منتدى الشريعة والقانون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشريعة والقانون

**وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا**
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء


 

 عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج03

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العـام
شوقي نذير
شوقي نذير
المدير العـام


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 919
نقاط : 24925
السٌّمعَة : 7

تاريخ التسجيل : 10/02/2010
الموقع : الجزائر تمنراست
العمل/الترفيه : استاذ جامعي
المزاج : ممتاز
تعاليق : من كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها
ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم
ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس
(فكل ميسر لما خلق له فأعرف أين تضع نفسك ولا تتشتت)


عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج03 Empty
مُساهمةموضوع: عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج03   عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج03 Icon_minitime1الثلاثاء مايو 25 2010, 17:51



تحريم القتل

جاء في القرآن تحريم القتل في مواضع، كقوله -تعالى- في سورة "الأنعام": وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. يعني: إذا كانت مستحقة القتل. وقال -تعالى- في سورة "الإسراء": وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا. أي: لا يزيد ويقتل أكثر من القاتل، بل لا يقتل إلا نفسًا واحدة، وكذلك كون القتل ظلمًا ذنب كبير، اختلف في توبته: هل له توبة؟ روي عن ابن عباس أنه قال: ليس له توبة؛ لأن الله -تعالى- قال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. وعيد شديد على من يقتل مؤمنًا متعمدًا، ولا يدخل النسخ في هذا؛ لأنه من الأخبار، والنسخ إنما يدخل في الأوامر لا في الأخبار؛ فلذلك قال: إنه لا توبة له، ولا بد أن يعذب ويخلد في النار؛ تحقيقًا لهذه الآية. والقول الثاني: أن له توبة، والدليل ذكر الله -تعالى- كبائر الذنوب في قوله، في سورة "الفرقان": وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ أخبر بأنه يقبل توبته، وإذا كان الله -تعالى- يقبل توبة المشرك، فالقاتل بالطريق الأولى؛ لأن القتل دون الشرك، هذا دليل من يقول إنها تقبل توبته. وذكر ابن القيم: أن القتل تتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله؛ لأن القاتل تعدى حرمات الله، وهذا الحق يسقط بالتوبة الصادقة. والثاني: حق للأولياء؛ لأن القاتل قتل أباهم، أو قتل ابنهم، أو قتل وليهم، وهذا الحق يسقط بالعفو، أو يسقط بالقصاص، أو يسقط بأخذ الدية. ويبقى الحق الثالث: وهو حق المقتول الذي قطع عليه حياته، يعني: أماته واعتدى عليه، فله حق على ذلك القاتل. فإذا كان القاتل قد تاب توبة نصوحا، فإن الله -تعالى- يتحمل حقه، ويعطيه من فضله، ويعفو عن ذلك القاتل. وقد استدل أيضا بقول الله -تعالى-: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ. فأمرهم بأن ينيبوا، يعني: يتوبوا. ولو كانت ذنوبهم كثيرة، وأخبر بأنه يغفر الذنوب جميعًا، يعني: لمن تاب. وإذا كان كذلك، فكيف الجواب عن آية "النساء" التي أخبر بأن: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. قال بعض العلماء: هذا في حق المستحل الذي يقتله مستحلا له، يعتقد أنه حلال، فإنما من استحل ما حرم الله فقد كفر، إذا استحل شيئا قد حرمه الله، معلوم تحريمه بالضرورة -فإنه يعتبر ضالا أو كافرًا، كذلك أيضًا. قال بعضهم: إن هذا الوعيد معلق. يعني: كأن الجزاء ليس دائمًا. يقول ابن جرير: "المختار أن قوله: فَجَزَاؤُهُ معلق بشرط". يعني: إن جازاه. فجزاؤه إن جازاه، وإلا فإن الله -تعالى- قد يعفو ويفصح، ولا يجازيه بهذا الجزاء الشديد، سيما إذا ندم وتاب. وقالوا: إنه يمدح بالعفو عن الذنب ونحوه، ولا يمدح بترك الخير، يقول شاعر العرب:

وإنـي وإن أوعدتـه أو وعدته لمخلف ميعادي عند ذي الموعد

الوعد: هو الوعد بخير. والإيعاد: هو التوعد بالشر. فيقول: إذا توعدته أخلفت وعيدي، وإذا واعدته فلا أخلف وعدي. بكل حال هذا دليل على عظم الذنب، الذي هو إراقة دم مسلم بغير حق، أما إذا كان بحق فإنه جائز؛ لأن في القرآن: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. ولإباحة قتله ثلاث حالات، هي المذكورة في حديث ابن مسعود المشهور، قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة فهذا دليل على أن الذي يفعل واحدا من هذا يحل دمه. "الثيب الزاني" يعني: الذي زنى وهو محصن، فهذا يقتل حدًا، ولا يكفر بقتله؛ ولهذا يصلى عليه ويكفن، ويدفن في مقابر المسلمين. "والنفس بالنفس": قتل القاتل، فإنه من جملة ما أمر الله به، بل قد جاء ما يدل على وجوبه عند طلب أولياء القتيل، استدل بقول الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى. كتب يعني: فرض عليكم. ولكن هذا فيما إذا طلب الأولياء القصاص؛ ولهذا قال: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فإتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ أي أن من طلب القتل "طلب قصاصا" فله، فإذا عفي فأجره على الله. ولما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، ظن بعض الأعراب أن حرمتها قد زالت؛ فقتل بعضهم بالثأر الجاهلي، قتلت هزيل رجلا بثأر قديم، وقالوا: "زالت حرمة مكة". فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخطب وأخبر بحرمة مكة، ثم قال: فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل، وإما أن يفدي، فإن أراد الثالثة فخذوا على يديه. إذا قتل له قتيل فلا يقتل إلا القاتل، أو يأخذ الدية إذا لم يعف مطلقًا، فإذا قال: أريد ما نحن عليه في الجاهلية. بعض الكبائر التي هي له عزة ولها مكانة، فيقتلون بالقاتل واحدا، بل يقتلون أكثر من واحد، وكم قتل كليب، وكم قتل مهلهل بأخيه كليب، حتى كاد أن يفني بكر بن وائل، ولما أن بعض بني بكر أرسل ابنا له إلى مهلهل، وقال: "اقتله وتنتهي هذه الحرب". فقام وقتله وقال: "هذا بشسع نعل كليب". -يعني: أنه ليس فداء لكليب، إنما هو بشسع نعل كليب- فغضب أبوه، وأنشأ قصيدة طويلة، وهي التي يقول فيها:

