المحبوب الشيخ محمد حسين يعقوب!
كنت قد سمعت باسم الشيخ "محمد حسين يعقوب" منذ بضع سنين، ولكنني ما سمعت منه جملة واحدة، ولا قرأت له ولو سطراً واحداً إلا منذ بضعة أسابيع. ولقد كان كل ما سمعته منه نُتَفاً من بضعة دروس من خلال قناة "الرحمة". وصدقاً، لولا أن زوجتي كانت تجالس هذه القناة لَما كنت سمعت منه شيئاً. ولا ريْبَ ان هذا الشيخ ذو جاذبيّةٍ تعود إلى سمته ووقاره وحسن إلقائه، وصيحاته المفاجئات، وطلباته المتكررة بالصلاة على المصطفى الحبيب. وفوق هذا وذاك، فكلّه "أبيضُ في أبيضَ"، لحيةً وثياباً؛ فما أبقى له كرُّ السنينَ شباباً. ولا مريةَ في أن في دروسه زُبْداً ذا دسمٍ ولذةٍ.
واتفق لي في عصر اليوم الرابع من عيد الأضحى الموافق 19-11-2010 أن ألفيتُ شريكة حياتي تجالس "قناة الروضة" تستمع إلى الشيخ "محمد حسان" وهو يحدث جماعة من الحجاج، طازجي الحجة، في خيمة في مِنى، يحدثهم عن الفتن حديثاً جميلاً فاستحسنت حديثه وأحسنت إليه الاستماع. وما هي إلا دقائق فإذا بالشيخ "محمد حسين يعقوب" يتبوّأ مجلسه إلى جانب الشيخ "محمد حسان". ورحّب الشيخ بالشيخ، كأنما يداعبه أو يلاعبه، معلناً أنه إذا حضر الماء فقد بطل التيمم، وحاول تقديم "الميكروفون" لزميله الشيخ "أبيض في أبيض"، وألح عليه أن يقوم بالتحدث إلى خلق الله تعالى بدلاً منه، فرفض رفضاً قاطعاً. وأخذ الشيخ "محمد حسين يعقوب" يستمع إلى زميله الشيخ "محمد حسان". وما هي إلا بضع دقائق حتّى أخذ الشيخ "محمد حسين يعقوب" يقلب أوراقاً متجمعةً على يسار الشيخ "محمد حسان" كان الجمهور يبعثها إليه لعله يجيب على ما تحتويه من أسئلة واستفسارات.
ثمََّ ماذا؟
إذا بصوت امرأة يبدو أنها قد اقتحمت خيمة الرجال. لم تظهر للمشاهدين، ولكن صوتها ينبئ أنها مصريّةٌ وأنها في سنِّ الكهولة، ربما ناهزت الخمسين أو يزيد. ومن البدهيِّ أنها من ججاج البيت العتيق، حيث مسموح للنساء أن لا يخفين وجوههن، بل ممنوع أن يسترنها. وثار فيها بعض الحضور، والشيخان، وبخاصة الشيخ "محمد حسين يعقوب"، طالبين منها الخروج من خيمة الرجال. وخاطبت المرأة هذا الشيخ قائلةً له إنها جاءت لتراه على الطبيعة، مباشرة، وجهاً لوجه، لا من خلال التلفزيون. ولكن ذلك لم يشفع لها، بل إنَّ الشيخ "الأبيض في الأبيض" أشاح بوجهه متجهماً وكاد يواريه ويخفيه في جسم الشيخ "محمد حسان"، تماماً كما يفعل الطفل بوجهه إذا ما خاطبه إنسان غريب عنه، فتراه يخفيه في صدر أمه. ويا ليت الشيخ اكتفى بهذا، بل قال وكأنه يمازح الحضور: أليس حديث الشيخ "محمد حسان" هو الآن عن الفتن؟ .. وضحك الحاضرون. ولم ينته الموقف مع المرأة المسكينة عند هذا الحد، بل إن الشيخ "محمد حسين يعقوب" قد صاح في شابٍّ من الحاضرين صياحاً منتهراً طالباً منه أن يُخرج المرأة. ولقد شاهدت ذلك الشاب يقوم مستسلماً ملبيّاً أمر الشيخ، وعاد بعد لحظات، ولا أعرف هل دفعها دفعاً أم جرّها جرّاً فأراح منها ذلك الشيخ الهائج المائج.
فيا حسرةً على هكذا شيوخ! ويا حسرةً على هكذا حجاج "طازجةٌ حجتُهم"! ..
داعيان كبيران ومعهما فريق آخر من الدعاة، وأمامهم عشرات الحجاج، لم ينجحوا في احترام امرأة في مِنى، حيث كل منهم "طازجةٌ حجته".. لقد كسروا بخاطر تلك المرأة المسكينة؛ إذ رجعت كاسفة البال تشكو إلى الله تعالى فظاظة شيوخ هذا الزمان.
فبأي ذنبٍ هبت عليها عواصف الشيوخ والحضور؟
أليس من حقِّ النساء أن يحضرن دروس العلم ولو خلف صفوف الرجال؟
أما كانت النساء يحضرن دروس الرسول عليه السلام ويشاهدْنه؟
ألم تهبْ بعض النساء أنفسَهن للرسول، عليه السلام، طلباً للزواج منه؟
أما كان بإمكان الشيخ "محمد حسين يعقوب" أن يعطيها فرصة النظر إلى وجهه من دون تلك الضجة، ومن غير ذلك التجهم وتلك العاصفة من صيحات الطرد والإخراج والإحراج؟
فما لهذا الشيخ يريد أن يصلح أمة، بل يريد أن يصلح الدنيا، وهو لا ينجح في احترام امرأة مسلمة؟
أجل، لقد فشل الشيخ أن يطبق الإسلام في موقف بسيط مع أنه قد ملأ الدنيا حديثاً عن وجوب التأسّي بالرسول الكريم.
فهل يكون الداعية سفراً في التعليق، وصفراً في التطبيق؟
وهل يسجل الداعية في التعليق باسم الإسلام أسفاراً، ولكنه عند التطبيق يسجل أصفاراً؟
وهل لكلِّ شيخٍ زُبدٌ وزَبَدٌ؟
فرفقاً بالقوارير أيها الشيخ الخجول!
فهل لك أن تبحث عن تلك المرأة وتعتذر لها وتطلب منها صفحاً وعفواً؟
جرّبْ، وعليَّ لا تُثرِّبْ!
ومن حقّك أن تستشير زوجتك قبل أن تقرر.
واعلمْ أيها الشيخ أنني كنت محظوظاً؛ إذ لم تكن تلك المرأة زوجتي!