أخرج الترمذي في سننه وصححه من حديث عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: كُنتُ خَلفَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكُ كَلماتٍ: احفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احفَظِ الله تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سَأَلْت فاسألِ الله، وإذا استَعنْتَ فاستَعِنْ باللهِ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله لكَ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يَضرُّوكَ بشيءٍ، لم يضرُّوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبهُ الله عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ».
وفي رواية غير التِّرمذي: «احفظ الله تجده أمامَك، تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء يَعْرِفْك في الشِّدَّةِ، واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً».
قال ابن رجب رحمه الله: "معرفة العبد لربه نوعان: أحدُهما: المعرفةُ العامة، وهي معرفةُ الإقرار به والتَّصديق والإيمان وهذه عامةٌ للمؤمنين والثاني: معرفة خاصة تقتضي ميلَ القلب إلى الله بالكلية، والانقطاعَ إليه، والأُنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون، كما قال بعضهم: مساكينُ أهلُ الدُّنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها قيل له: وما هو؟ قال: معرفةُ الله عز وجل".
ومعرفة الله أيضاً لعبده نوعان: معرفة عامة وهي علمه سبحانه بعباده، واطِّلاعه على ما أسرُّوه وما أعلنوه، كما قال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) وقال: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)، والثاني: معرفة خاصة: وهي تقتضي محبته لعبده وتقريبَه إليه وإجابةَ دعائه، وإنجاءه من الشدائد، وهي المشار إليها بقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكى عن ربِّه: «ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِل حتَّى أُحِبَّه فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصرَه الذي يُبصرُ به ويدَه التي يبطِشُ بها ورجلَه التي يمشي بها فلئن سألني لأُعطِيَنَّهُ ولئن استعاذني لأعيذنَّه».
فالعبد عليه أن يعرف ربه في الرخاء ووقت السرّاء وحين يكون في أحسن حال فيقبل على ربه بالطاعة والعمل الصالح ولا يعصيه أو يغفل عنه حتى إذا ألمت به شدة يعرف ربه صوته فيقول هذا الصوت ما فتئ يدعوني ويستغفرني ويرتّل آياتي فكيف لا أنجيه مما هو فيه ويروى أن يونس -عليه السلام - لمَّا دعا في بطن الحوت قالت الملائكة: "يا ربِّ هذا صوتٌ معروفٌ من بلادٍ غريبة فقال الله - عز وجل -: أما تعرفون ذلك؟ قالوا: ومَنْ هوَ؟ قال: عبدي يونس قالوا: عبدُك يونس الذي لم يزل يُرفَعُ له عمل متقبل ودعوةٌ مستجابة؟ قال: نعم قالوا: يا ربِّ أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيَه من البلاء؟ قال: بلى قال: فأمر الله الحوتَ فطرحه بالعراء".فهذا يونس نبي الله لم ينجه من بطن الحوت إلى ذكره لربه وقت رخائه فقد قال الله سبحانه وتعالى:"فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ".
وقال سلمان الفارسي: "إذا كان الرجلُ دَعَّاءً في السرَّاء فنزلت به ضرَّاءُ فدعا الله تعالى قالت الملائكة: صوتٌ معروف فشفعوا له وإذا كان ليس بدَعَّاءٍ في السَّرَّاء فنَزلت به ضرَّاءُ فدعا الله تعالى قالت الملائكة: صوتٌ ليس بمعروف فلا يشفعون له".
فالعبد لا يجب أن يطغى عليه التفكيرالمصلحي حتى في عبادته فإن كان بصحة جيدة ولا مشاكل تؤرقه كل شيء كما يحب ويتمنى نسي خالقه وأعرض عن ذكره وعند الشدائد يتذكر ربه يجب أن يتفطّن العبد لهذا وأن يعيد النظر فيما يفعل فليس هناك أجمل من لحظات يخلو فيها العبد بربه يدعوه ويستغفره ويتلو آياته يسمعه صوته ويتودد إليه فيعرف ربه ويعرفه ربه وكما قال أحد الصالحين مساكين أهل الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى مافيها قيل :وما أحلى مافيها قال:معرفة الله عزوجل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]