في ابتداء بناء بيت المقدس والمسجد الأقصى
روى البخاري رحمه الله ورضي عنه في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول. قال: (المسجد الحرام) قال: قلت: ثم أي? قال: (المسجد الأقصى) قلت: كم كان بينهما? قال: (أربعين سنة ثم أينما أدركتك الصلاة فصل، فإن الفضل فيه). هكذا نقلته من البخاري.
روى الحافظ في كتابه المستقصى بسند من أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول? قال: (المسجد الحرام) قلت: ثم أي? قال: (المسجد الأقصى) قلت: كم كان بينهما? قال: (أربعين سنة) ثم قال: زاد الفرا: (أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد). ثم قال: هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين وأخرجه النسائي والقزويني نقلته من باب: أي مسجد وضع في الأرض أول من باب: فضائل بيت المقدس يروى بعد ذلك باب بني بيت المقدس على أساس قديم قال: والأساس الذي أسسه سام بن نوح عليهما السلام ثم بناه داود وسليمان عليهما السلام على ذلك الأساس قلت: وقد يقال ينبغي أن يكون الذي أسسه سام عليه السلام على بناء القبلة الحديث المقدم فإنه روي عن الأزرقي عن مجاهد رضي الله عنهما قال: (لقد خلق الله الأرض بألفي عام، وإن قواعده في الأرض السابعة السفلى) ثم روى عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن البيت الحرام من بناء الملائكة عليهم السلام.
ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن آدم عليه السلام أول من أسس وصلى فيه وطاف به ثم درس موضع البيت من الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده، وإذا كان الأمر كذلك وكان بينه وبين المسجد الأقصى أربعون سنة، كان ابتداء المسجد الأقصى قبل سام عليه السلام، فإنه قال في كتاب المغني في غريب المهذب أنه كان بين آدم ونوح عليهما السلام ألف ومائة سنة ونبه الإمام الخطابي في كتاب الأعلام له على أن من بني المسجد بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان عليهما السلام ثم بناء داود وسليمان وزادا قبة ووسعاه فأضيفا بناؤه إليهما والله تعالى أعلم
الفصل الثاني
في ابتداء شد الرحال إلى بيت المقدس
وفضل ابنائه وأسراجه ومن أين يدخل بيت المقدس ومن أين يدخل مسجدها وفضل إتيان بيت لحم والصلاة فيه عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس. قال: (أرض المنشر والمحشر إئتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة)، قالت: أرأيت إن لم نطق نتحمل إليه ونأتيه قال: (فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله فأنه من يهدي إليه، كان لمن صلى فيه) أخرجه القزويني من باب إسراج بيت المقدس.
وعن كعب رضي الله عنه: لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس وضع القربان في رحبة المسجد ثم قام على الصخرة ثم قال بعد ثناء وحمد: اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: أن لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل منه وتتوب عليه وتغفر له ولا يدخل إليه خايف لم يتعمده إلا لطلب الاستشقاء أن تشقى له وأن لا تعرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه اللهم أن أجيب دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أن تقبل قربانة فنزلت نار من السماء فاحتملت القربان فصعدت به إلى السماء (نقلته من أخر باب بناء سليمان بيت المقدس).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): (لما بنى سليمان بيت المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتان وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه سأله حكما يوافق حكمه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك وسأله أن لا يأتي أحد هذا البيت يصلي فيه لرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك). وعنه أيضاً أنه قال: (أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس قرب قربانا فتقبل منه ودعا الله دعوات منهن، قال: اللهم أنما عبد مؤمن بك زارك في هذا البيت نايبا إليك، أنما جاء يتنصل من ذنوبه وخطاياه أن تتقبل منه وتنزله من خطاياه كيوم ولدته أمه). وفي رواية: (تنزعه من خطاياه).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم): (لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل ثلاث خصال حكما توافق حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ولا يأتي أحد هذا البيت لا ينتهين إلا الصلاة فيه تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الثنتان فقد أعطيهما، وأما الثالثة فأرجو أن يكون قد أعطيها)، فقال: دعا نبي وجاءني وتوفي، رواية أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن سليمان ابن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل حكما حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ولا يأتي هذا أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطى الثالثة) (رواه النسائي وابن ماجه). وعن أبي العوام رضي الله عنه أنه قال: لما فرغ نبي الله سليمان من بناء بيت المقدس ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة ثم قال: اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له ذنبه أو ذي ضر فاكشف ضره قال: فلا يأتيه أحداً إلا أصاب من دعوة سليمان خيراً كثيراً (نقلته من باب دعاء سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء المقدس) إنتهى.
عن شداد بن أوس وضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله: كيف أسرى بك? قال: (صليت بأصحابي صلاة الغمة بمكة معتما فأتاني جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل، فقال اركب فاستصحبني على فقادها بأذنها وحملني عليها ثم انطلقت تهوي، يقع حافرها حيث أدرك طوقها حتى بلغنا ارضا ذات نخل فانزلني، فقال: صل فصليت ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت? قلت: لا أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة. قال: فانطلقت تهوي يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا فقال: أنزل فصلى فنزلت ثم قال: فصلى فصليت، ثم قال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم. قال: صليت بمدين صليت عند شجرة موسى عليه السلام، ثم انطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها فقال: أنزلت فنزلت فقال: صلى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت. قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأنا قبلة المسجد فربط دابته فيه ثم دخلنا المسجد من باب فيه تمثيل الشمس والقمر فصليت في المسجد حيث شاء الله تعالى وأخذ مني العطش أشد ما اخذني فأوتيت بأناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر أرسل إلى بهما جميعا فعدلت بينهما، ثم هداني الله عز وجل فأخذت اللبن فشربت منه حتى عرفت به جيئتي وبين يدي شيخ شكى على مثران له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة ليهدي ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي فيه المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي).
قال: قلت يا رسول الله كيف? قال: مثل الحمة السخنة ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا قد أحلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم، فقال بعضهم هذا صوت محمد صلى الله عليه وسلم ثم أتيت أصحابي، قبلة الصبح، فأتاني أبو بكر. فقال: أين كنت الليلة فقد التمستك في مضانك فقال: أعلم أني أتيت المقدس الليلة فقال يا رسول الله: أنه سبين، فصفه لي قال ففتح لي صراط كأني انظر إليه لا تسألني عن شيء إلا ابنائه به. قال أبو بكر رضي الله عنه: أشهد أنك رسول الله. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس الليلة قال: فقال إني سرابه ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا وقد اضلوا بعيراً فجمعه فلان وإن مسيرهم بكذا ثم كذا ولاقوكم بكذا يقدمهم جمل أدم عليه مسخ أسود وغدارتان سوداوتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذا رأيته في رواية البيهقي ثم عقبه هذا الإسناد صحيح ورأيت هذا الحديث في كتاب فضل الخيل منقولا عن رواية الطبري وغيره وفيه بدابة بيضاء من غير شك وفيه أولا حتى بلغنا أرضاً ذات نخل فقال: أنزلت فنزلت ثم قال صلى فصليت ثم فيه بعد قوله: إدرك طرفها حتى بلغنا أرضا بيضاء فقال: أنزل فنزلت ثم قال: صلى فصليت وفيه: ثم مررنا بأرض بدت لنا قصورها فقال: أنزل ونزلت به، قال: صلى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم عليه السلام.
الفصل الثالث
في فضل الصلاة في بيت المقدس
وفضل الحج والصلاة في مسجد المدينة والمسجد الأقصى في عام واحد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة فيما حواله إلا في المسجد الحرام ومسجدي هذا).
عن أبي الدرادء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة في المسجد الحرام تفضل على غيره بمائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة).
وفي حديث آخر عن أبي المهاجر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في بيت المقدس غفرت ذنوبه كلها).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلوته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلوته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلوته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلوته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة).
وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في بيت المقدس خمس صلوات نافلة كل صلاة أربع ركعات يقرأ في الخمس صلوات بعد فاتحة الكتاب عشرة الف مرة (قل هو الله أحد) فقد اشترى نفسه من الله تبارك وتعالى وليس للنار عليه سلطان).
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بعشرين ألف صلاة).
وعن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج واعتمر وصلى في بيت المقدس جاهزون ابط فقد استكمل جميع سنتي).
وعن مكحول رضي الله عنه قال: (من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلى الصلاة فيصلي فيه خمس صلوات صبحا وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً ثم يصلي الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
وعن مكحول أيضا رضي الله عنه قال: (من زار بيت المقدس شوقا إليه دخل الجنة مدللا ورفادة جميع الأنبياء في الجنة وهبطوه بمنزلته عند الله عز وجل وإنما رفقة خرجوا يريدون بيت المقدس شيعهم عشرة آلاف ملك يستغفرون لهم ويصلون عليهم ولهم بكل يوم يقيمون فيه صلاة بسبعين ملك، ومن دخل بيت المقدس طاهرا من الكبائر تلقاه بمائة رحمة ما بها رحمة إلا لو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم، ومن صلى في بيت المقدس ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان له بكل شعره في جسده حسنة، ومن صلى في بيت المقدس أربع ركعات مر على الصراط كالبرق الخاطف وأعطى أمانا من الفزع الأكبر يوم القيامة، ومن صلى في بيت المقدس ست ركعات أعطى مائة دعوة مستجابة أدناها براءة من النار ووجبت له الجنة، ومن صلى في بيت المقدس ثمان ركعات كان رفيق إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرات كان له مثل حسناتهم ودخل على كل مؤمن ومؤمنة سبعون مغفرة ذنوبهم كلها).
وعن محمد بن أبي شعيب قال: قلت لعثمان بن عطاء الخراساني ما يقول في بيت المقدس? قال: أنه فضل فيه فإن داود أسسه وسليمان عليهما السلام بنائه مخلطة بالذهب لبنه ذهب ولبنه فضة، وليس فيها شبراً إلا وقد سجد له ملك أو نبي فلعل أن تنال جبهته جبهة ملك أو نبي.
وعن سفيان الثوري أنه سأله رجل بمكة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في الصلاة في هذه البلدة? قال: بمائة ألف صلاة. قال: ففي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم? قال: بخمسين ألف صلاة، قال: ففي بيت المقدس? قال: بأربعين ألف صلاة، قال: ففي دمشق? قال: بثلاثين ألف صلاة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: من حج وصلى في المدينة والمسجد الأقصى في عام واحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.