قربـا مـربط النعامـة منـي إن قتـل الرجـال بالشسع غالـي

قربـا مـربط النعامـة منـي لقحـت حـرب وائـل عن عيالي

يقول فيها: "قربا مربط النعامة مني". في خمسين بيتا، حميت الحرب بينهم، حتى نهكت كل من القبيلتين: بكر وتغلب، مع أنهم يجتمعون في "وائل": بكر بن وائل، وتغلب بن وائل، فقتل خلقا كثيرا في أخيه كليب، فجاء الإسلام وفرض أنه لا يقتل إلا واحد، النفس بالنفس في هذه الآية: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. وكذلك في الحديث: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس. أي: لا زيادة، فلا يقتل اثنان بواحد، ولا يقتل غير القاتل ولو كان القاتل وضيعًا، فلا يقولون: نقتل به شريفا، قتيلنا من الأشراف فلا نقتل إلا من مثله، من له مكانة. فالله -تعالى- جعلهم على حد سواء، يعني: أنه لا فضل لهذا على هذا لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى هكذا جاء الحديث. "النفس بالنفس" فلا يقتل إلا من قتله، هكذا أخبر -صلى الله عليه وسلم- بأنه: لا يحل دم امرئ المسلم، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه يعني: المرتد؛ لقولهم بدل دينه فاقتلوه. التارك لدينه المفارق للجماعة فأما بقية المسلمين، فلا يجوز استحلال دم امرئ مسلم بغير حق لا يحل إراقة قدر محجمة دم إلا بحقه كان القصاص ذكروا أن القصاص واجب عند اليهود، والعفو إلى دية أو نحوها واجب عند النصارى، جاء في هذه الشريعة: أنه ليس بواجب، ولكن مخير: إن شاء قتل، وإن شاء عفي مطلقًا، وإن شاء عفي إلى الدية؛ لقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ يعني: عفي له إلى الدية. فإتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ. والعفو مطلقًا أفضل كما سيأتي. فالحاصل أن هذا الكتاب يتعلق بالاعتداء، الذي هو القصاص في النفس، أو فيما دون النفس، من جاء الإسلام بشرعيته، ثم إن الدول التي تحكم بالقوانين أبطلوا هذا الحكم، يقول قائلهم: "إذا قتل منا واحد نقص شعبنا، فكيف نقتل الثاني؟!" ينقص أكثر، ولكن ما علموا أن ترك قتله سبب لكثرة القتل. كان العرب يقولون: "القتل أمثال القتل". يعني: قتل القاتل أقل لوقوع القتال. جاء في القرآن قوله -تعالى-: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ القصاص سبب للحياة. كيف؟! الذي يريد أن يقتل أو يهم بالقتل، يأتيه التفكير ويقول: إذا قتلته قتلت، فما فائدتي من هذا القتل؟ "من كوني أقتله" هذا لا يفيدني، ولو مثلا أني شفيت غيظي في هذه اللحظة، فسوف يقتلني غدًا أو بعد غد، فيقلع ويترك القتل، فيكون خوفه من القتل سبب تركه للقتل، فهذا معنى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ. وقول العرب: "القتل أمثال القتل". يعني: أقل للقتل. فالدول التي لا تحكم بهذا القصاص، يكثر فيها القتل، يقتل إنسان واحدًا وعددًا ويقول: لا ضرر علي، سوف يدخلونني في السجن، مدة طولية أو قصيرة، ثم بعد ذلك يخلى سبيلي فأقدم على القتل. كثر القتل في كثير من الدول، صار قتل الرجل كأنه قتل نعجة، لا يحصل عليه تبعات، مع ما ورد من الإثم الكبير في قتل المسلم بغير حق، أو قتل أية نفس عدوانا؛ لذلك نعرف أن الشريعة ما جاءت إلا بالأحكام الشرعية التي تناسب المقام، والتي فيها الخير والمصلحة.

