منتدى الشريعة والقانون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشريعة والقانون

**وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا**
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء


 

 تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العـام
شوقي نذير
شوقي نذير
المدير العـام


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 919
نقاط : 24925
السٌّمعَة : 7

تاريخ التسجيل : 10/02/2010
الموقع : الجزائر تمنراست
العمل/الترفيه : استاذ جامعي
المزاج : ممتاز
تعاليق : من كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها
ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم
ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس
(فكل ميسر لما خلق له فأعرف أين تضع نفسك ولا تتشتت)


تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة Empty
مُساهمةموضوع: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة   تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة Icon_minitime1الجمعة مارس 25 2011, 16:59

تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

د. أيمن صالح

21-3-2011م

ملاحظة هامة: هذا بحث سريع بقصد المذاكرة والتباحث مع أهل العلم وطلابه، وليس هو فتوى أو قولا محققا.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:
فالسائد بين الفقهاء المعاصرين هو تحريم ما لم تدع إليه الحاجة من "جراحة التجميل". وذلك بناء على أن جراحة التجميل من "تغيير خلق الله" وهو لا يجوز إلا استثناء لعلاج أو لإزالة عيب يتسبب في ضرر مادي أو معنوي جسيم.

وضابط التغيير المحرم الذي يُستنبط من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن هو، كما قاله د. صالح الفوزان: "إحداث تغيير دائم في خِلْقةٍ معهودة"
ثم قال موضِّحا:
((وفيما يلي بيان أبرز قيود هذا الضابط :
"تغيير":
هذا التغيير إما أن يكون بإضافة كالحقن التجميلي والترقيع ونحوهما، وإما
أن يكون بإزالة بعض أنسجة الجسم كشفط الدهون، وإما أن يكون بتعديل مظهر بعض
الأعضاء بتكبيرها أو تصغيرها أو شدّها.

"دائم":
المراد أن أثره يمكث مدّة طويلةً كالأشهر أوالسنوات، ولا يلزم أن يدوم مدى
الحياة، وهذا قيد يخرج التغيير المؤقَّت الذي لا يدوم أثره أكثر من عدّة
أيام.

"خِلْقةٍ معهودةٍ":
أي الخِلْقة المعتادة التي جرت السنة الكونية بمثلها، فالمعتاد مثلاً في
كبار السن وجود التجاعيد في وجوههم، أما الصغار فإن وجودها بشكل مشوَّه
يُعد خِلْقةً غير معتادة ولا معهودة، وتقييد التغيير بحدوثه في الخلقة
(العضو) يعني أن التغيير يظهر على العضو، وليس بإضافة شيء خارجي إليه.

وهذا القيد (خِلْقة معهودة) يتناول التغيير لعدّة دوافع :

تغيير الخلقة المعهودة لطلب زيادة الحسن كالوشم والنمص والتفليج وما يُلحق
بها من الجراحات التجميلية التي تُجرى لخِلقة معتادة في عرف أوساط الناس.
وهذا أشهر دوافع التغيير المحرم للخِلْقة كما سيتبين في الأبواب القادمة.

2ـ تغييرها للتعذيب كفقء الأعين وقطع الآذان ونحو ذلك.
3ـ تغييرها للتنكّر والفرار من الجهات الأمنية.
ويخرج
بهذا القيد تغيير الخِلْقة غير المعهودة كما في علاج الأمراض والإصابات
والتشوّهات والعيوب الخَلْقية أو الطارئة التي ينشأ عنها ضرر حسي أو نفسي،
كما أنه لا يتناول التغيير المأذون فيه شرعاً كالختان وإقامة العقوبات
الشرعية
)) انتهى من هنا.

ومن الشرح يظهر لنا أن
الفوزان لا يقصد بالتغيير الدائمِ المؤبَّدَ، وكذا لا يُدْرِجُ فيه ما ورد
النص بالإذن به كالحدود والوسم ونحوها؛ لذلك يمكننا تعديل الضابط ليكون
أكثر دقة وإفصاحا عن مراده بالقول ضابط التغيير المحرم على رأي الفوزان هو:
"إحداث تغيير طويل البقاء نسبيا على خلقة معهودة لزيادة الحسن أو لغرض غير مشروع"

فهل يستقيم هذا الضابط على السَّبْر؟
يَرِدُ على هذا الضابط اعترضان أساسان:
أحدهما : على قيد "طول البقاء
فقد رأى الشيخ تحريم ما يدوم أشهر وسنوات دون ما يبقى أياما. وهذا غريب؛
إذِ النمص الذي ورد النص بحرمته لا يدوم أشهر. والحناء وصبغ الشعر الذي ورد
النص بجوازه قد يدوم أشهر. ووصل الشعر، وهو محرم بالنص، قد يدوم أشهر
كثيرة. وبناء على هذا المعيار قد يباح نفخ الشفاه المؤقَّت، ويحرم تركيب
الأسنان وتقويمها بقصد التجميل لأنه يدوم طويلا.

