المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: اليتيم للمنفلوطي ج05 الإثنين أبريل 05 2010, 22:52 | |
| لَبِثَتْ عَلَى ذَلِكَ بُرْهَة مِنْ اَلزَّمَان حَتَّى عُدْت بِالْأَمْسِ إِلَى تِلْكَ اَلْفَضْلَة اَلَّتِي كَانَتْ فِي يَدِي مِنْ اَلْمَال فَإِذَا هِيَ ناضبة أَوْ مُوشِكَة وَكُنْت مَأْخُوذًا بِأَنْ أهيء لِنَفْسِي عَيْشًا مُسْتَقِلًّا وَأَنَّ أودي لِلْمَدْرَسَةِ قِسْطَا مِنْ أَقْسَاطهَا وَالْمَدْرَسَة فِي هَذَا اَلْبَلَد حَانُوت قَاسٍ لَا تُبَاع فِيهِ اَلسِّلْعَة نسيئة وَالْعِلْم فِي هَذِهِ اَلْأُمَّة مرتزق يَرْتَزِق مِنْهُ بِالْإِغْوَاءِ لَا مِنْحَة يَمْنَحهَا اَلْمُحْسِنُونَ فَأَهْتَمنِي نَفْسِيّ وَعَلِمَتْ أَنِّي مُشْرِف عَلَى اَلْخَطَر وَلَا أُعَرِّف سَبِيلًا إِلَى اَلْقُوت بِوَجْه وَلَا حِيلَة فَعَمَدَتْ إِلَى كُتُبِي فَاسْتَبْقَيْت مِنْهَا مَا لَا غَنِيّ لِي عَنْهُ وَحَمَلَتْ سَائِرهَا إِلَى سُوق الوراقين فَعَرَضَتْهُ هُنَاكَ يَوْمًا كَامِلًا فَلَمْ أَجِد مَنْ يُبَلِّغ بِهِ فِي اَلْمُسَاوَمَة رُبْع ثَمَنه فَعُدْت بِهِ حَزِينًا مُنْكَسِرًا وَمَا عَلَى وَجْه اَلْأَرْض أَحَد أَذَلّ مِنِّي وَلَا أَشْقَى . فَلَمَّا بَلَغَتْ بَاب اَلْمَنْزِل رَأَيْت فِي فَنَائِهِ اِمْرَأَة تُسَائِل أَهْل اَلْبَيْت عَنِّي فَتَبَيَّنَتْهَا فَإِذَا هِيَ اَلْخَادِم اَلَّتِي كَانَتْ تَخْدِمنِي فِي مَنْزِل عُمْي فَقُلْت : فُلَانَة قَالَتْ نِعَم قَلَّتْ مَاذَا تُرِيدِينَ قَالَتْ لِي إِلَيْك كَلِمَة فائذن لِي فَصَعِدَتْ مَعَهَا إِلَى غُرْفَتِي فَلَمَّا خَلَوْنَا قُلْت هَاتِ قَالَتْ مَرَّتْ بِي ثَلَاثَة أَيَّام وَأَنَا أُفَتِّش عَنْك فِي كُلّ مَكَان فَلَمْ أَجِد مَنْ يَدُلّنِي عَلَيْك حَتَّى وَجَدْتُك اَلْيَوْم بَعْد اَلْيَأْس مِنْك ثُمَّ أنفجرت بَاكِيَة بِصَوْت عَالٍ فَرَاعَنِي بِمَائِهَا وَخَفَتَ أَنْ يَكُون قَدْ حَلَّ بِالْبَيْتِ اَلَّذِي أُحِبّهُ بِأُسّ فَقُلْت : مَا بُكَاؤُك قَالَتْ أَمَّا تَعْلَم شَيْئًا مِنْ أَخْبَار بَيْت عَمّك قَلَّتْ لَا فَمَا أَخْبَاره فَمَدَّتْ يَدهَا إِلَى رِدَائِهَا وَأَخْرَجَتْ مِنْ أَضْعَافه كُتَّابًا مُغْلَقًا فَتَنَاوَلَتْهُ مِنْهَا فَفَضَّضَتْ غِلَافه فَإِذَا هُوَ بِخَطّ اِبْنَة عَمِّي فَقَرَأَتْ فِيهِ هَذِهِ اَلْكَلِمَة اَلَّتِي لَا أَزَال أَحْفَظهَا حَتَّى اَلسَّاعَة إِنَّك فَارَقْتنِي وَلَمْ تُوَدِّعنِي فاغتفرت لَك ذَلِكَ فَأَمَّا اَلْيَوْم وَقَدْ أَصْبَحَتْ عَلَى بَاب اَلْقَبْر فَلَا أغتفر لَك أَلَّا تَأْتِي إِلَيَّ لِتُوَدِّعنِي اَلْوَدَاع اَلْأَخِير . فَأَلْقَيْت اَلْكِتَاب مِنْ يَدِي وابتدرت اَلْبَاب مُسْرِعًا فَتَعَلَّقَتْ اَلْخَادِم بِثَوْبِي وَقَالَتْ أَيْنَ تُرِيد يَا سَيِّدِي قُلْت إِنَّهَا مَرِيضَة وَلَا بُدّ لِي مِنْ اَلْمَصِير إِلَيْهَا فَصَمَّمَتْ لَحْظَة ثُمَّ قَالَتْ بِصَوْت خَافِت مُرْتَعِش لَا تَفْعَل يَا سَيِّدِي فَقَدْ سَبَقَك اَلْقَضَاء إِلَيْهَا . هُنَالِكَ شَعَرَتْ أَنَّ قَلْبِي قَدْ فَارَقَ مَوْضِعه إِلَى حَيْثُ لَا أَعْلَم لَهُ مَكَانًا ثُمَّ دَارَتْ بِي اَلْأَرْض اَلْفَضَاء دَوْرَة سَقَطَتْ عَلَى أَثَرهَا فِي مَكَانِي لَا أَشْعُر بِشَيْء مِمَّا حَوْلِي فَلَمْ أَفُقْ إِلَّا بَعْد حِين فَفَتَحَتْ عَيْنِي فَإِذَا اَللَّيْل قَدْ أظللني وَإِذَا اَلْخَادِم لَا تَزَال بِجَانِبِي تُبْكِي وَتَنْتَحِب فَدَنَوْت مِنْهَا وَقُلْت أَيَّتُهَا اَلْمَرْأَة أَحَقّ مَا تَقُولِينَ قَالَتْ نِعَم قَلَّتْ قَصِّي عَلَيَّ كُلّ شَيْء فَأَنْشَأَتْ تَقُول : إِنَّ اِبْنَة عَمّك يَا سَيِّدِي لَمْ تَنْتَفِع بَعْد رَحِيلك فَقَدْ سَأَلَتْنِي فِي اَلْيَوْم اَلَّذِي رَحَلَتْ فِيهِ عَنْ سَبَب رَحِيلك فَحَدَّثَتْهَا حَدِيث اَلرِّسَالَة اَلَّتِي حَمَلَتْهَا إِلَيْك مِنْ زَوْجَة عَمّك فَلَمْ تَزِدْ عَلَى أَنْ قَالَتْ وَمَاذَا يَكُون مَصِير هَذَا اَلْبَائِس اَلْمِسْكِين إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ أَمْره وَلَا مِنْ أَمْرِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْرِ ذِكْرك بَعْد ذَلِكَ عَلَى لِسَانهَا بِخَيْر وَلَا بَشَر كَأَنَّمَا كَانَتْ تُعَالِج فِي نَفْسهَا أَلَمًا ممضا وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى سَرَى دَاء نَفْسهَا إِلَى جِسْمهَا فَاسْتَحَالَتْ حَالهَا وَغَاضَ مَاء جَمَالهَا وَانْطَفَأَتْ تِلْكَ اَلِابْتِسَامَات اَلْعَذْبَة اَلَّتِي كَانَتْ لَا تُفَارِق ثَغْرهَا ثُمَّ سَقَطَتْ عَلَى فِرَاشهَا مَرِيضَة لَا تَبُلّ يَوْمًا حَتَّى تَنْتَكِس أَيَّامًا فَرَاعَ أُمّهَا أَمَرَهَا وَوَرَدَ عَلَيْهَا مَا قَطَعَهَا عَنْ ذِكْر اَلْعُرْس وَالْعَرُوس وَالْخُطْبَة وَالْخَطِيب وَكَانَتْ لَا تَزَال تَهْتِف بِذَلِكَ نَهَارهَا وَلَيْلهَا فَلَمْ تَدَع طَبِيبًا وَلَا عَائِدًا إِلَّا فَزِعَتْ إِلَيْهِ أَمْرهَا فَمَا أُغْنِي اَلْعَائِد وَلَا اَلطَّبِيب وَأَصْبَحَتْ اَلْفَتَاة تَدْنُو مِنْ اَلْقَبْر رُوَيْدًا رُوَيْدًا فَبَيِّنًا أَنَا سَاهِرَة بِجَانِب فِرَاشهَا مُنْذُ لَيَالٍ إِذْ شَعَرَتْ بِهَا تَتَحَرَّك فِي مَضْجَعهَا فَدَنَوْت مِنْهَا فَأَشَارَتْ إِلَى أَنَّ آخِذ بِيَدِهَا فَفَعَلَتْ فَاسْتَوَتْ جَالِسَة وَقَالَتْ فِي أَيّ سَاعَة نَحْنُ مِنْ اَللَّيْل قُلْت فِي اَلْهَزِيع اَلْأَخِير مِنْهُ قَالَتْ أأنت وَحْدك هُنَا قَلَّتْ نِعَم فَقَدْ هَجَعَ أَهْل اَلْبَيْت جَمِيعًا قَالَتْ أَلَّا تَعْلَمِينَ أَيْنَ مَكَان اِبْن عَمِّي اَلْآن فَعَجِبَتْ لِكَلِمَة لَمْ أَسْمَعهَا مِنْهَا قَبْل اَلْيَوْم وَقُلْت بَلَى يَا سَيِّدِي أَعْلَم مَكَانه وَمَا كُنْت أَعْلَم شَيْئًا وَلَكِنِّي أَشْفَقْت عَلَى هَذَا اَلْخَيْط اَلرَّقِيق اَلْبَاقِي فِي يَدهَا مِنْ اَلْأَمَل أَنْ يَنْقَطِع بِانْقِطَاعِهِ آخَر خَيْط مِنْ خُيُوط أَجْلهَا فَقَالَتْ أَلَّا تَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحْمِلِي إِلَيْهِ رِسَالَة مِنِّي مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَم أَحَد بِشَأْنِي قُلْت لَا أُحِبّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ يَا سَيِّدَتِي . . .... .... يتبع | |
|