أقسام القتل

القتل: عمد، وخطأ، أو شبه عمد. يعني: ثلاثة أقسام. ذهب بعض العلماء إلى أنه قسمان؛ لأن الله -تعالى- ما ذكر إلا قسمين، في سورة "النساء": وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ثم قال في الآية التي بعدها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا. لم يذكر إلا قتل خطأ وقتل عمد، فلا يكون هناك شبه عمد، لكن جاء دليله من السنة، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا إن القتل شبه العمد: قتيل السوط والعصا، فيه الدية مغلظة. فجعله لا قصاص فيه، ولكن تغلب فيه الدية، وأثبت أنه قسيم للعمد والخطأ، وأنه واسطة بينهما، فلا يلحق بالعمد فيكون فيه القصاص، ولا يلحق بالخطأ فيكون فيه الدية المخففة، بل يكون فيه الدية المغلظة. ذكر بعد ذلك العمد: "أن العمد هو الذي يختص القود به". القود: هو القصاص "قتل القاتل". لماذا سمي قودا؟ لأنه يقاد إلى المقتل، يربطون في رقبته حبلا، ثم يقودنه إلى المكان الذي يقتل فيه إذا استعصى، فسموه قودا، ثم أطلقوا الفعل عليه فقالوا: استقاد فلان من فلان. أقدني حتى أطلقه على القصاص في الجراح، وفي الأطراف. سموا الجميع قودا. أقدني: يعني اقتص لي. "يقتص القود به".

تعريفه: "أن يقصد من يعلمه آدميًا معصومًا، فيقتله بما يغلب على الظن موته به، كجرحه بما له نفوذ في البدن، وضربه بحجر كبير". أولــا: أن يتحقق كونه آدميًا، أما إذا ظن أنه ليس آدميا، ظن أنه حيوان: كصيد مثلا، أو هدف أو نحو ذلك، ورماه لأجل أن يجرب إصابته، ولم يتعمد -فهذا خطأ، إذا قتله بهذه الصفة فإنه قتل خطأ.

ثـانـيا: أن يعرف أنه معصوم. فإذا ظنه حربيا: كيهودي مثلا، أو شيوعي مباح دمه، ففي هذه الحال، إذا رماه وقتله فلا قصاص، يقول: ما ظننت أنه مسلم معصوم، ظننته أنه من المحاربين، الذين يحاربوننا ويقتلون المسلمين، فرميته لأريح الناس من شره. وتبين بعد ذلك أنه من المسلمين، وأنه معصوم الدم والمال، فمثل هذا لا قصاص، ولكن يسمي قتل خطأ، فعليه الدية والكفارة. إذا ضربه بما يغلب على الظن أنه يموت به، فإن يسمى عمدًا، بخلاف ما إذا ضربه بيده، أو ضربه بعصا خفيفة، أو رماه بحجر صغير "ما تعمد قتله" فهذا يسمى قتلا، قتل شبه العمد لا قصاص فيه. أما إذا كان يغلب على الظن أنه يموت به، كما لو رماه بالرصاص، هذا يعلم عادة أنه يموت به، وكذلك إذا شدخ رأسه بحجر، كاليهودي الذي رض رأس جارية بحجر أو بحجرين، هذا يعلم أنه يموت به، أو رماه بذلك الحجر الكبير، فضربه به على قلبه أو نحو ذلك، أو ضربه في بطنه فقطع أمعاءه، وكذلك لو طعنه بحربة أو بسكين، طعنه مع بطنه، أو طعنه على قلبه أو على كبده، ونفذت السكين أو السيف، أو شيء له نفوذ، يعني: دخول في البدن. حتى ولو طعنه بمخيط؛ لأنه قد يصل إلى القلب، أو إلى الكبد، أو إلى الأمعاء، أو نحو ذلك فيصعب علاجه. وكذلك أيضًا لو ألقاه في بحر، أو في بئر، وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يخرج، أو ألقاه في نار -يعني- تشتعل، ألقاه فيها مكتوفًا مثلا، يعلم أنه لا يستطيع أنها تحرقه، أو خنقه يعني كتم نفسه إلى أن مات بالكتم، أو كذلك عمل له عملا شيطانيًا كسحر أو نحوه، أو جعل سمًا في طعامه يقصد بذلك قتله. الأنواع كثيرة، إذا تعمد قتله بسبب يقتل غالبًا، مثل هذه الأسباب -اعتبر متعمدًا، وحل قتله قصاصًا، هذا هو القتل العمد.

تعريف شبه العمد: أن يقصد جناية لا تقتل غالبا، ولم يجرحه بها. كأن يضربه بسوط، أو بعصا صغيرة لا يقتل مثلها. جاء في قصة الهزيلتين: امرأتين كانتا تحت رجل من هزيل، ثم إن إحداهما رمت الأخرى بحجر- وفي رواية: بعمود فسطاط- فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنين بغرة عبد أو أمة، وقضى بدية تلك المقتولة على عاقلة القاتلة، وورثها زوجها وولدها. في القصة أن والد القاتلة قال: "كيف نفدي من لا أكل ولا شرب ولا استحل؟!" فمثل ذلك يقال. فالحاصل أن هذه المرأة قتلت ضرتها بعصا "عمود فسطاط" -يعني صغيرة- التي يرفع بها طرف خيمة، ثم لما رمتها به، ما ظنت أنها تموت، وفي بعض الروايات، عبر أنها رمتها بحجر، ولعلها رمتها مرة بحجر صغير فأخطأها، أو ضرب مثلا غير مقتل، فالحاصل أن هذا اعتبر قتل خطأ.