والثاني : على قيد "الخلقة غير المعهودة
فبناء عليه أجاز الشيخ إزالة العيوب والتشوهات الخلقية أو الطارئة بسبب
المرض والحرق ونحوه. وهذا يصتدم مباشرة مع تحريم وصل الشعر، إذ الوارد أنه
في امرأة عروس مرضت فتمعط شعرها، وهو يدل على عدم الإذن حتى في حالة العيب
طارئ. وبناء عليه لم ير الشيخ جواز تغيير العيوب التي تنشأ عن كبر السن وعن
الولادات المتكررة لأنها معتادة.

وإذا كان هذا الضابط كذلك فهل هناك ضوابط أخرى مقترحة أو يمكن اقتراحها؟
هناك ضابط يمكن استنباطه من اجتهادات الطبري في هذه المسألة وهو:
"الأصل أن كل تغيير للخلقة لغرض التجميل محرم إلا ما ورد الشرع باستثنائه".
وبناء عليه يحرم على المرأة عند الطبري: "تغيير
شي مِنْ خَلْقِهَا الَّذِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ
نُقْصَانٍ، الْتِمَاسَ الْحُسْنِ لِزَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءً فَلَجَتْ
أَسْنَانَهَا أَوْ وَشَرَتْهَا، أَوْ كَانَ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ
فَأَزَالَتْهَا أَوْ أَسْنَانٌ طِوَالٌ فَقَطَعَتْ أَطْرَافَهَا. وَكَذَا
لَا يَجُوزُ لَهَا حَلْقُ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ أَوْ عَنْفَقَةٍ إِنْ
نَبَتَتْ لَهَا، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَ
عِيَاضٌ: وَيَأْتِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ خُلِقَ بِأُصْبُعٍ
زَائِدَةٍ أَوْ عُضْوٍ زَائِدٍ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ وَلَا نَزْعُهُ،
لِأَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنْ تَكُونَ
هَذِهِ الزَّوَائِدُ تُؤْلِمُهُ فَلَا بَأْسَ بِنَزْعِهَا عند أبي جعفر
وغيره"
أهـ من القرطبي

وأما على رأي الفقهاء الذين استثنوا نمص اللحية والشارب ونحو ذلك من التحريم، فيصلح لهم الضابط الآتي:
"الأصل أن كل تغيير للخلقة لغرض التجميل محرم إلا ما لم يكن معهودا"
وهذا نوع استثناء من عموم
الأحاديث الناهية عن النمص والوشر والفلج والوصل والوشم، ولا دليل عليه إلا
بالقول: إن ما أبيح هنا هو من قبيل النادر الشاذ الذي لا يستبعد استثناؤه
من عموم الأدلة الناهية بضربٍ من الاستحسان كالحاجة والحرج وربما بما دون
ذلك.

ولكن يرد على هذا
الاستثناء حديث تحريم الوصل، فقد كان في وضع نادر طارئ غير معهود (عروس
صغيرة السن تمعط شعرها نتيجة المرض)، ومع هذا فلم يأذن به النبي صلى الله
عليه وسلم. واستثناء صورة سبب الورود من العموم لا يجوز لأنه يشملها قطعا
كما هو مقرر في الأصول.

ومسألة التجميل لا شك مهمة
جدا لعموم البلوى بها لا سيما في هذا الزمن، وفي الوقت نفسه هي مشكلة جدا،
ولذلك كثرت أقوال الفقهاء فيها وخلافاتهم، وما من ضابط يذكر وعلة تورد إلا
ويرد عليهما من المسائل والنصوص ما ينقضهما. قال القرطبي بعد أن أورد طرفا
من أحاديث النمص والوشر والفلج والوشم:

"وَاخْتُلِفَ
فِي الْمَعْنَى الَّذِي نُهِيَ لِأَجْلِهَا، فَقِيلَ: لِأَنَّهَا مِنْ
بَابِ التَّدْلِيسِ. وَقِيلَ: مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ
تَعَالَى، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَهُوَ
يَتَضَمَّنُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْمَنْهِيُّ
عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ بَاقِيًا، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ
تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا مالا يَكُونُ بَاقِيًا
كَالْكُحْلِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ لِلنِّسَاءِ فَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ
ذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ
"


وما أراه هنا: هو أن تغيير خلق الله تعالى لا يحرم لمجرَّد أنه تغيير، وإنما يحرم منه:

  1. ما
    يترتب عليه اعتقادٌ شركي (لقوله تعالى ولآمنهم فليبتكن آذان الأنعام)
    وهي البحيرة التي كانوا يقطعون أذنها ويحرمونها إذا جاءت بخمسة أبطن
    وكان الخامس ذكرا تقربا إلى أوثانهم،

  2. أو كان فيه ضرر لعموم الأدلة المحرمة للضرر،
  3. أو تشويه لنهيه، صلى الله عليه وسلم، عن المثلة،
  4. أو دخل في حدِّ الإسراف، لعموم الأدلة المحرمة للسرف،
  5. أو قصد به الوصول إلى غرض محرم، كتجمل المرأة لغير زوجها وذلك لأن الأعمال بالنيات والأمور بمقاصدها.
وما خلا هذه الأمور من تغيير لخلق الله تعالى في الجماد أو النبات أو الحيوان أو الإنسان يجري على أصل الإباحة.
وأما قوله تعالى: من قول
الشيطان (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)، وهو أقوى الأدلة في تحريم تغيير
الخلق عموما، فليس المقصود به ما قد يتبادر إلى الذهن من تغيير الخلق
الظاهر بل ـ وكما هو رأي جمهور المفسرين ـ المقصود هو تغيير الفطرة
الحنفيية التي خلق الله الناس عليها إلى الشرك والكفر وعبادة غير الله
تعالى. ويكون معنى هذه الآية كمعنى قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وكما في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ،
فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا
تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ
جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ}، رواه البخاري. وكما في حديث
عياض بن حمار رضي الله عنه:"َإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ
كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ
دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ
أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، [وفي رواية عند
النسائي وغيره وأمرتهم أن يغيرو خلقي] وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ
الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ..." رواه مسلم.

وأما التعليل بتغيير
الخِلْقة، كما في حديث علقمة عن ابن مسعود: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ
وَالمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ
المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي
أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ
بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي
أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ
اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ
قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ؟ قَالَتْ:
بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى
أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ
فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ
كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا. متفق عليه، فهو مشكِلٌ حقَّا، والذي يظهر لي
أنه من تعليل ابن مسعود رضي الله عنه، اجتهاداً منه؛ لأنه ليس في رواية
الحديث ما يدل صراحة على رفع جميع ألفاظ الحديث إلى النبي، صلى الله عليه
وسلم، بل المتيقن رفعه هو اللعن فحسب. ويؤيد ذلك أن الثابت عن النبي، صلى
الله عليه وسلم، عن غير صحابي هو اللعن أو النهي مجردا دون التعليل
بالتغيير أو غيره، بل حتى في بعض روايات الحديث التي صرح فيها ابن مسعود
برفع الحديث إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيها التعليل
بالتغيير، كما في رواية أحمد بسند حسنه ابن حجر وقال الأرناؤوط: إسناده
قوي، عن مسروق: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَتْ:
أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْوَاصِلَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ:
أَشَيْءٌ تَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ، أَمْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ،
وَعَنْ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ تَصَفَّحْتُ مَا بَيْنَ
دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ الَّذِي تَقُولُ قَالَ:
فَهَلْ وَجَدْتِ فِيهِ: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ
النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ
دَاءٍ "، قَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَلَعَلَّهُ فِي بَعْضِ نِسَائِكَ؟ قَالَ
لَهَا: ادْخُلِي، فَدَخَلَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ
بَأْسًا، قَالَ: مَا حَفِظْتُ إِذًا وَصِيَّةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ:
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}. ومن
فوائد هذه الرواية أنها وردت بلفظ النهي وهو أخف من اللعن الوارد في رواية
علقمة، كما أنه لا يشتمل على ذكر علة تغيير خلق الله تعالى كما في رواية
علقمة، ثم فيه التصريح بالجزء المرفوع من الرواية الأخرى وهو لا يشتمل على
ذكر التغيير.

