- المفاوضات والإستقلال :-
بعدما قطعت الثورة الجزائرية شوطا كبيرا من الكفاح المسلح، وبعدما ثبتت أقدامها جيدا، خصوصا بعد مؤتمر الصومام 20
أوت 1956 الذي أعطى لها نفسا قويا، وتنظيما محكما سواءا في الميدان الحربي على المستوى الداخلي حيث فرضت الثورة
نفسها، ولم يستطيع العدو الفرنسي أن يوقف سير العلميات الفدائية والحربية، بالمدن والآرياف.
رغم كل المحاولات والعراقيل التي أراد خلقها للثورة، وذلك بغلق الحدود الشرقية والغربية ، بالأسلاك الشائكة. ورغم
المساعدات المالية والعسكرية التي كانت تتلقاها فرنسا من الحلف الأطلسي ورغم الخطط العسكرية الجبارة التي خطط لها
جنرالات فرنسا أمثال : شال وماسو وغيرهم استطاعت الثورة فرض وجودها وإسماع صوتها الى العالم أجمع
وأصبحت دول العالم المحبة للسلام تعترف بجبهة التحرير الوطني الممثل الوحيد للشعب الجزائري دون سواها وما على فرنسا
إلا الإتصال بجبهة التحرير الوطني التي أسست الحكومة المؤقتة، وبالتالي بدء المفاوضات على أساس تقرير المصير والوحدة
الترابية
I/- أسباب المفاوضات :-
1.- الضربات العنيفة التي تلقتها الدولة الاستعمارية في الجزائر وفي فرنسا علي يد الثورة الجزائرية.
2.- التنظيم المحكم الذي امتازت به الثورة الجزائرية خاصة مؤتمر الصومام 1956.
3.- الأزمات الاقتصادية المالية والاجتماعية التي أنهكت فرنسا نتيجة التكالييف الباهضة لقمع الثورة.
4- ضغط الرأي العام العالمي على فرنسا وتنديده بسياسته في الجزائر، خاصة في جلسات الأمم المتحدة.
II/- اللقاءات السرية :-
تعود الإتصالات السرية بين السلطات الاستعمارية وجبهة التحرير الوطني الى 12 أفريل 1956 بالقاهرة ثم ببلغراد، وكانت
تهدف فرنسا من وراءها الى معرفة درجة ذكاء والخبرة السياسية لقادة جبهة التحرير الوطني وجرهم الى وقف إطلاق النار
ليتمكنوا من القضاء على الثورة إلا أن المفاوضات توقفت بسبب اختطاف القادة الخمس (22/10/1956).
ومع وصول ديغول الى الحكم 1958 حاول إحياء هذه المفاوضات، ومن ذلك الاتصالات السياسية في أكتوبر 1958 ولكن
اعلان ديغول لمشروعه " سلم الشجعان" ورفع الراية البيضاء من أجل تنظيم عملية استسلام الجبهة والجيش أدى الى قطع هذه
الإتصالات.
ومع جوان 1960 تجددت الاتصالات مرة أخرى في محادثات مولان من 25 الى 29 جوان 1960 لكنها باءت بالفشل ثم
تجددت كذلك في مفاوضات لوسارن في 20/02/1961 لتفشل كسابقتها بسبب إصرار فرنسا على فصل الصحراء إذ صرح
" بومبيدو " ممثل فرنسا قائلا : ( قضية الصحراء لا نقاش فيها ).
والى غاية 1960 كان ديغول يعتقد أن بإمكان فرنسا أن تحقق نصرا عسكريا وكانت سياسته تستند الى هذا الاعتقاد ولكنه
أمام الانتصارات التي حققتها جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني اقتنع أن طريق النصر أصبح مسدودا وقد لمس هذه الحقيقة
عندما زار الجزائر في ديسمبر 1960 لشرح سياسته الجيدة فاستقبله الجزائريين يحملون العلم الجزائري وينادون بشعارات
الجبهة فيما عرف بمظاهرات 11/12/1960 وتعود أسباب هذه المظاهرات الى :-
1.- التعبير عن مدى تمثيل جبهة التحرير الوطني للشعب الجزائري والتعبير عن تزكية قيادة هذه الجبهة وتوجيهاتها السياسية
التي كانت تصدرها للشعب الجزائري.
2.- الرد الفعلي والعنيف على المتطرفين الأوربيين الذي نظموا يوم 09/12/1960 مظاهرات كان الهدف منها تهيئة
الظروف لانقلاب عسكري وذلك بإثارة حوادث واصطدامات تحمل الجيش على التدخل.
3.- لاسعي لإفشال القوة الثالثة التي حاول الجنرال ديغول تكوينها من الحركة والقومية للتفاوض معها وبالتالي إنكار وجود
جبهة التحرير الوطني.
4.- إن استقرار الأوضاع في الجزائر والتحكم في زمام الأمور حسب ما يدعي جيش الإحتلال فكرة خاطئة وأن التقارير التي
تقدم لديغول مزيفة لا تعبر عن الحقيقة.
وكانت لهذه المظاهرات نتائجه الايجابية خاصة بعد أن اتسعت رفعتاها ليجبر ديغول على التصريح : " إن هذا الوضع لا يمكن
أن يجلب لبلادنا سوى الخيبة والمآسي وأنه حان الوقت للخلاص منه " وجلوسه الى طاولة المفاوضات والاعتراف بجيش
وجبهة التحرير الوطني كممثل وحيد وشرعي للشعب الجزائري.
أثار هذا الموقف استياء الجنرالات الفرنسيين في الجزائر (راؤول سلان، ادموند جوهر، موريس شارل، أندري زيلر) الذين
قاموا بمحاولة انقلاب ضد ديغول وذلك يوم 22/04/1961 إلا أنه باء بالفشل.
واعترفت هيئة الأمم المتحدة بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره في 19/12/1960.
IV/- مفاوضات إيفيان الأولى والثانية :-
1.- مفاوضات إيفيان الأولى 1961 :-
بدأت هذه المفاوضات بمدينة إيفيان على الحدود الفرنسية السويسرية يوم 18/05/1961، ثم توقفت في 13 جوان، ثم
استؤنفت يوم 20 جويلية من نفس السنة لتتوقف بعدها، ويرجع ذلك الى نشاط منظمة الجيش السري الفرنسي " OAS " التي
استطاعت أن تكسب العديد من العناصر اليمينية المتطرفة، الحاقدة على الجزائر ومحاولة هذه المنظمة ‘إحباط وإفشال
المفاوضات قبل وقوعها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد كان هناك إختلاف في وجهات النظر بين الجانبين الجزائري
والفرنسي في العدي من القضايا مثل : قضية المستوطنين، وقضية الجنسية، قضية القواعد العسكرية، قضية الصحراء ...إلخ
وأمام إصرار كل طرف على رأيه أعلن الجانبان عن توقيف المفاوضات، وعودة كل وفد الى حكومته لمواجهة الموقف على
ضوء ما تم بحثه من موضوعات.
2.- مفاوضات إيفيان الثانية :-
في 02/10/1961 سلم ديغول في مؤتمر صحفي بضرورة التفاوض مع جبهة التحرير الوطني وعلى أساس استقلال
الجزائر بما فيها الصحراء، فبدأت مفاوضات الثانية في 06/03/1962 بين يوسف بن خدة ولويس جوكس فتوصل الجانبان
الى إتفاق عام وشامل لجميع المشاكل بين فرنسا والجزائر ووقع على إتفاقية وقف إطلاق النار في 19/03/1962 وأصبحت
نافذة المفعول على الساعة الواحدة من ظهر يوم 19 مارس 1962 في جميع أنحاء الوطن.
V/- محتوى الإتفاقية ومضمونها :-
احتوت هذه الاتفاقيات على العديد من المسائل أهمها :-
1.- وقف إطلاق النار بكامل التراب الجزائري إبتداء من منتصف نهار 19/03/1962.
2.- الاعتراف بإستقلال الجزائر وسيادتها الكاملة على أرضيها ووحدة ترابها.
3.- موافقة الجانب الجزائري على تأجير قاعدة المرسى الكبير بوهران للسلطة الفرنسية لمدة 15 سنة وكذلك مطارات عنابة
وبوفاريك وبشار ورقان لمدة 05 سنوات.
4.- تكفل الجزائر بسلامة الحقوق الخاصة بإمتيازات استغلال المناجم والمحروقات وحرية الشركات الفرنسية في الاستمرار في
ممارسة نشاطها.
5.- حق المستوطنين في الاختيار بين الجنسية الجزائرية والفرنسية مع إعطائهم ضمانا كافية للاحتفاظ بأملاكهم وأموالهم.
6.- التعاون بين الجزائر وفرنسا في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
7.- تحديد الفترة الانتقالية بـ 04 أشهر، يتم خلالها التمهيد لإجراء الاستفتاء.
8.- يتم إجراء عملية الاستفتاء حول تقرير المصير عقب الفترة الانتقالية مباشرة وتشرف على العملية لجان جزائرية فرنسية
مشتركة وتكون صيغة الاستفتاء : " نعم أو لا" للاستقلال والتعاون.
ونسجل هنا اختلاف وجهات النظر بين القادة الجزائريين حول مضمون هذه الإتفاقية.
فمنهم من يرى بأنها استعمار مقنع وأنها ربطت مصير الجزائر بفرنسا الى الأبد، حيث سمحت للفرنسيين بالاحتفاظ بالقواعد
العسكرية في الجزائر، وسمعت للمعمرين بالاحتفاظ بامتيازاتهم وأعطت الحق للشركات الفرنسية باستغلال ثروات البلاد.
ومنهم من يرى بأن الاتفاقية نصرا عظيما للثورة الجزائرية حيث أنها خلصت البلاد من الهيمنة الاستعمارية الفرنسية التي دامت
132 سنة.
ومنهم من يرى بأنها خطوة إيجابية نحو الاستقلال التام إذ يمكن تجاوز بعض سلبياتها فيما بعد.
وفعلا فقد بدأت الجزائر بمجرد استعادة استقلالها في التخلص من بعض البنود السلبية للاتفاقية لتستكمل استقلالها السياسي
والاقتصادي والثقافي.
VI/- توقف القتال وإعلان الاستقلال :-
بعد موافقة الطرفين الجزائري والفرنسي على بنود اتفاقية إيفيان، بدأت عملية التنفيذ مباشرة.
ففي 19 مارس 1962 تم وقف إطلاق النار بكامل التراب الجزائري، وبالتالي إنتهت الحرب بعد 07 سنوات ونصف وبدأت
اللجنة التنفيذية المشتركة في الإشراف على تسيير البلاد.
وفي شهر جوان 1962 عقد المجلس الوطني للثورة الجزائرية إجتماعا له بطرابلس لبحث مستقبل البلاد، وانتهى في الأخير
وبعد خلافات حادة بوضع ما سمي بـ : " ميثاق طرابلس " وفي أول جويلية 1962 بدأت عملية الاستفتاء حول تقرير
المصير وكانت صيغة نعم أو لا للاستقلال والتعاون وجاءت بنتيجة إيجابية حيث صوت الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري
لصالح الإستقلال ومن نتائج استفتاء تقرير المصير لـ 01 جويلية 1962 أن اللجنة المركزية لمراقبة استفتاء تقرير المصير
المجتمعة يوم 03/07/1962 على الساعة العاشرة و 15 دقيقة .
-نظرا للمرسوم 62/449 المؤرخ في 19/03/1962 المتضمن أحكام استفتاء تقرير المصير في الجزائر.
-نظرا للمرسوم 62/449 المؤرخ في 08/06/1962 المتضمن استدعاء نائب الجزائر للمشاركة في استفتاء تقرير
المصير في الجزائر.
-اعتبارا لكون النتائج الجزئية والنهائية لاستفتاء سلمت من طرف لجان العمالات أمكن الآن أعلان نتائج استفتاء
1/07/1962.
-مجموع المسجلين في العمالات الـ 15 : = 6549736
-الاصوات الملغاة وغير معبرة : اليضاء = 25565
-الأصوات المعبرة = 5992115
-نعم = 5975581
-لا = 16534
وفي 05 جويلية 1962 تم الإعلان الرسمي عن إستقلال الجزائر.
إتفاقية وقف إطلاق النار :-
المادة 1 : ستنتهي العمليات العسكرية وكل عمل مسلح في القطر الجزائري سوم 19/03/1962 الساعة الثانية عشر.
المادة 2 : يتعهد الطرفان بعدم الالتجاء الى أعمال العنف الجماعية والفردية، يوجب وضع نهاية لكل عمل سري مضاد للآمن
العام.
المادة 3 : تستقر قوات جبهة التحرير الوطني يوم وقف إطلاق النار داخل المناطق التي توجد بها.
تتم التنقلات الفردية لهذه القوات خارج المناطق المرابطة بها بدون حمل السلاح.
المادة 4 : لن تتسحب القوات الفرنسية المرابطة على الحدود قبل إعلان نتائج استفتاء تقرير المصير.
المادة 5 : ستتبع خطط مرابطة الجيش الفرنسي بحيث تمنع حدود أي احتكاك.
المادة 6 : تنشأ لجنة مختلطة لتسوية المسائل الخاصة بوقف إطلاق النار.
المادة 7 : تقترح اللجنة الإجراءات التي يطلبها الطرفان خاصة فيما يتعلق بالتالي :-
-إيجاد حل للحوادث التي تقع، بعد إجراء تحقيق مستند الى الأدلة.
-حل المشاكل التي لم يكن في الإمكان تسويتها محليا.
المادة 8 : يمثل كل الطرفين في اللجنة أحد كبار الضباط وعشرة أعضاء على الأكثر بما فيهم هيئة السكرتارية.
المادة 9 : يقمع مقر اللجنة المختلطة لوقف إطلاق النار في " الصخرة السوداء " (بيومرداس).
المادة 10 : وإذا دعت الحاجة تمثل اللجنة المختلطة لوقف إطلاق النار بلجان محلية في الأقاليم وتتألف من عضوين من كلا
الفريقين وتسير على نفس المبادئ.
المادة 11 : يطلق سراح جميع أسرى المعارك لكل من الفرقين لحظة تطبيق قرار وقف إطلاق النار، في خلال عشرين يوما
من تاريخ وقف إطلاق النار، وعلى الفريقين أن يخبروا هيئة الصليب الأحمر الدولية عن مكان أسراهم وعن كل الإجراءات
التي اتخذت من أجل إطلاق سراحهم