يعرفون شبه العمد (الخطأ شبه العمد الذي لا قصاص فيه) تعريفه أنه: أن يتعمد الضرب ولا يريد القتل. يتعمد ضربه يعني: يتعمد أن يضربه بما لا يقتل غالبا، تعمد الضرب ولا يريد القتل، وليس له نية في أن يقتله، ولكن وقع أنه مات بهذه الضربة، سواء مات في الحال، أو مات بعد حين، لو مثلا أنه ضربه بعصا، العصا لا تقتل غالبًا، ولكن تسمم أثرها وتأثر به، فمات ذلك المضروب، هذا كله شبه عمد، يقتل جناية لا تقتل غالبًا، ولم يجرحه بها، أما إذا جرحه: إذا ضربه بحجر، وجرحه "شق جلده" ولو كان حجرا صغيرا، ولما شق جلده خرج منه دم، وتأثر مثلا وتسمم الجرح، ومات بسببه -فهذا عمد، أما الخطأ فهو أن يفعل ما له فعله، كأن يرمي صيدًا ونحوه، فيصيب آدميًا. ويدخل فيه التسبب. فإذا مثلا حفر حفرة في الطريق، وسقط فيها إنسان ومات -فإنه متسبب "الحافر" إذا لم يحجز عليها، لم يجعل عليها حاجزًا يمنع أن يسقط فيها، قد يمر إنسان غافل أو ضرير فيسقط فيها، وكذلك لو ألقى في الطريق. ضيق الطريق بحجارة، أخذت جزءا من الطريق، فجاء إنسان فاصطدم به، سواء كان يمشي أو يقود سيارة،ولم يعلم هذا المكان، ولم يعلم بهذه الحجارة -اعتبر الواضع متسببًا، فيكون قتل خطأ، وهكذا لو ربط دابة بطريق، أو أوقف سيارة بطريق ضيق، فجاء من اصطدم فيها، وكذلك لو أخذ جزءا من الطريق، كالذين يجعلون عتبات مدخلهم في الطريق، تأخذ من الطريق مترًا مثلا أو نحوه، من اصطدم فيها اعتبـر أهل ذلك المكان متسببين، فيكون ذلك قتل خطأ.

