جهود العلماء في خدمة التراث الأندلسي

الأندلس عبق التاريخ الإسلامي،
وتجل من تجليات حضارة أمتنا الإسلامية في مدى ثمانية قرون( 92 – 897 هـ)، تجسدت
فيه وحدة الخلافة والإمارة: أمويون، ومرابطون، وموحدون، كما تفرقت فيه الملوك
والطوائف: فالمعتمد بن عباد، والمستكفي، والمعتصم بن صمادح، والمظفر، والمتوكل،
والمقتدر، والمؤتمن السرقسطي... لكن مشكاة الحضارة - معالم وأعلاما – ما خبت أنوار
مصابيحها، ولا باخت آثارها، شهدت بذلك النهضة الأوربية في العلوم والآداب والفنون
والفكر وغيرها، في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد.


لقد تعددت مناحي الثقافة والعلوم
الإسلامية الأندلسية بمقومي الدين واللغة العربية، ونبغت أسماء من الرجال والنساء
في مر تاريخ حكم المسلمين للأندلس في مختلف المجالات العلمية الشرعية والفكرية
والأدبية واللغوية.


وكما تعددت أسماء العلماء والمفكرين
والأدباء والشعراء، تعددت الحواضر والمدن الأندلسية التي ازدهرت واشتهرت بالفنون
والعلوم والعمران مثل اشبيلية وصقلية وقرطبة وغرناطة وغيرها.


لقد عرفت علوم الدين في الأندلس
حركة علمية واسعة، عنيت بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والفقه والعقيدة...
كما عرفت ميادين الأدب والنقد والإبداع الشعري بأنواعه نهضة كبيرة، نظما وتأليفا،
بل جازت النهضة الأندلسية إلى مجالات اللغة والنحو والتاريخ والتراجم والأخبار...


لكل ما تقدم، ووفاء لروح المرحوم
الأستاذ الدكتور علي لغزيوي الذي يعد من أكثر الباحثين اهتماما بهذا التراث،
تعريفا ودراسة وتحقيقا ، واعترافا بما أسدى، وسيرا على الدرب الذي سلكه تأتي هذه
الندوة العلمية، إسهاما في بيان النهوض الحضاري وشهوده في البيئة الأندلسية
الزاخرة، والكشف عن خبئها، ولفت الانتباه إلى مضايق ومغالق من تاريخها، وإثارة ما
يتصل بمضامينها وأشكالها ومؤتلفاتها ومختلفاتها، ولفت الانتباه إلى مكانة هذا
التراث العظيم الذي يعتبر أثرا لتاريخ مجيد عاشه المسلمون، وأقاموه على صرح العلم
والأدب، واستثمار ما يمتلئ به من القيم الإيجابية أملا في بناء غد مشرق، وتأسيس
معالم قومة حضارية واعدة.