المدير العـام شوقي نذير
الجنس : عدد المساهمات : 919 نقاط : 24925 السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 الموقع : الجزائر تمنراست العمل/الترفيه : استاذ جامعي المزاج : ممتاز تعاليق :
| موضوع: تامنغست، قبلة العارفين الأربعاء يونيو 22 2011, 23:10 | |
|
دنيا الناس تتراقص بين الظواهر والبواطن؛ وعالـَم البشر تتنازعه الحقائق والأكاذيب؛ وسرُّ الوجود لا يدركه إلاَّ صاحبُ حكمةٍ؛ ذلك أنـَّه "مَن يؤتى الحكمة، فقد أوتي خيرا كثيرا". الحكمة عند بعض السادة العلماء هي: "الإصابة في القول والفعل" (الطبري)؛ أي هي: الأساس الثاني من أسس الرشد، في المنظومة المعرفية الرشيدة، والذي نعبر عنه بجملة: "حركية الفكر والفعل". فلو أننا حكَّمنا الظواهر، واعتنقنا الأكاذيب، وطلَّقنا الحكمة، لقلنا إنَّ تمنغست هي: نهاية العالم، وخواء المدنية، والبعد عن الحاضرة؛ وإذا تقدَّمنا خطوة في هذا المنوال، قلنا: إنَّ تمنغست هي الطبيعة الجميلة، والتاريخ الطبيعي الخلاب؛ وهي "المارابو" والأب "بيار دوفوكو"؛ وهي أعاجيب الطوارق، والعيِّنة الأنتروبولوجية المتميزة... وكفى. أمَّا إذا توغَّلنا إلى البواطن، وعانقنا الحقيقة، ثم اقترننا بالحكمة؛ فجملة القول في تمنغست، أنها: بدايةُ العالم، وصلبُ الحضارة، لا بدلالتها المادية، لكن ببعدها الشمولي؛ إنَّ تمنغست بهذه الرؤية، هي: الإنسان، والإيمان، والإحسان... وهي: بديع صنع الله، وقبلة العارفين، ومأوى الباحثين عن الخلاص. في أقلَّ من أسبوع حظينا برحلة ماراتونية إلى قلب بلدنا: تمنغست، ونحن جميعا أسًى وأسفٌ أنها أوَّل مرَّة، وأنَّ جهلَنا ببلدنا بات واضحا فاضحا، وما نحن في ذلك بدعا من الجزائريين؛ إذ يصدق فينا جميعا قول القائل: "وضرب لنا مثلا، ونسي نفسه". والحقُّ أنَّ أهالي تمنغست بقدِّهم وقديدهم، بصغارهم وكبارهم، برجالهم ونسائهم... رحَّبوا بنا، وأنزلونا أهلا وسهلا؛ لكن، كلٌّ بطريقته ومِن موقعه، لا على شاكلة السياحة الفلكورية المائعة، بل على مذهب الشاعر الفحل محمد مأمون نجم، وهو ينشد بلسان أقحاح تمنغست الشهامة: إني لمن قومٍ إذا ما صودرت راياتهم ظنوا الحياة حراما...!! صبحٌ تنفَّس في العروق.. يقول لي: "نحيا كراماً.. أو نموت كراما"..! بدايةً من المساجد، حيث فتِحت لنا أبوابها، وأعِدَّت منابرها، ودعي مصلُّوها؛ لنلقي عليهم درسا، وندوة، ومحاضرة: في المسجد العتيق أولا، ثم في مسجد فاطمة الزهراءة ثانيا، وفي مسجد الرحمة ثالثا؛ وفي كلِّ ذلك كنا "كحامل تمر إلى هجر"؛ لا نعلِّمهم إلاَّ لنتعلم منهم، ولا نعظهم بمقالنا إلاَّ ليعظونا بحالهم... فلا خفَرَ الله لهم ذمَّةً، ولا نكس لهم راية. ثم في المدارس القرآنية كانت لنا جولات: مِن مدرسة الشيخ سلامة، إلى مدرسة الشيخ باعموري، وما بين هذه وتلك مشاريع تعليمية قد لا يعرف الناس قدرها، لكنها مِن عالم الملائكة محتدُها؛ إنها مصانعُ للرجولة، ومزارعُ للفضيلة، ومخابرُ للحكمة، ومراتعُ للأنس، ومرابعُ للأمل؛ مَن دخلها كان آمنا، ومن رفعها كان آمنا، ومَن لازمها كان آمنا، ومن أمَّها كان آمنا... وخلال وجبات الطعام، التي لا تقلُّ عن "العجل الحنيذ" قدرا، في أغلب الأحيان؛ كانت البركة تتنزَّل علينا، ونسمات السكينة تغمرنا، ولعلَّ الواحد منَّا لو أصاخ أذنيه لسمِع نفحةً من الملأ الأعلى تخاطب الملائكة: "أولئك القوم لا يشقى جليسهم... أولئك الجلساء، لا يشقى جليسهم". ومع محاورة العلماء المشايخ المربِّين: باعموري، وسلامة، والتهامي، وتقدَّة، والهداجي، وفيلي... وغيرهم كثير؛ مع هذه المحاورات نُبصر النورَ يغمر الكون عطفا وريا؛ ونجد بشائر القبول مقبلة شوقا وعشقا؛ ونتأكد أنَّ العلم له أهله، وأنَّ هؤلاء هم أهله وذووه؛ هم ألصق الناس به، وأكثرهم وفاء لنفحاته. ثم تأتي مديرية الشؤون الدينية لتفتح قلبها مهلِّلة بمقدمنا، حُسنَ ظنٍّ منها، وكرما ووفاء وإخلاصًا من قِبلها؛ وفي هؤلاء يصدق الحديث القدسي الزكي، الذي يقول فيه رب العزة: "أنا الله، لا إله إلاَّ أنا، خلقتُ الخير وقدَّرته، فطوبى لمن خلقته للخير، وخلقت الخير له، وأجريت الخير على يديه". ولا يمكن أن نغفل جنودا للخدمة، لا تسمع منهم إلاَّ الكلمةَ الطيبة، تعلو وجوهَهم الابتسامة في كلِّ حين، لله ذرهم وهم يخدمونك ويعتذرون إليك؛ لله ذرُّهم وهم يُعطونك من حالهم ومالهم ومقالهم، كأنَّ الذي أعطوك هم آخذوه! ولنذكُر من هؤلاء: إبراهيم، والصديق، وشريف، وخموين، وعبد الرحمن، ومحمد، وأحمد... وغيرهم ممن عرفه الله وجهلوه. هذه ومضة، وخاطرة، وإطلالة، وعبرة، ونكتة... مما يمكن أن يقال عن هذه الرحلة المباركة، إلى تمنغست العليَّة؛ دون أن ننسى جمال طبيعتها وآثارها، وطيب مأكلها ومشرَبها، وعذوبة شايها ولبنها، وسلاسة كلامها ولسانها؛ ولقد سألني المشايخ، وبخاصة الإذاعة المحلية الوفية: ما هي انطباعاتك عن تمنغست؟ فقلت، ولم أتردد هنيهة: لا عيب فيها ولا فيكم، إلاّ أنَّ زائركم ينسى أهله وبلده! ولقد وصلتُ إلى أهلي فلقيتهم وهم متوجِّسون خيفةً؛ وما ذلك إلاَّ أني نسيتهم بالفعل؛ وصدق مَن قال في مقام آخر، نتمثَّله اللحظة في مقامنا هذا: "فإذا قضيتم مناسككم، فاذكروا الله كذكركم آباءكم، أو أشدَّ ذكرا"... سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك... والحمد لله ربِّ العالمين. محمد باباعمي، الإثنين, 19 رجب 1432هـ / 20 يونيو 2011 مصدر الصورة: flickr.com ------------------------------------------------- ملاحظات: *فريق الرحلة الممثل لمعهد المناهج، يتكون إضافة إلى كاتب المقال، من: محفوظ جلمامي حاني، طه كوزي، مصطفى شريفي، سليمان باباعمي... بتنسيق من الأخ الصديق أبو بكر بهون علي. *برنامج الرحلة كان من يوم السبت 11 جوان، وهو يوم الانطلاق من العاصمة، إلى يوم 19 يوم الوصول إلى العاصمة؛ قاطعين أكثر من 4000 كلم، بين الذهاب والإياب والتنقل داخل المنطقة. والحمد لله. *موضوع درس المسجد العتيق: "واجب الألفة بين القلوب"، وندوة مسجد فاطمة الزهراء: "تربية الأولاد وبرمجة الوقت صيفا"، ومحاضرة مسجد الرحمة: "شبهات حول القرآن الكريم والرسول الأمين، والرد عليها".
| |
|