وهكذا لو أن إنسانا وضع سمًا لكلب أو لسبع، فأكله إنسان لم يعلم به -فهذا الذي وضع به يعتبر متسببًا؛ لأن عليه أن يحفظه ولا يدعه في متناول الناس، كصغير أو كبير، وهكذا أيضًا خطأ الأطباء: الطبيب الذي ليس حاذقا بالطب، إذا أجرى عملية، ومات ذلك الذي أجرى له اعتبر متسببًا فعليه الدية، وهكذا الذي يعطي دواء وهو ليس من أهل المعرفة: أعطى إنسانًا دواء، وكان ذلك الدواء لا يناسبه، فأكله، فتضرر ومات بسببه -اعتبر أيضًا متسببًا. ورد في بعض الأحاديث: من تطبب وليس يعلم طبًا، أو ولا يعلم منه طب، فهو ضامن. وذلك لأنه تجرأ والناس أحسنوا به الظن، جلس للناس، وقال: أنا أعالج. فجاءوا إليه وقالوا: نحن بنا مرض كذا وكذا. فإذا أعطاه دواءً وهو ليس مناسبًا له، وهو ليس من أهل المعرفة -صدق عليه أنه متسبب في الموت. وأمثلة الخطأ كثيرة، تقيسون على مثل هذا. ومن الخطأ أيضًا عمد الصبي والمجنون، الصبي الذي دون التمييز، لو مثلا أنه أخذ سكينًا، وجاء إلى إنسان نائمًا وطعنه -فلا قصاص عليه، ولكن الدية على العاقلة، أي: الأقارب؛ وذلك لأنه لم يكن متسببًا عن عقل، وكذلك أيضًا لو قاد سيارة واصطدم بإنسان، اعتبر أيضًا خطأ، الدية على عاقلته. ونعرف أيضًا أن أخطاء السيارات كلها تعتبر من الخطأ "حوادث السيارات" الذي يقود سيارته ثم تصطدم بإنسان، أو يصطدم بسيارة أخرى، أو يحدث منه انقلاب، فكل هذا من الخطأ لا من العمد. المجنون الذي ليس معه عقل يحجزه، ويمنعه عن الاعتداء، فهذا المجنون لو أنه قتل إنسانا، فلا قصاص على المجنون؛ لأنه ليس معه عقل، معلوم أن أولياءه عليهم أن يحفظوه، وأن يأخذوا على يده ويمنعوه عن الاعتداء؛ حتى لا يتعدى على مسلم، لأنه ليس معه معرفة بآثار هذا الأمر وعواقبه. اجتماع الجماعة على قتل الواحد ثم يقول: ويقتل عدد بواحد . إذا اجتمع عدد وتساعدوا على قتل واحد، فإن القصاص عليهم جميعًا، إذا كانوا كلهم عزموا على قتله، واتفقوا على قتله، أو كان فعل كل واحد منهم يصلح أن يكون قاتلا، فإنهم يقتلون كلهم. فلو مثلا أربعة اجتمعوا على قتل إنسان، أحدهم قال: أنا أمسك يديه. والآخر قال: أنا أمسك رجليه. والآخر قال أنا أمسك أذنيه. والآخر خنقه. فلو -مثلا- أربعة اجتمعوا على قتل إنسان: أحدهم قال، أنا أمسك يديه. والآخر قال: أنا أمسك رجليه. والآخر قال: أنا أمسك أذنيه. والآخر خنقه مثلا، أو برك على صدره، أو طعنه، وكانوا أربعة -يقتلون إذا اتفقوا على قتله. وردت قصة: أن غلاما عند امرأة كأنه ابن زوجها، ثم إن زوجها غاب، واتفقت مع جماعة -خمسة أو سبعة- على أن يأتوها لفعل الفاحشة. فلما جاءوا إليها قالوا: نخشى من هذا الولد -ولد زوجها- أن يدل علينا، فاتفقوا على غمه إلى أن مات، وألقوه في بئر، ولما فقدته أخذت تبكي، وتنادي وتدعو من يدلها عليه. بعد ذلك وجد الذباب يخرج من تلك البئر، فأُخرج فيه أثر إذا الغم، وأثر القتل؛ فاتهم واحد من هؤلاء، فقبض عليه كأنه رئيت عليه علامة، فدل على الباقين فاعترفوا. أمر عمر رضي الله عنه بأن يقتلوا كلهم، أشتهر عنه أنه قال: " لو تمالأ على قتله أهل صنعاء كلهم لقتلتهم به ". سبعة قتلوا بواحد. تجدون القصة في مصنف عبد الرزاق، ويذكرها الفقهاء في كتبهم عند قول عمر: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم؛ وسبب ذلك أنهم تساعدوا على قتله، وكل منهم مريد قتله، ولو أسقطنا القتل عنهم لتجرأ كثير من الناس. إذا أراد أن يقتل واحدا تساعد معه آخر، وقال: هلم فلنقتله اثنان حتى لا يكون علينا قصاص، هلم فلنجتمع ثلاثة أو أربعة حتى لا يكون علينا قصاص. فتبطل حقوق المسلمين، ويبطل أو يهدر كثير من دماء المسلمين. فلا جرم يقتل العدد بالواحد إذا كان كل منهم عازما على قتله، أو فعل به فعلا يصلح أن يكون قتله، يصدق عليهم أنهم قتله، فيقتلون به ولو كانوا كثيرا. لو قيل: لا يقتل إلا واحد لقوله تعالى: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ فحينئذ نقتل واحدا، ونترك ثلاثة أو سبعة مع أن كلهم قتله. لا هذا الواحد الذي قتلناه مشترك مع غيره؛ فلذلك يتحتم قتل الجميع، ولو كثروا. أما إذا عفا الأولياء عنهم، ففي هذه الحال إذا طلبوا الدية ليس لهم إلا دية واحدة؛ لأن القتيل واحد، فلا تتعدد الديات. لكن يجوز لهم أن يقتلوا البعض ويتركوا البعض؛ لو قالوا: نقتل منهم ثلاثة، ونصفح عن ثلاثة، أو عن أربعة جاز ذلك، أو قالوا: هذا سوف نقتله، وهذا نبيعه نفسه: يشتري نفسه، وينقذها بمائة ألف، أو بألف ألف، أو بألفي ألف يجوز ذلك. -يعني- يجوز أن يقتلوا واحدا دون الآخر، يعفون عن الآخر. يقول: ومن أكره مكلفا على قتل معين، أو على أن يكره عليه ففعل فعلى الكل القود أو الدية هذا إذا كان قادرا، إذا قال: اقتل زيدا وإلا قتلتك. هذا الذي قال اقتل عنده قدرة، وعنده تمكن، يقول زيد: أنا مظلوم. فيقول هذا: أنا مكره على قتلك، إن لم أقتلك قتلوني. كيف؟ تقتل إنسانا تعرف أنه مظلوم لأجل أن تحيي نفسك؟! ليس لك ذلك. في هذه الحال: القاتل المباشر، والآمر الذي أكرهه، كلاهما قاتلان، فعليهما القود، وإذا طلبت الدية فعليهم دية واحدة يقتسمانها بينهم. كذلك لو قال: مر فلانا يقتل زيدا، إن لم تأمره فإني سوف أقتلك. يكون عندنا الآن ثلاثة: هذا الظالم، وهذا المأمور الأول، والمأمور الثاني. الآمر سلطان أو أمير أو قوي، عنده ملكة، يعرف المأمورون أنه إذا لم يقتلوه قُتلوا، ففي هذه الحال يقتل الجميع: يقتل الآمر الأول، والآمر الثاني، والمأمور؛ لأن كلا منهم فدى نفسه، قال: أفدي نفسي، ولو كنت أعلم أنه مظلوم. قد يقول قائل: إني إذا لم أقتله قتله غيري، ثم قتلت أنا، فزيد هذا المظلوم لا بد أنه سوف يقتل، وقد أمروني أنا، وإذا لم أمتثل قتلت، وإذا لم أقتله قتلوه، أرسلوا غيري من يقتله، فكونه لا يقتل إلا واحد -وهو زيد- أولى من أنهم لا يقتلوني، ويقتلوا زيدا مرة أخرى. هذا قد يكون عذرا لبعض الناس أنه يقول: إني سوف أُقتل، ثم يُقتل زيد، فلا نجمع بين قتلين. الجواب أن نقول: ليس لك أن تقدم على قتله وأنت تعرف أنه مظلوم، إذا أقدمت عليه فإنك قاتل، بل عليك أن تتنصل، ولو قُتِلت فإنك مظلوم أيضا، وتكون شهيدا، وكذا إذا لم تقتل، ولكن تضررت بأن سُلب مالك، أو أُدْخِلت السجن، أو فُصلت من عمل، أو شردت ونفيت، فاحتسب ذلك ولا تقدم على قتل مسلم، وأنت تعرف أنه مظلوم، ولا قصاص عليه ولا سبب. يقول: إن أمر به غير مكلف أو من يجهل تحريمه، أو سلطان من جهل ظلمه فيه فالقتل على الآمر إذا كان -مثلا- الإنسان العاقل أمر غير مكلف أن يقتل: أمر الصبي، وأعطاه سلاحا، أو أمر المجنون وأعطاه سلاحا، وقال: اقتل هذا الإنسان. القصاص على الآمر؛ لأن هذا غير مكلف، مرفوع عنه القلم. كذلك إذا كان المأمور جاهلا بالحكم، لا يدري هل القتل حرام أو حلال، أو لا يدري هل هذا المقتول مستحق أو غير مستحق، ويظن أن هذا الآمر لا يأمر إلا بقتل من يستحق القتل، فهو يقول: أمرني فلان، وهو رئيس، وما أظنه يكون ظالما، أعتقد أنه لا يأمر إلا بحق؛ فامتثلت أمره اعتمادا على أنه رئيس، وأنه ذو سلطة، وأنه مأمون، مكنني وأمرني بقتله، وأنا أجهل أن هذا معصوم، لا أدري أن قتله محرم. وهكذا إذا كان السلطان ظالما، أمر جاهلا ظلمه. المأمور يقول: ما كنت أظن أن هذا السلطان ظالم، أظن أنه عادل. إذا كان عادلا فلا يأمر إلا بما هو جائز، القصاص في هذه الحال على من؟ على الآمر؛ لأن غير المكلف مرفوع عنه القلم، والذي يجهل تحريم القتل، أو تحريم قتل هذا المسلم معذور بجهله، والسلطان ظالم إذا أمر من لا يدري أنه ظالم فإنه معذور.

شروط القصاص

الفصل الذي بعده: شروط القصاص. يبوبون باب شروط القصاص: أي القصاص في النفس، وكذلك القصاص فيما دون النفس له شروط:

الشرط الأول: تكليف القاتل، والشرط الثاني: عصمة المقتول، والشرط الثالث: المكافأة مكافأته لقاتل -دينا وحرية-، والشرط الرابع: عدم الولادة، هذه شروط استيفائه

فإذا كان القاتل غير مكلف فلا قصاص. كما تقدم أن المجنون والصبي لا يقتص منهما؛ لفقد التكليف، عمدُ الصبي والمجنون، وكذلك إذا أُمر وهو جاهل فهذا غير مكلف، من المكلف؟ الحر، البالغ، العاقل هذا هو المكلف.

الشرط الثاني: أن يكون المقتول معصوما فإذا كان المقتول حربيا فلا قصاص؛ وذلك لأن الحربي مباح الدم، وهكذا أيضا: لو قتل قاتلا؛ لو جاء أن مثلا أن زيدا قتل من هذه القبيلة رجلا، وقبل أن يترافعوا جاء واحد من نفس القبيلة وقتل زيدا، فزيد هذا ليس بمعصوم؛ وذلك لأنه يعتبر قاتلا، وفي الحديث: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وهكذا أيضا: لو كان زانيا محصنا، جاء إنسان وقتله، وقال قتلته لأنه زنا، وعُرف واعترف بأنه زنا، وهو محصن- فهذا ليس بمعصوم فلا يقتل قاتله.

الشرط الثالث: المكافأة يعني المساواة، المساواة بين القاتل والمقتول في الحرية، والدين. فإذا لم يكونا متساويين، ولا متكافئين، فلا قصاص.

مثال على المكافأة في الدين: الذمي الذي ليس بمسلم، ثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقتل مسلم بكافر حتى ولو كان ذلك الكافر معاهدا، دخل بلاد المسلمين بعهد، وحتى لو كان ذلك الكافر من أهل الذمة، يدفع الجزية، فلا قصاص بقتله؛ لعدم المساواة في الدين، ليس كفئا للمسلم، ولكن فيه الدية، والدليل قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ يعني معاهدين، فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وهكذا المكافأة بالحرية: فإذا كان المقتول عبدا فلا قصاص. إذا كان القاتل حرا، والمقتول عبدا؛ لأن العبد تدفع قيمته، يدفع ثمنه، يطالب سيده بقيمته، ولا شك أنه يترتب على قتله إثم؛ لأنه قد يكون له أولياء أحرار: قد يكون أبوه حرا، وأمه، وله إخوة، وله أولاد أحرار، فهذا القاتل فجعهم في ولدهم، فيقول: هذا قتل ولدي. وتقول: إنه قتل ولدي. وهذا يقول: إنه قتل أبي. وهذا يقول: إنه قتل أخي. فالجواب أنكم لم تفقدوا شيئا؛ لأنه ليس بحر؛ لا يقدر على أن ينفق عليكم، ولا أن ينفعكم، إنما الذي فقده هو سيده، فتدفع قيمته للسيد 0

الشرط الرابع: عدم الولادة، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقتل والد بولده؛ وذلك لأن الولد فرع للوالد، فلا يقتص منه، ولو كان القتل عمدا، ولكن عليه الدية مغلظة. وقع في عهد عمر -رضي الله عنه- قصة رجل من بني مدلج، اسمه قتادة، كانت له أمة مملوكة، فتسراها فولدت له ولدين. هذان الولدان نشأ مع أبيهما وظهرت فيهما الشهامة، فصارا يرعيان الغنم على أبيهما، ويحفظانها. قتادة هذا كانت له امرأة، فكانت تكره تلك الأمة، فتقول له: أرسلها ترعى الغنم. يقول أولادها: لا نسمح أن أمنا ترعى ونحن موجودون، نقوم بالرعاية كما هي، ونكفي أمنا. فتحير الأب، الأولاد منعوا أمهم، والزوجة تلزم زوجها أن يرسلها ترعى؛ ليكون ذلك إذلالا لها. فغضب على أولاده الذين يقولون: لا تذهب أمنا، نحن نقوم بالرعي مقامها. غضب عليهم، فقتل واحدا منهم، ولما قتله وصل الأمر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فجاء إليه وهو في برية، وقال: لولا أن الوالد لا يقتل بولده لقتلتك، ولكن ادفع مائة من الإبل، هذه المائة لولدها لأخيه؛ لأنه حر، لولده الحر، فلم يقتله؛ وذلك لأنه أبوه، فدل على أن الوالد لا يُقتل بولده. هذه شروط القصاص.

شروط استيفاء القصاص

وأما شروط الاستيفاء فهي ثلاثة: يبوبون عليها: باب استيفاء القصاص، وله ثلاثة شروط:

الشرط الأول: تكليف المستحق.

والشرط الثاني: اتفاقهم.

والشرط الثالث: أن يؤمن في استيفاءه تعديه إلى غير جانٍ، هذه شروطه. التكليف هو البلوغ والعقل: فإذا كان للميت المقتول ورثة قاصرون، فلا يستوفى القصاص حتى يُكلفوا، حتى يبلغوا ويعقلوا؛ وذلك أنهم ربما يطلبون الدية إذا كُلفوا، فلا يُقتص من القاتل حتى يكون الورثة مكلفين، وهم المستحقون له، أولاد القاتل، أو ورثته إذا كانوا إخوة له الشرط الثاني: أن يتفقوا على طلب القصاص: فلو كانوا -مثلا- أولاده عشرة، وله زوجتان مثلا، فطلبت إحدى الزوجتين الدية، أو طلبتها إحدى البنات -مع أنها لا تستحق إلا شيئا يسيرا- فإنه لا قصاص؛ لأن القصاص لا يتجزأ، بل يدفع عاقلة القاتل، أو القاتل نفسه، يدفع الدية. في هذه الأزمنة يحدث الصلح على الدم، ولا على غيره. هناك -مثلا- قتيل له أولاد بلغوا، وله أبوان، وله زوجة أجنبية -ليست من القبيلة- أهل القاتل ذهبوا إلى الزوجة، وقالوا: لا فائدة لك بالقصاص، اطلبي الدية، حتى يسقط القصاص، نحن نعطيك مائة ألف أو مائة وخمسين ألفا. مع أن ديتها إنما هي -مثلا- خمسة آلاف، أو نحو هاز فلما طلبت الدية سقط القصاص -مع أن أولاد الميت وأبويه يريدون القصاص- فإذا طلب الدية واحد من الورثة، ولو كانوا عشرين، فليس للبقية مخالفته، يلزمون بأخذ الدية، ولو كانت الدية قليلة. الشرط الثالث: أمن الحيف، أمن التعدي في استيفاءه، مثاله: إذا كان القاتل امرأة حاملا، فهل تقتل وهي حامل؟ الحمل ليس له ذنب، عليها أن يتركوها إلى أن تضع، وبعد ذلك تُقتل؛ حتى لا يتعدى القصاص إلى غير الجاني؛ ذلك لأن تعديه يعتبر ظلما، وهكذا أيضا قالوا إذا: ولدت ولم يوجد لولدها من يحمله، فإنها تُترك إلى أن تفطمه مثلا، ثم يقام عليها الحد. في هذه المدة يحدث أن القتيل يكون له طفل مثلا رضيع -ابن سنة أو نصف سنة- فإذا رفع الأمر إلى المحاكم قالوا: لا قصاص حتى يبلغ هذا الطفل، ربما يطلب الدية، فيتوقف القصاص. ثم في هذه الحال ماذا يفعل في هذا القاتل؟ يسجن، يدخل في السجن حتى يبلغ الصغير، أو يقدم الغائب، أو يُفيق المجنون، ولو طالت المدة. معلوم -مثلا- أنه إذا كان الطفل له نصف سنة سوف يحبس هذا يحبس هذا القاتل خمس عشرة سنة إلا أشهرا، ولا شك أن حبسه إهانة له؛ وذلك لأنه تعدى على مسلم، فيحبس، ولا يمكن من الخروج. أجاز بعض العلماء إخراجه بكفيل، ولكن أنت تعرف أن الكفالة لا تكون إلا في الحقوق المالية لا في الحقوق البدنية؛ وذلك لأنه قد يهرب، قد يغرِّر، ولا يدرى أين هو. فإذا بلغ الصغير أُحضر الكفيل: هل نقتلك يا كفيل؟ أنت لست القاتل، أحضر إلينا القاتل وإلا قتلناك؟ ما يجوز أن يقتل الكفيل، وهو ليس المعتدي؛ فلذلك لا تجوز الكفالة إلا لمن عليه حق مالي: كما إذا كان عليه دين، وأخرجه بالكفالة، وهرب ذلك المدين يُحضر الكفيل، ويغرم الدين. فأما كفالة من عليه حق بدني فلا يجوز. إذن يبقى هذا القاتل في السجن، إن كان أحد الأولياء غائبا يسجن إلى أن يحضر ذلك الغائب، ولو طالت المدة، إن كان صغيرا يسجن إلى أن يبلغ الصغير، إن كان مجنونا يسجن إلى أن يُفيق ذلك المجنون. إلا إذا قرر الأطباء أنه لا شفاء له، أو يغلب على الظن أن يبقى على جنونه، ففي هذه الحال يعدل إلى الدية؛ نظرا لحق هذا المجنون. لكن إذا قال إخوته الأصحاء: نحن نعطيه الدية من أنفسنا، الدية التي سوف تؤخذ من هذا القاتل قد يكون نصيبه منها -مثلا- عشرة آلاف، أو عشرين ألفا، نحن نضمنها له، نريد أن ننتقم من هذا القاتل، نريد أن نقتله، ولا يبقى ونحن ننظره. فلهم ذلك. الاستيفاء يكون بحضرة السلطان أو نائبه، استيفاء القصاص، ويمكن ولي القتيل أن يقتله هو، فيعطى سيفا مثلا، أو بندقا، ويقال: هذا قاتل أبيك، أو أخيك، اقتله. إذا كان يحسن، ولكن لا بد أن يكون السلطان كالقاضي -مثلا- أو وكيلة حاضرا استيفاء القصاص، حتى لا يستوفى على غير صفة مألوفة.

كيفية استيفاء القصاص

يقول: وبآلة ماضية القصاص يكون بآلة ماضية -يعني- بآلة حادة: إذا كانت -مثلا- سيفا يكون سيفا حادا، وإذا كانت -مثلا- خنجرا، يؤمر بأن يقطع رأسه، تكون أيضا حادة، وإذا كانت بندقا -يعني يرميه- يكون معروفا بالإصابة، ثم أكثرهم على أن القصاص لا يكون إلا بالسيف، بضرب العنق. ورد حديث في السنن لا قود إلا بالسيف أي: لا قصاص إلا بالسيف، هكذا جاء هذا الحديث، والحديث فيه مقال، ولكن كأنهم يقولون: نختار العمل به، ولو كان ضعيفا؛ لأنه أرفق بالقاتل، ولأنه ورد الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. فيكون أحسن القتل الشيء الذي يريح القاتل، بحيث لا يتعذب، فلا يجوز تعذيبه. أطعنه هنا، وهنا ولو قال الولي: إن هذا مَثَل بأخي، أو بابني، طعنه عشرين طعنة، فأنا أريد أن هنا، حتى أشفي غيظي؛ لأنه طعن أخي أو ابني. فهل يُمَكَن؟ الحديث يقول إذا قتلتم فأحسنوا القتلة لا يُمَكَّن من ذلك على المختار. ذهب بعض العلماء إلى أنه يُمَكَّن، وأنه يقتل بمثل ما قَتَل به، واستدلوا بآيات من القرآن في سورة البقرة: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ والمثلية تقتضي المساواة، وفي آخر سورة النحل: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ المثلية -أيضا- تقتضي المساواة، وفي سورة الشورى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ونحو ذلك من الآيات. فإنها دالة على أن من أراد أن يُعاقِب فله أن يأخذ الثأر، أن يأخذ الثأر من ذلك المعتدِي عليه، وأن يفعل به كما فعل. ومن الأدلة -أيضا- قصة تلك الجارية من الأنصار، وجدت قد شدخ رأسها -رض بين حجرين- وعثروا عليها وفيها رمق -بقية حياة- فسألوها: من فعل بك هذا.. فلان.. فلان. ..حتى سموا يهوديا، فأشارت برأسها أن نعم، أُحضر ذلك اليهودي، وضُيِّق عليه فاعترف، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشدخ رأسه -أن يقتل به بين حجرين- وضع رأسه على حجر، وشدخ بالحجر الثاني على مثل ما قتل به الجارية، وفي هذا -أيضا- دليل على أن الذكر يقتل بالأنثى. فهذا دليل من يقول: إنه يقتل بمثل ما قتل به. ويجيبون أن الحديث ضعيف: وهو لا قود إلا بالسيف . وأما حديث: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة فالمراد إذا كان القتال قتالا مباحا كقتال المشركين؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى المسلمين عن التمثيل، يقول: لا تغدروا ولا تمثلوا أي لا تمثلوا بالقتلى. التمثيل أنهم إذا قتلوا قتيلا قطعوا أنفه، وفقئوا عينه، و شرموا شدقه مثلا، وبقروا بطنه، وأخرجوا قلبه -يعني- مثلوا به بعد أن، يُقتل لا فائدة بهذا التمثيل، فنهى عن التمثيل، فهذا معنى: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة . ثم قال هؤلاء الذين قالوا يقتل بمثل ما قتل به: إذا قتله بفعل محرم فكيف يفعل؟ قالوا: يحرص على المماثلة، ممن قال ذلك، واختاره ابن حزم وصاحب المحلى، فيقول مثلا: لو قتله بفعل اللواط الذي هو محرم؛ يعني قد يكون هناك بعض الفسقة، يغصب صبيا، ثم يلوط به، فيموت تحته بهذا الفعل، فكيف يقتل هذا اللوطي؟ اختار ابن حزم أنه يدخل في دبره وتد، أو خشبه، حتى يقتل، حتى يموت بذلك حرصا على المماثلة، هكذا قال. وإذا قتله بسقيه خمرا -يعني جرعه خمرا إلى أن مات - الخمر محرم، يقولون: يسقى ماء إلى أن يمتلئ بطنه، وتتشقق أمعاؤه، فيموت بذلك كما مات بالخمر. هذه تقديرات، ولكن الأولى العمل بالقول الأول الذي هو إحسان القتل لعموم: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. نتوقف عند الفصل الثاني، ونواصل فيه غدا -إن شاء الله-، والله أعلم وصلى الله على محمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://acharia.ahladalil.com
 
عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج03
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج04
» عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج05
» عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج06
» عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج01
» عقوبة الإعدام في ظل القانون والشريعة الإسلامية والقانون الدولي وحقوق الإنسان للدكتور عادل عامر ج02

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشريعة والقانون  :: الفضاء الشرعي :: رواق الدراسات الشرعية والقانونية-
انتقل الى: