلي ،لأن الشأن يتعلق بالاختلاف ولا سبيل الى ادراكه إلا بالتنصيص عليه....ومع ذلك فليس في وسعنا-الآن- استقراء كل سور القرآن العظيم والتنبيه على "شخصية" كل سورة منه..... ليس في الطاقة إلا" التمثيل " مع ترك الفرضية مفتوحة لمن شاء أن ينصرها أو شاء أن يدحضها.
نموذج:سورة الأحزاب:
أنا زعيم بأن السورة المباركة تتميز عن أخواتها بظاهرة أسلوبية يسهل التقاطها بمجرد قراءة السورة وقد لا تتكرر في أية سورة أخرى بالوتيرة ذاتها....وأعنى ظاهرة "التعدد والتعداد" أو الاسترسال في العطف.
ومن الطريف أن نلاحظ بدءا أن اسم السورة –الأحزاب-مؤشر قوي على معنى التعدد والتعداد.. كما أن مطلع السورة الندائي، الذي يقرع الأذن، يدخل القاريء إلى فضاء سيستأنس فيه بتكرار النداءات ،وتعددها، على نحو لا يجده في سورة أخرى.لقد أحصيت 13 نداء :
-يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّه. -يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. -يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ. - يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ -يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء. -يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيرا. -يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا. -يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ. -يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك. -يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ. -يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ- -يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى. -يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً.
تعدد المنادى : النبي خمس مرات , المؤمنون ست مرات, ونساء النبي مرتين. ومابين نداء ونداء يمر التالي بسلسلة من "التعدادات" حتى يتيقن أن التعداد هي ميزة السورة بلا ريب........
أليس في سورة الأحزاب:
"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً"35 تعداد مبارك لأهل البر ذكورا وإناثا بلغ عشرين – أوعشرة أزواج-
أليس في سورة الأحزاب:
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ". تعداد لما أحل الله لرسوله .-سبع أصناف-
وهذا تعداد في سياق آخر:
"لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً"55. -سبع أصناف –
وهذه آيتان هما أجمع لصفات النبي :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} -سبع صفات أيضا:النبوة والرسالة والشهادة والبشارة والنذارة والدعوة إلى الله والهدى-
وهذه سلسلة من أدب المؤمنين مع نبيهم ونسائه معدودة في كل الأحوال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً53
وهذا تعداد لأولي العزم من الرسل وهم خمسة من صفوة خلق الله:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً.
ثم تمضي السورة المباركة في تعداد أنواع المشركين والمنافقين وتعداد ما أفاء الله على المؤمنين في غزوتهم......إلى ان تصل إلى التعداد الختامي:
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً.73.
يا أعضاء المنتدى لو سمحتم،تحليل هذه الآية بلاغياً من الناحية البديعية ، البيانية، المعاني، والإعجاز القرآني،وتفسير هذه الآية من أي مرجع للتفسيروهل هي مكية أم مدنية. ملحوظة: عند ذكر الصور البيانية أوالمعاني أو البديع يرجى تعريف هذه الصورة وذكر المرجع المستفاد منه، ولكم جزيل الشكر. قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه، أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. الأعراف الآية 160
46-لمحة في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ....الكهف/50
قال الفخر الرازي في معرض بحثه عن الاتساق: "اعلم أن المقصود من ذكر الآيات المتقدمة الرد على القوم الذين افتخروا بأموالهم وأعوانهم على فقراء المسلمين وهذه الآية المقصود من ذكرها عين هذا المعنى ، وذلك لأن إبليس إنما تكبر على آدم لأنه افتخر بأصله ونسبه وقال : خلقتني من نار وخلقته من طين فأنا أشرف منه في الأصل والنسب فكيف أسجد وكيف أتواضع لها وهؤلاء المشركون عاملوا فقراء المسلمين بعين هذه المعاملة فقالوا : كيف نجلس مع هؤلاء الفقراء مع أنا من أنساب شريفة وهم من أنساب نازلة ونحن أغنياء وهم فقراء ، فالله تعالى ذكر هذه القصة ههنا تنبيهاً على أن هذه الطريقة هي بعينها طريقة إبليس ثم إنه تعالى حذر عنها وعن الاقتداء بها في قوله : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء } فهذا هو وجه النظم وهو حسن معتبر... "
يمكن في هذا المقام تأكيد القاعدة الأصولية التي تنص على أن"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" بالقاعدة اللغوية التي تقضي ب"حمل المعنى القرآني على أعلى وجه بلاغي".. فما حكم عليه الفخر –رحمه الله-من "حسن" النظم باعتبار سبب النزول، يترك رتبة "الأحسن " باعتبار عموم المعنى...فلا مناص من حمل دلالة الآية،إذن، على عموم لفظها، لكي لا يكون في الإمكان وجود رتبة بلاغية عليا لا تكون للقرآن! إن الآية حجاجية باتفاق،غير أن الحجاج يبدو ضعيفا باعتبار المقصود بحسب النزول، فالقول" أنتم متكبرون إذن أنتم متشبهون بإبليس عدوكم"حجة إنشائية فقط...على عكس ما ستؤول إليه الحجة، إذا اعتبرنا العموم ،حجة كالقذيفة لا تبقي ولا تذر!! إن القضية المعروضة في الآية لهي أكبر من سلوك خلقي يدور حول التكبر والتواضع، بل هي متعلقة بالخيار العقدي الأول للإنسان : "أيختار الإنسان الرحمن أم يختارالشيطان" وهذا ما نصت عليه الآية في ذروة حجاجها: " أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ"!! لنوضح مسار الحجاج: الآية مؤلفة من ثلاث لحظات حجاجية:
اللحظة الأولى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا.. هذه اللحظة لوحدها تحسم ،ولا ترجح فقط،مسألة الانتماء العقدي..فالرحمن أظهر إرادته في تكريم الإنسان وتشريفه، وكل من له أدنى مسكة من العقل سيختار الرحمن بدون رائحة تردد ..لأن الإعراض عنه هو إعراض عن التشريف والتكريم، وإن مفهوم هذا المعنى لشنيع جدا ،لا يرتضيه أي عاقل لنفسه، فهل في العقل أن لا يسعى الإنسان إلا إلى الخسة والتسفل في الوقت الذي تعرض عليه فرصة الشرف والتعالي بسهولة ويسر !!
اللحظة الثانية: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ... لقد تحول الحجاج إلى شيء يأخذ بالخناق،فلم يعد أمام الإنسان ضرورة واحدة بل ضرورتان!! فامتناع إبليس عن السجود إيذان بموقف مزدوج: -موقف من رب العالمين مداره على الكفر والفسق -موقف من آدم مؤسس على التعالي والاحتقار.. فيكون الإنسان في موقع منير لا يمكن أن يتلبس به ظل أي إشكال: فهو بين ما يريد تكريمه وتشريفه وبين من يعلن تحقيره ويشهر التعالي عليه... فهل سيتردد هنا عاقل أدنى تردد في الوجهة التي سيتخذها...؟ هل سيخطر على الذهن –مجرد خاطر-أنه يمكن الركون إلى من يحتقرنا ومعادة من شرفنا!.. ومع ذلك فقد خطر الخاطر فعلا،بل ترسخ عقيدة، بل أثمر سلوكا وعملا...وإن جهل الإنسان لا ضفاف له...!!
اللحظة الثالثة: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ... مع هذا الاستفهام الجامع بين التعجب ،والإنكار، والتوبيخ،نصل إلى ذروة الحجاج.. إن إبليس لم يكتف بالاحتقار والازدراء بل أضاف إليه أمرا أخطر هو الرغبة في الانتقام: فيكون إبليس-في علاقته بالآدمي- قد تطور من مستوى التقييم النظري(أنا خير منه) إلى مستوى التنفيذ العملي (العداء، والسعي إلى الإهلاك)... بعبارة أخرى ،إن الآدمي مضطر إلى التأقلم مع الظرف الجديد فهو مطالب بتطور من جهته.. إن الأمريستدعي الآن شيئا لا يكون أقل من " الفرار"... فإن من كان يحتقرك أضحى يريد قتلك! فإن أعرضت عن الأول وقلت لا يهمني رأيه فيّ، أتراك الآن تهز كتفيك وهو يريد إهلاكك!!
لكن، والحق يقال، لقد أدرك الإنسان بحدسه أن زمن الفرار قد حان ..ففر حسبما يقتضيه الظرف.. لكنه فر من الله إلى عدوه!!!!!!!
إن الحجاج القرآني، بهذا الاعتبار، من القوة بحيث لا تكفي كل علامات التعجب الموجودة في الدنيا لتعقب على سلوك الإنسان!
47-لمحة في قوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ{36} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ{37}
[تقدم لنا كلام عن المصباح والمشكاة ،وكلام مثله عن المثلين المضروبين بشأن صاحب السراب وصاحب الظلمات..وكرهنا أن نتجاوز الآيتين ...فيكون صمت بين كلامين ..فكتبنا هذا التدبر، عسى الله أن لا يجعلنا من الذين اتخذوا هذا القرآن مهجورا]
1-في بيوت: البيوت هي المساجد،ونلحظ ابتداء تخصيص المسجد باسم "بيت الله" دون الأسماء الأخرى مثل "دار" أو "مسكن" أو" منزل"... لم تضف"مسكن" أو" منزل" إلى الله عز وجل- حسب علمي- أما الدار فقد أضافها إليه كما في قوله تعالى: لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) والسلام اسم من أسماء الله تعالى.. ورُوِيَ عن رسول الله : « عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر ، لايسكنها غير ثلاثة من النبيّين والصدّيقين والشهداء ، يقول الله : طوبى لمن دخلك » . وقد ذهب الرازي والخازن أن إضافة الدار لله مما يجب تأويله، فيكون المضاف لله حقيقة هو المحذوف لا المذكور.. قال الأول: لعل ابن عباس قال : إنها دار المقربين عند الله فإنه كان أعلم بالله من أن يثبت له داراً..(!) وقال الثاني: عدن داره يعني دار الله وهو من باب حذف المضاف تقديره عدن دار أصفياء الله تعالى التي أعدها لأوليائه وأهل طاعته والمقربين من عباده . كأن المفسريْن-غفر الله لهما- فهما من إضافة الدار إلى الله أنه يحل بها، فاستعانا بالتأويل!!
ولعل التحليل المعجمي لهذه المفردات يبين منشأ اختصاص المسجد بتسمية البيت: لا شك أن الكلمات الأربع تتحد في تعيين مرجع واحد وهو "محل استقرار الإنسان" لكنها تختلف في الدلالة ، ووجوه الاعتبار في التسمية:
أ-الدار: قال الراغب في المفردات:" الدار: المنزل ،اعتبارا بدورانها الذي لها بالحائط" فالملحظ في الدار هو البناء ،والتبئير على الحائط الذي يحيط بالدار فيعزله عن الخارج ويضفي عليه سمة الانغلاق والحماية والامتناع.. قال عز وجل :{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }هود67 قال ديارهم ولم يقل مساكنهم إشارة إلى نفوذ الصيحة إليهم رغم تحصين منازلهم ونحتها في الجبال..فما نفعهم من إرادة الله أسوار ،ولا منعهم من العقاب جدران!
ب-المسكن: من السكون ،والسكون ثبوت الشيء بعد تحرك.. فيكون الملحظ في الاسم حالة الإنسان وشرطه في الوجود، فهو كادح باستمرار ، متحرك في جميع الاتجاهات فاحتاج، ضرورة ، إلى موضع يسكن فيه بعد حركة فسمى" مسكنا". (واعتبارا لهذه الوظيفة للمسكن نرى ضعف تعليل ابن جني الذي زعم أن الدار"من دَارَ يَدُورُ ، لكَثْرةِ حرَكَاتِ النَّاسِ فيها " ونرجح عليه تعليل الراغب السابق ذكره.)
ج-المنزل: من النزول،والنزول حركة من أعلى إلى أسفل.. فيكون الملحظ في التسمية ضرب الإنسان في الأرض وتنقله في مناكبها فيحتاج إلى مكان يستقر فيه بين رحلة وأخرى..فسماه"منزلا".. حركة الإنسان في الفضاء، عادة، أفقية ،وإنما النزول يكون عن البعير أو الحصان ..فيكون النزول إيذانا بانتهاء مرحلة في الرحلة أو شوطا في الطواف...فناسب اللفظ المعنى.
د-البيت: قال الراغب في المفردات: "أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل؛ لأنه يقال: بات: أقام بالليل، كما يقال: ظل بالنهار، ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه..." إن الراغب دقيق جدا في تعبيره فقد قال "أقام بالليل"ولم يقل" نام بالليل"..وقد نص جمهور العلماء على أن فعل "بات "يجب أن يكون مصحوبا بالفعل أو الوعي على الأقل..فمنعوا أن يقال "بات نائما" ولكن يصح أن يقال " بات صاحيا "أو "بات يرعى النجوم"...
تكشف المقارنة بين إيحاءات المفردات الأربع أن اسم البيت هووحده اللائق بالمسجد.. فالمسجد ليس معزولا أو مفصولا عن الناس أو منغلقا على أهله فيسمى دارا..(ولنلحظ هنا مناسبة تسمية مستقر الرهبان من النصارى ب"دير" ..فهو مشيد ومنغلق على أهله ) والمسجد لم يرفع لإيواء عابري السبيل ،والضاربين في الأرض، فلا يناسبه أن يسمى "منزلا" أو" مسكنا" وإنما هو بيت لعبادة الله وذكره، وأفضل الذكر ما كان ليلا والناس نيام وأفضل الصلاة ما يصدر عن هؤلاء الذين أثنى عليهم ربهم:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }الفرقان64
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ..
مقصد هذا الجزء من الآية الإشادة بالبيوت والتنويه بشأنها:
2-"أن ترفع": من الارتفاع أو من الرفعة أو من الترفع.. فعلى الأول يكون المعنى كما في قوله تعالى: "وإذ يَرْفَعُ إبراهيمُ القَواعِدَ من البيت وإسماعيلُ" فالرفع حسي ،والإذن بتشييدها ورفعها لتكون ظاهرة للناس شاخصة أمام البصر.. وعلى الثاني يكون المعنى كما في قوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ{13} مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ{14} و قوله: "وَرَفَعْنا لكَ ذِكرَكَ.." فالرفع معنوي للتشريف والتنويه.. وعلى الثالث يكون الرفع حسيا وعقليا ، دائرا على تنزيه المساجد من العبث واللغو والنجاسة ومما لا يليق ، قال الحسن البصري وغيره : معنى «ترفع» تعظّم ، ويرفع شأنها ، وتطهر من الأنجاس والأقذار.و قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها.
وهذا المعنى متسق مع فعل التسبيح الآتي..يجتمعان على معنى التطهير والتنزيه...تنزيه الرب وتنزيه بيت الرب..
3- وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ إسناد الفعل إلى ما لم يُسم فاعله يستجيب لمقتضى بلاغي تداولي بالغ الأهمية: فقد قلنا إن المقصد هنا هو التنويه بشأن البيوت، ومن ثم يكون إظهار الفاعل "تشويشا " على المقصد، وتشتيتا لانتباه المتلقي ،لأن الوعي سيكون مترددا بين المحل والحال..فلا يتمحض التنويه بالبيوت ،لا سيما وأن بقية الآية –مع الآية الموالية-ستتكفل بالتنويه بالرجال الحالين في البيوت. وبناء على هذا الملحظ التداولي يكون فعل "يُذْكَرَ" في حكم المصدر..كما لو قيل بيوت لذكر الله.. فإن قلت لم لم يأت بالمصدر صراحة ..؟ قلنا لاستثمار الدلالة الزمنية التي توجد في الفعل ولا توجد في المصدر..فالبيوت ليست لذكر الله فقط ،بل للذكر المتجدد باستمرار( المفهوم من صيغة "يفعل "). فتكون الدقة القرآنية في اختيار الصيغة الملائمة: -فالمصدر دال على الحدث فقط.. - والفعل المبني للمعلوم دال على الحدث والزمن والذات.. -والفعل المبني لغير المعلوم دال على الحدث والزمن مع الطي الدلالي للذات .. فالمصدر فيه نقص عن المقصود، والفعل المبني للمعلوم فيه زيادة مشوشة على المقصود..فلا يقتضي المقام إلا الفعل المبني لغير المعلوم..
4-يُسَبِّحُ قراءتان: بفتح الباء من "يُسبح" على أنه مبني لما لم يسم فاعله، فيكون الوقف على "الآصَال" وقفًا تامًا.. بكسر الباء و "رِجَال " فاعل؛ فلا يحسن الوقف إلا عليه لأنه تمام الكلام.. وفي هذه القراءة نكت بلاغية : مقصد العبارة التنويه بالرجال، مثلما كان المقصد من قبل التنويه بالبيوت.. لكنه وقع تأجيل ملحوظ في ذكر الفاعل وتقدم عليه كل ما من شأنه أن يتأخر: تقدم المفعول...(لَهُ) و ظرف المكان(فِيهَا) وظرف الزمان (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال).. ونحن نرى- من منظور بلاغة التداول-أن في هذا التأجيل ذاته يكمن التبئير على الفاعل وتأكيده..وذلك رغما عن أنف القاعدة التي تنص على أن "العرب يقدمون الأهم"... فتقدم اللفظ لا يمنع الحضور في الذهن..وتأخير المحضر في الذهن ليس إهمالا له بل هو شحذ للشعور بالفقدان...ذلك الشعور الذي تتناسب حدته طردا مع زيادة التأجيل.. فحينما قال: "يُسبح" تهيأ المتلقي لاستقبال الفاعل انطلاقا من الضرورة التي تأسست في النفس عن اقتران الفعل والفاعل.. وحينما قال (لَهُ) ازداد التعطش إلى معرفة الفاعل..ووقع في روع المتلقي أن اللفظ الموالي سيكون الفعل المنتظر.. لكنه قال (فِيهَا)...وتأخر الفعل مرة أخرى، لكنه لا بد أن يأتي قريبا ،حسب ما يقتضيه أفق توقع المتلقي،أما إلغاؤه فمحال من المحالات.. (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال) وكأن هذا الظرف والعطف يستهدف مزيدا من إثارة التوتر عند المتلقي ،ومزيدا من الشعور بافتقاد الفاعل.. ثم ....ثم انتهت الآية {36}بدون ذكر الفاعل!! فيأتي الصمت العادي -المصاحب لانتهاء الآي في الترتيل- ليرفع التوتر إلى ذروته..قبل أن يطرق السمع، أخيرا، الكلمة المنشودة ..."رجال"..لشد ما افتقر إليها السمع، ولشد ما امتلأ بها الذهن في تلك الأثناء!!
ولكلمة" رجال" من الإيحاء ما لا يوجد في "مؤمنون "مثلا: المقصد هو الإشادة والتنويه،فيترشح الكافر ليكون هو المخاطب في الصف الأول..ولما كانت كلمة "مؤمنون" خفيفة في تلقي الكافر..بل تثير في نفسه الاستخفاف والاستهزاء ،فقد فضل القرآن عليها كلمة" رجال" التي هي أثقل في وجدان الكافر...فقد يترفع هذا على أن يكون مؤمنا ..ولكنه لا يتعب من طلب الرجولة لنفسه، وتقديرها حق قدرها في غيره.. وهناك حكمة أخرى من تفضيل كلمة "رجال" : توطئة لتنقيح مفهوم الرجولة وتصحيحها.. فالرجولة ليست عزما وقوة وصبرا وإقداما كما ترسخ في أعراف الناس فقط ولكنها خوف وفرق أيضا: يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ.. فالخوف ليس نقصا في الرجولة ،بل هو من مقوماتها!!
وجاء الثناء على الرجال من وجه آخر: لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ ويتجلى هذا الوجه أكثر لو استحضرنا آية قيلت في من هم أقل رجولة!: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11 فقد ذكر "اللهو" هنا ولم يذكر في شأن الرجال..إشارة إلى أن هؤلاء أهل جد لا شأن لهم باللهو..كما قال سيد الرجال - - : "لَسْتُ مِنْ دَدٍ وَلاَ دَدٌ مِنِّى". ويفهم من وصفهم "لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ" أنهم أصحاب تجارة وبيع لكنهم لا ينشغلون بها عن التأله والتعبد.. وقد زعم ابن عاشور-رحمه الله- أنه يجوز عنده ،من بعض الوجوه، أن يكون المراد بالبيوت صوامع الرهبان وأديرتهم "وتخصيص التسبيح بالرجال لأن الرهبان كانوا رجالاً . وأريد بالرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله : الرهبان الذين انقطعوا للعبادة وتركوا الشغل بأمور الدنيا ، فيكون معنى : { لا تلهيهم تجارة ولا بيع } : أنهم لا تجارة لهم ولا بيع من شأنهما أن يلهياهم عن ذكر الله ، فهو من باب : على لاحب لا يهتدى بمناره ."
قلت:ليت شعري من أي شيء كان هؤلاء يزكون وقد تركوا الشغل بأمور الدنيا..!!
48-لمحة في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64
إعجاز القرآن ملحوظ للمتدبر اليقظ، لكنه يخفى عن الغافل أو الخامل... فلو شاهد هذا الخامل رجلا يخرج من كيس صغير عشرات الأشياء الكبيرة، بدون شعوذة أو احتيال، لاعتبر ذلك معجزة يقينا...لكنه، وهو يقرأ القرآن، لا ينتبه إلى أن تلك العملية الإعجازية -من إخراج الشيء من لاشيء-تقع أمام عينيه في آيات القرآن مرات ومرات!!فاستخلاص عشرات المعاني من ألفاظ معدودات معجزة حقا ..ولا أرى فرقا في النتيجة بين أن يكون المرء حاضرا بين يدي رسول الله صلى عليه وسلم وهو يقوم بتكثير الطعام القليل في غزوة الخندق، أثناء حصار المشركين للمدينة، وبين أن يشاهد العلماء يستنبطون من الآية الواحدة أحكاما ومعاني وعبرا مرات ومرات ...المعجزة هي ذاتها في الحالتين، إلا أنها حسية في تكثير الطعام ومعنوية في تكثير الدلالات...مع ميزة خاصة لمعجزة الآية القرآنية :إنها حاضرة باستمرار، وماثلة أمام العيون ،بينما المعجزة النبوية الحسية تمت مرة واحدة ولا أمل في أن تتكررفي الزمان والمكان. وهذا مثال على ما نقول.. قال تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64
-قُلْ :
هذا الأمر الإلهي للرسالة الخاتمة يؤشر، داخل نسق القرآن، على أصل عظيم -بل هو أصل أصول هذا الدين- فلا غرو أن تكرر في التنزيل تكرارا ملحوظا (ثمانية وثلاثين في الزهراوين ، ويوشك العدد أن يحاذي المائة الثالثة في مجموع القرآن) هذا الأصل هو ما دل على استقلال هذا الدين عن الذوات والعقول ،فهو متميز بوجود موضوعي فوق الأفراد، ولا يصل إليهم إلا بالتلقين وصيغة التلقين:قل! هي صبغة الله المتميزة عن كل الفلسفات و المذاهب التي تنشأ –بدون استثناء-داخل الفرد حصيلة أمشاج من الحدوس والتأملات والخبرات الذاتية والجماعية. التلقين هو قدر هذا الدبن: رب العزة لقن المطاع الأمين. والمطاع الأمين لقن خاتم المرسلين. وخاتم المرسلين لقن الصحابة المهتدين. والصحابة لقنوا التابعين المحسنين.....وهلم جرا. فدار الدين على كلمتين:"قل" إنشاء ،و"حدثنا"إخبارا..!! وردت" قل" في مختلف المناسبات وفي متفرق المقامات: تلقينا لجواب في مناظرة: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة80 أو تشريعا إثر استرشاد": {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }البقرة189 أوتبليغا لتهديد: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران12 أوتعجيلا ببشارة: {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أو تلقينا لذكر ودعاء: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
هذا الأصل العظيم، لو قدر حق قدره ،لكان عصمة من البدعة وسدا لباب الضلالة..فلو قدرنا أن الرسول على جلالة قدره، وزكاة نفسه، ورجاحة عقله، لا يتعجل بقول، ولا يبادر برأي، حتى يلقن ب"قل"...فكيف بمن هم دونه بمثل ما ابتعدت السماء عن الأرض!!! أليس في هذا القضاء المبرم على مناهج الابتداع؟
-يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
إذا كانت "قل" قد أشارت إلى مصدر التلقي لهذا الدين فإن تعبير النداء" يا أهل الكتاب" -الذي جاء بعدها مباشرة-قد أشار إلى الشطر الآخر من النبوة ،وهو الدعوة والتبليغ .. فتم بالإنشائين-صيغة الأمر وصيغة النداء - الإحاطة بالدين كله:مصدرا وغاية. وقد تضمن هذا النداء الإشارة إلى منهج الإسلام في الدعوة ..فلو علمنا أن من أهل الكتاب من سب الله سبا قبيحا، ومنهم من فضل على الله العجل،ومنهم من قتل الأنبياء والرسل ...ومع ذلك فقد خوطبوا بألطف خطاب:" يا أهل الكتاب" كما خوطبوا بأحسن الأسماء "يا بني إسرائيل".. ولك أن تسجل-هنا-شيئا من إعجاز القرآن البياني: فقد اشتمل الخطاب على التلطف دون شائبة المجاملة والتملق -مع صعوبة الفصل بين المعنيين في كلام البشر..-بل لو تدبرنا الندائين لألفينا التلطف الظاهر مبطنا بلوم خفيف وتوبيخ شفيف تقديره:" لا يليق بكم وأنتم أهل الكتاب أن تفعاوا هذا...""ولا يناسبكم وأنتم ذرية إسرائيل أن تقولوا ذاك.." فلله در هذا الخطاب كيف جمع التلطف والأدب والتودد واللوم والتوبيخ، دون مجاملة فجة من شأنها أن تميع الحقائق، ودون خشونةسمجة من شأنها أن تنفر المدعوين. وأصول الدعوةكلها- في نظرنا- مبنية على الجمع المتوازن بين الأمرين :"لا مداهنة ولا تنفير.."وجاء ت عبارة يا أهل الكتاب تطبيقا عمليا لهذه الأصول.
-تَعَالَوْاْ : تحتمل الصيغة أن تكون" فعل أمر"، أوأن تكون" اسم فعل أمر"،فعلى الأول، سيكون المعنى طلب العلو وترك المكان الأسفل،وعلى الثاني سيكون المعنى طلب الاقتراب وعدم البقاء بعيدا. قال العلامة الفيومي في المصباح: "وَتَعَالَ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الْعَالِيَ كَانَ يُنَادِي السَّافِلَ فَيَقُولُ تَعَالَ ثُمَّ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى هَلُمَّ مُطْلَقًا وَسَوَاءٌ كَانَ مَوْضِعُ الْمَدْعُوِّ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ أَوْ مُسَاوِيًا فَهُوَ فِي الْأَصْلِ لِمَعْنًى خَاصٍّ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى عَامٍّ وَيَتَّصِلُ بِهِ الضَّمَائِرُ بَاقِيًا عَلَى فَتْحِهِ فَيُقَالُ تَعَالَوْا تَعَالَيَا تَعَالَيْنَ وَرُبَّمَا ضُمَّتْ اللَّامُ مَعَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ وَكُسِرَتْ مَعَ الْمُؤَنَّثَةِ وَبِهِ قَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا } ) لِمُجَانَسَةِ الْوَاوِ ." وتضمنت على كلا المعنيين أصلا عظيما: "تعالوا" بمعنى" هلموا" أشارت إلى الوضع الاعتباري لهذا الدين: فهو المركز وغيره الأطرلف. وهو الوسط وغيره الهوامش.. ومن ثم فإن الحركة الوحيدة الممكنة هي أن يتجه إليه ..فعلى العالم كله أن يحج إلى الداعي--وأن يلتفوا حوله...فالإسلام يؤتى ولا يأتي... أقول هذا الكلام وأنا أستحضر ما يسمونه "حوار الأديان" و"الموائد المستديرة" وأتأسف على هجرنا ل"تعالوا"القرآنية:ينبغي دعوة الأديان لا حوارها ..وأقصد بالحوار هنا المعنى الذي يعطيه أصحابه للكلمة فهو عندهم مرادف للمفاوضة ، والتخلي عن المركزية، وترك بعض الثوابت التي يمتعض لها الآخرون ،و"احترام" كفر من كفر...!! كما لا يجوز أن يكون الإسلام ضمن "مائدة مستديرة"يتساوى عليها كل الأضداد، لأنه على هذا الوضع لا يمكن أن يقول لغيره"تعالوا". باختصار تعالوا تضمنت أصل طبيعة العلاقة بين الإسلام وغيره من الملل والنحل. وعلى معنى طلب الاعتلاء نستشف أصلا آخر : الإسلام سماء وغيره أرض....فمن أسلم فقد ارتقى ،ومن كفر فقد هوى. ثم نلاحظ كيف عبر عن الإسلام والتوحيد في هذا المقام بقوله "كلمة"( تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ) والكلمة الطيبة في القرآن موصوفة دائما بالعلو أو متجهة إليه: - وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40 -{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }إبراهيم24 - إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }فاطر10
-كلمة سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ: هذا التعبير بليغ في هذا السياق ...فقد جاء للتنبيه على أمور نفسية وخلقية في غاية الأهمية ..فقد رأينا في الكلمات السابقة كيف دعا القرآن أهل الكتاب إلى التخلي عن مواقعهم للالتحاق بالمسلمين ...ولا شك أن أكبر مانع يقف سدا في سبيل الاستجابة هو المانع النفسي المتمثل في عدم استساغة النفس الانتقال من طور المتبوعية إلى طور التابعية:فاعتبار غيرها مركزا، وهي هامشا ،صعب جدا عليها، حتى أنها لتفضل السقوط في دركات جهنم على قبول الدور الثانوي...ولنا في القرآن والسيرة أمثلة كثيرة على الجاحدين ...الذين يعلمون صدق النبي –ومن جملة ذلك إخباره عن جهنم وأصحابها-ومع ذلك لا يستجيبون بسبب حظ النفس. "سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ" هو البلسم الشافي للنفس ... أفادت أن الجميع سواسية فليس ثمة رفع لعرق على عرق أو أصلية قبيلة وفرعية أخرى..أو مركزية جنس وطرفية آخر... إن كل ما في الأمر هو التساوي في كلمة ...وهذه الكلمة ليست من إبداع العرب ليحصل لهم شرف الاجتهاد، وإنما هي كلمة عليا جاءت تلقينا ب"قل". فانظر-رحمك الله-إلى كرم القرآن..عشر كلمات-فقط- تضمنت عدة أصول، ولما كان الأصل الواحد يندرج تحته ألوف الفروع، فقد أصبح عطاء الآية غير قابل للحصر!! وهذا تذكير بتلك الاصول: -مصدر التلقي هو التلقين .. -الدعوة يجب ان تكون وسطا لا مداهنة ولا تنفير. -دين الله مركز تشد الرحال إليه ، والعلم يؤتى ولا يأتي . -دين الله سماوي ...نسمو به وإليه. -أمة الإسلام واحدة تتجاوز الأعراق والأجناس ومعيار التفاضل فيها هو مدى التمسك بالكلمة.
49-لمحة في قوله تعالى: -{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }البقرة164 -{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ }إبراهيم32 -{أَم | |
|
المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: رد: لمحات بلاغية في أيات قرآنية ........... الخميس مايو 20 2010, 20:54 | |
| نفعنا الله بالقرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه فتح الله عليك بلا تعب ورزقك بلا سبب لا تحرمنا من مثل هاته المواضيع
| |
|