كلّنا يعلم أن المصادر الطبيعية معرّضة للنضوب بما أنهامحدودة ولا يمكن أن تلبّي بما لا نهاية له حاجيات المليارات من سكّان المعمورة. لكنّ النشاط الهدام
للإنسان قد عجّل بنهايتها. يرى البعض أن البشريّة أمامخياريْن فإمّا مراجعة جذرية لنمط حياتنا واستهلاكنا ولعلاقتنا مع الكون والطبيعةوإمّا حرب كونية قد تأتي على الأخضر واليابس وذلك من اجل السيطرة على ما تبقّى من هذه الخيرات. إذا أردنا للأجيال القادمة أن تعيش في أمان فلا مندوحة من ربط أحزمتناوالحدّ من هذا الإهدار الهائل والمخيف للمصادر الطبيعية من غابات وبحار وأراضي زراعية ومناجم ومصادر مياه عذبة....... لا خيار للبشرية سوى أن تراجع مسلّماتهاوتقتصد في هذه المصادر.
إلى حدّ الآن لا نتلمس أي تغيير في سلوك البشرية بل يتواصل هدر المحيط واستنزاف الخيرات وكأنها غير محدودة.
ويقول خبراء (حسب احصاءاجرته مجلّة "العلم والحياة" العدد 243 الصادر في حزيران- يونيو 2008) ان هناك عددامن أهمّ المواد المنجمية مرشحة للنضوب (بالمعنى التجاري) إذا ما تواصلت الوتيرةالحالية لاستغلالها.
ففي سنة 2025 أي بعد 15 سنة سينفذ الزنك والصلب. من العلم أنه دون الصلب المغلفن (Galvanisé) سيصبح من العسير بل من غير الممكن تشييد ناطحات السحاب أو صنع السيارات بل صنع أغلب الآلات التي نعرفهااليوم.
يتكوّن الصلب من حديد مضاف له الكربون وعائم في الزنك المذاب. يحميالزنك الصلب من القرض (Corrosion). فلولا الزنك لانهارت كلّ ناطحات السماء. التقديرات العالمية التي اتفقت عليها كل مؤسسات الاستشراف ومكاتب الدراسات الكبرىتشير إلى أن مناجم الزنك والذهب والأنديوم Indium ستنضب بحلول 2025 وهذا في كلّ أرجاء العالم وبدون استثناء.
ما هو مستقبل ناطحات السماء والسيارات والآلات بعد 15سنة؟ هل هناك حلول بديلة وهل أعدّت البشرية الأدوات العلمية والتقنية لمجابهة مثلهذه المصاعب؟ كلّ الدّلائل تشير إلى عكس ذلك. هذه بعض المحطّات التاريخية الهامّةوالتي يمكن أن تعطينا فكرة عن احتياطي العالم من المواد المنجمية:
*
سنة 2012 ستكون سنة نفاذ "التربيوم" Terbium الذي يستعمل في صناعة الحاشدة الكهربائية Pile وصناعة المرايا التي تعمل بأشعّة "أيكس"(X) وتبعث أضواء خضراء صالحة لصناعةمصباح أشعّة مهبطية (Tubes cathodiques)
*
سنة 2018 ستكون سنة نفاذ "الهافنيوم" Hafnium تستعمل هذه المادة لإنتاج الطاقة النووية بما في ذلك الطاقةالضرورية للغواصات النووية وتمتاز هذه المادة بصلابتها وتستعمل في خيوط المصابيحوالفوانيس ويمكن خلطها بالحديد و مادة التنتال (Tantale) والتيتان.
*
سنة 2021 ستكون سنة نفاذ الفضّة التي تستعمل في صناعة الجواهر والنقود والمسكوكاتالفضية والفضيات والتصوير وفي لإنتاج الكهرباء والإلكترونيات واللّحم وأنواع الخلطالمعدني.
*
سنة 2022 ستكون سنة نفاذ حجر الكحل أو التوتياء Antimoine ويمكن خلطه مع الرصاص لدعم صلابته ويستعمل في الطباعة وفي خلط اللّحم وفي خراطيش الصيدوفي صنع شبه الموصّل (Semi-conducteur) والكشف عن الأشعة تحت الحمراء وخيوطالفوانيس وهو مادّة عازلة.
*
سنة 2023 نهاية البلاّديوم Palladium يستعمل فيصنع الخافت الحافزPot catalytiques وفي الصناعة الإلكترونية وعلاج الأسنان وصناعةالمكثّف ذي الطبقات المتعدّدة وفي صناعة المكوّنات الكهربائية والهواتف الجوالةوالحواسيب وصناعة السيارات والآلات الإلكترونية المنزلية...
*
سنة 2025: نهاية الذهب
* سنة 2028: نهاية القصدير
* سنة 2030: نهايةالرّصاص
* سنة 2039: نهاية النحاس
* سنة 2040: نهايةاليورانيوم
* سنة 2048: نهاية النيكل
* سنة 2050: نهايةالنفط
* سنة 2064: نهاية الذهب الأبي
* سنة 2072: نهاية الغزالطبيعي
* سنة 2087: نهاية الحديد
* سنة 2120: نهايةالكوبالت
* سنة 2139: نهاية الألمنيوم
* سنة 2158: نهايةالفحم
هذا الإنسان الذي أعلن نفسه سيد الكون والمتحكم فيه يخرب الأرض التيحبته ووفرت له الخيرات وهذه قوته وجبروته وغروره تتحوّل إلى ضعف وارتداد. هذاالإنسان يغادر الريف ليلتحق بمدن فاق عدد سكان بعضها 25 مليونا ويسكن عمارات شاهقةشيدت بملايين الأطنان من المعدن.
50%
من سكان العالم يعيشون في المدن وفيسنة 2050 سيسكن 90% من الصينيين المدن الكبرى. كيف سنوفر لهم الغذاء والماء والمسكنووسائل النقل بل حتى الهواء الذي سيستنشقونه.من الأكيد أن أعداد المهمشينوالمتشردين والجياع سيتصاعد لأن نظاما استهلاكيا لا يراعي هذه المعطيات الصارخة لايمكن أن يستمرّ سوى على حساب غالبية الشعوب.الغريب أنه عندما أوردت بعض الصحف والمجلات هذه المعطيات تقبلته الغالبية بالتفنيد والاستغراب إذ أنه من الصّعبعلى من تعوّد على التبذير ومن تربّى على عقلية الاستهلاك دون حدود أن يقبل بهذهالحقائق. يتصرّف هؤلاء كالنعامة: "لا يهمّ ذلك ما دمنا نتمتع اليوم بهذه الخيرات. فالعبرة في اللّحظة الحاضرة وعلى الأجيال القادمة أنْ تجد الحلول". ماذا سنترك لأحفادنا بل لنقل مع الفيلسوف Jean Claude Michéa لمن سنترك هذا الكون.من الأكيد أن هذه القضايا كونية ولا تقبل بأنصاف الحلول أو الحلول الضيقة والمحدودة. فلا مجال للاستسلام واليأس ما دمنا لازلنا نثق في قدرة الإنسان على مراجعة ذاته كمافعل ذلك عديد المرّات في التاريخ. المصدر:المتوسط اونلاين والله اعلم