فإن قيل: إذا أبطلتَ علة "تغيير الخلق" في النهي عن النمص والوشر والوصل والوشم، فما هي علة التحريم إذن؟
فالجواب قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره بعد أن ذكر شيئا من أصناف التغيير المحرم: "وَلَيْسَ
مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِمَا
أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَلَا مَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْحُسْنِ فَإِنَّ
الْخِتَانَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ لِفَوَائِدَ
صِحِّيَّةٍ، وَكَذَلِكَ حَلْقُ الشَّعْرِ لِفَائِدَةِ، دَفْعِ بَعْضِ
الْأَضْرَارِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ لِفَائِدَةِ تَيْسِيرِ الْعَمَلِ
بِالْأَيْدِي، وَكَذَلِكَ ثَقْبُ الْآذَانِ لِلنِّسَاءِ لِوَضْعِ
الْأَقْرَاطِ وَالتَّزَيُّنِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ
لَعْنِ الْوَاصِلَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ
فَمِمَّا أَشْكَلَ تَأْوِيلُهُ. وَأَحْسَبُ تَأْوِيلَهُ أَنَّ الْغَرَضَ
مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ سِمَاتٍ كَانَتْ تُعَدُّ مِنْ سِمَاتِ الْعَوَاهِرِ
فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ، أَوْ مِنْ سِمَاتِ الْمُشْرِكَاتِ، وَإِلَّا فَلَوْ
فَرَضْنَا هَذِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا لَمَا بَلَغَ النَّهْيُ إِلَى حَدِّ
لَعْنِ فَاعِلَاتِ ذَلِكَ. وَمِلَاكُ الْأَمْرِ أَنَّ تَغْيِيرَخَلْقِ
اللَّهِ إنّما يكون إِنَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ حَظٌّ مِنْ طَاعَةِ
الشَّيْطَانِ، بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَامَةً لِنِحْلَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ، كَمَا
هُوَ سِيَاقُ الْآيَةِ وَاتِّصَالُ الْحَدِيثِ بِهَا. وَقَدْ أَوْضَحْنَا
ذَلِكَ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى: النَّظَرُ الْفَسِيحُ عَلَى مُشْكِلِ
الْجَامِعِ الصَّحِيحِ
" .

والأصح من هذا في نظري أنه
ليس شرطا أن تنتظم الأفعالَ الأربعة جميعَها علِّةٌ واحدة، فنقول: النمص
والوصل حُرِّم للتدليس على الناظرين، ومنهم الخُطَّاب والخاطِبات، وعليه
فيحرم ذلك على غير ذات الزوج إلا أن تكون من القواعد، ويحل للمتزوجة بإذن
زوجها كما هو رأي بعض الفقهاء. وأما التفليج والوشر فيحتمل التدليس كما قال
النووي (لأن الفلج من سمات صغار السن)، ويحتمل الضرر لأن نحت السن يأكل
طبقته التاجية فيجعله عرضة للتسوس والخراب السريع، وأما الوشم فلارتباطه
بعادات شركية، أو لأضراره الكثيرة لا سيما في العصور القديمة (انظر هنا).

فإذا تقرر ما سبق فإن ما أراه ضابطا موجزا للتغيير المحرم هو:
"كل تغيير كان فيه شرك أو ضرر أو تشويهٌ أو تدليس أو إسراف أو قصدٌ محرم"

وفي ضوء هذا الضابط، يحرم
على غير المزوجة أن تفعل فعلا تجميليا تدليسيا، بأن تخفي عيبا يظهر لزوجها
المحتمل فيما بعد، ويدخل في هذا النمص والوصل ونحوه مما لا يتميز لدى
الناظر كونه طبيعيا أو اصطناعيا، وكذا يحرم الصبغ بالسواد لنفس العلة، وكذا
عدسات العيون الملونة التي يظنها الرائي طبيعية، ويجوز التجمل بما يظهر
للناظر كونه إضافة غير أصلية كأحمر الشفاه والاكتحال ونحو ذلك.

وفي ضوء هذا الضابط تجوز
الهندسة الوراثية (تغيير للخلق على المستوى الجيني) للنبات والحيوان
والإنسان بشرط تيقن عدم وجود ضرر منها كما ذهب إليه المجمع الفقهي

وفي ضوء ذلك لا يحرم على
العزباء والمتزوجة كليهما إصلاح عيب بالجراحة التجميلية إصلاحا دائما
(كإزالة شامة أو بقعة داكنة في وجهها أو جسدها، أو عمل تقويم لأسنانها)،
لأن الإزالة الدائمة لا تتضمن تدليسا وتغريرا.

وفي ضوء ذلك قد يفتى
بإباحة عمليات التجميل التي تجريها المرأة لإزالة التجاعيد من الوجه
الناتجة عن كبر السن إذا كان ذلك بإذن الزوج، قياسا على النمص والوصل بإذن
الزوج كما قال به بعض الفقهاء.
أؤكد مرة أخرى أن هذا النظر السريع في المسألة إنما أردت به المذاكرة وليس هو من قبيل الفتوى بل بغرض التباحث مع أهل العلم

الموضوع منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://acharia.ahladalil.com
 
تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مؤتمر اللغة العربية وآدابها: رؤية معاصرة
» الحديث الذي ابكى رسول الله صل الله عليه وسلم
» احذر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم،،،فهو مجاب
» محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
» ندوة دولية في موضوع: التعليم العالي والبحث العلمي في الدراسات الإسلامية رؤية استشرافية في ضوء التحولات المعاصرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشريعة والقانون  :: الفضاء الشرعي :: رواق الفقه وأصوله-
انتقل الى: